كان على مجلس الدفاع الأعلى في جلسته الأخيرة التي عقدها بدعوة من الرئيس ميشال عون، ان يعالج ما هو أهم بكثير من كل ما سمعناه من كلام، يأتي عملياً في البديهيات وهو من اختصاص حكومة تصريف الأعمال والوزراء، فلقد كان غريباً جداً ان يتركز الحديث على ضبط حال الهرج والمرج وفحوص الكورونا في مطار بيروت تحديداً، وعلى عدم قطع الشوارع امام الناس، وخصوصاً ربما، كما يظن بعض المسؤولين، امام قوافل السيارات والباصات التي ستطوف بالسيّاح في البلد السعيد، ليروا بالعين المجردة كيف يمكن ان تحوّل السياسة العواصم مزابل، وكيف يمكن ان تصير محطات الوقود ساحات للقتال وحتى لإطلاق النار، وكيف يمكن ان يروا الذين أسعفهم الحظ من اللبنانيين وتمكنوا من شراء ربطة خبز او كيلو سكر، وهم يفرّون في الشوارع والزواريب، قبل ان يلاحظ الجوعى ما في أيديهم فيطاردونهم ويسلبونهم ما تمكنوا من شرائه.

ولعل اكبر دليل ان مجلس الدفاع الأعلى الذي يجتمع عادة في الدول لدرس مواجهة الأخطار الخارجية التي تتهدد البلاد، صار عندنا يجتمع لدرس العقد والمشاكل التي تعترض الأوضاع الداخلية تحديداً، وهذه اصلاً من مسؤولية الحكومات، ولو كانت من الأوهام التي يقودها شبح يسمى حسان دياب، ينام في السرايا على فراش “لم سمعنا لم قشعنا” تماماً كما ينام المسؤولون في هذا البلد الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة!

لماذا العودة الى الحديث عن اجتماع مجلس الدفاع الاعلى، الذي يبدو انه صار مولجاً بعمل الحكومة؟
لسبب بسيط ومهم، لا يتوقف عند رهان المسؤولين المضحك، على موسم سياحي عجائبي ينقذ الإقتصاد المنهار، ويعوّم الوضع المالي الرثّ، ويطعم الناس خبزاً في البيوت لا في مكبات النفايات، رغم ان المسؤولين يعرفون [هل يعرفون فعلاً؟] أننا بتنا في بلد بلا ماء ولا كهرباء ولا تلفزيون ولا انترنت، ولا ثلاجات او مستشفيات او ادوية، ولا غاز او مازوت او بنزين!

المشكلة التي لا تصدَّق انهم يجتمعون ولا يتوقفون امام تصريحات وزير الداخلية محمد فهمي، قبل 24 ساعة، وقد كرر فيها ما قاله سابقاً عن الخوف المتصاعد من الفوضى وتدهور الوضع الأمني المجتمعي، ومن ازدياد مخاوف اللبنانيين من تفاقم عمليات السطو والسلب، وان الهاجس الأمني هو ما يؤرّق اللبنانيين [ولكأن السيّاح القادمين الينا من المغاوير والفهود السود] وان الوضع بعدما ظل ممسوكاً في الأشهر الماضية، تسارعت التطورات والمستجدات التي توحي باتجاه البلد الى الوقوع في الفوضى وتفاقم عمليات السلب والسطو، مما جعل المواطنين يعتمدون تدابير جديدة منها الإمتناع عن الخروج ليلاً او الذهاب الى مناطق نائية، وتفادي التوقف عند الصرّافات الآلية في المصارف ليلاً وتفادي وضع الحليّ والساعات، افساحاً في المجال امام جحافل السياح الذين سيعوّمون البلد بالدولارات كما يتوهم المسؤولون وفّقهم الله!

قبل اشهر قال فهمي: “ان الوضع صار على الأرض”، ولكنهم في مجلس الدفاع الاعلى، مهتمون بتنظيم عمليات الـ” PCR” في المطار مع ان الوزير حمد حسن غير مقصّر والله، وها هو فهمي يكرر الآن “ان الوضع الأمني في لبنان تلاشى، وان البلد بات مكشوفاً على كافة الإحتمالات وليس فقط الإغتيالات، وان قوى الأمن لم يعد في مقدورها تنفيذ 90٪ من مهامها، فقد ارتفعت نسبة جرائم القتل الى 45،5٪ وجرائم السرقة الى نسبة 144٪.

كل هذا إضافة الى ان البلد مزبلة تغرق في الأوبئة والظلمة، والدولة القوية جداً مستمرة في سرقة ما تبقى من ودائع الناس لشراء البنزين والفيول اللذين تستوردهما مافيا مشتركة من مسؤولي الدولة وأزلامهم التجار والسرّاقين، والدليل تأخير توزيع البنزين نهاية الأسبوع الماضي.