حين نتحدّث عن التنمية المستدامة، أي التنمية البشرية الشاملة بمعناها الإنساني، فإننا نقصد شمولها للجوانب السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والبيئية والنفسية والدينية؛ إذْ لا يمكن إحداث التغيير المنشود دون تحقيق السلام الذي يتطلّب توفير الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار؛ حيث يعتبر السلام أحد أهم أهداف التنمية التي لا يمكن تحقيقها على نحو دائم ووطيد، دون إقامة السلام.

وبسبب اندلاع الحروب والنزاعات المسلّحة وغياب السلام وما صاحب ذلك من قلق وتوتّر لسكّان المعمورة، خصوصاً بعد اندلاع حربين عالميتين، فقد حفّز ذلك الأمر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تولي هذه المسألة الحيوية الاهتمام المطلوب، وتأخذ على عاتقها التذكير بمخاطر تهديد السلم والأمن الدوليين، وأن تتبنّى إعلان يوم عالمي للسلام، وذلك قبل أربعة عقود من الزمن؛ حيث اتخذت قراراً في العام 1981 للاحتفال بالسلام العالمي، والهدف من ذلك نشر ثقافة السلام وتعزيزها وتعميم قيمها بين البلدان والأمم والشعوب والجماعات والأفراد.

وفي العام 1991 قررت الجمعية العامة اعتبار يوم 21 سبتمبر/ أيلول من كل عام يوماً للسلام العالمي تحتفل به؛ وذلك بالدعوة إلى إنهاء الحروب، ووقف إطلاق النار بالمناطق التي تندلع فيها الحروب، ومناشدة البلدان والمنظمات الدولية والإقليمية الحكومية وغير الحكومية والشخصيات الفاعلة للعمل على تحقيق ذلك؛ لما له من انعكاسات إيجابية على الجمهور، وهي دعوة تتضمّن التعاون والتضامن لتحقيق هذه المهمة النبيلة، بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينصّ على صيانة السلم والأمن الدوليين، باعتباره مبدأً أساسياً من مبادئها، والعمل على حل الخلافات بالطرق السلمية، وتحريم استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية.

وكان شعار المجتمع الدولي هذا العام «التعافي بشكل أفضل من أجل عالم أكثر إنصافاً وتنمية مستدامة»، وذلك تزامناً مع حالة الخروج من الوباء الذي هدّد البشرية جرّاء مداهمة فيروس «كورونا» العالم أجمع 2020 – 2021، وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس قد دعا العالم أجمع إلى وقف إطلاق النار، ولا سيّما في البلدان التي تشهد حروباً أو نزاعات حربية.

وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قراراً بالإجماع يدعو فيه جميع الدول الأعضاء البالغ عددهم 193 دولة إلى وقف إنساني مستدام للنزاعات الأهليّة، واقترح وقفاً لإطلاق النار لتمكين الأشخاص المحاصرين في النزاع المسلّح من الحصول على اللقاحات اللازمة لمواجهة تحدّي «كورونا»، والحصول على العلاجات الضرورية للبقاء، وذلك بعد اجتياح الفيروس.

ويمكن القول إن الاحتفال باليوم العالمي للسلام له أكثر من دلالة، فهو إعلان صريح من جانب الدول والمنظمات والجهات والقوى ضدّ الحروب والنزاعات المسلحة، وهو في الوقت نفسه يلتمس الطريق السلميّ لحل النزاعات وعدم اللجوء إلى العنف والسلاح واستخدام القوّة في العلاقات الدولية أو التهديد بها، علماً بأن بعض النزاعات قديمة أو جديدة أو متجدّدة، كما يعني الاحتفال التمسّك بالقيم والمعاني الإنسانية والتي يتضمّنها السلام العالمي، وكذلك التبشير بالمستقبل الذي تعمل من أجله البشرية، بحيث يتحقّق السلام وتنعم البشرية بالسعادة والرفاهية، وبالطبع بالتنمية والمساواة والعدالة، وذلك بتعزيز قيم الحرية واحترام حقوق الإنسان.

ويعني الاحتفال باليوم العالمي للسلام نبذ العدوان والحروب والعنف، وذلك امتثالاً لميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو للتسامح، وعلى الشعوب والأمم أن يأخذ بعضها بعضاً بالتسامح، بعدما شهدت ويلات لا حصر لها، فالسلام ضرورة إنسانية وحاجة ماسّة، بل لاغنى عنها، تستوجب تعاون جميع البلدان كبيرها وصغيرها لحمايته.

إن من مصلحة البلدان والشعوب الصغيرة والمستضعفة أن تتمسّك بالسلام وقيمه، ففيه وحده يمكن تحقيق آمالها وطموحاتها، بما ينسجم مع القواعد الآمرة في القانون الدولي المعاصر، تلك التي يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية الجماعية ذات الصفة الاشتراعية أو الاتفاقات الثنائية التي تقرّ عدم الاعتداء وحماية السلم والأمن الدوليين، واحترام حق تقرير المصير للأمم والشعوب واستقلالها وسيادتها على كامل أراضيها وثرواتها الطبيعية، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم اللجوء إلى القوة والتهديد بها، فضلاً عن التعاون بينها لإنماء العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي مجمل قطاعات التنمية، والتعاون بوجه المخاطر، ومنها ما واجهته البشرية من تهديد فيروس «كورونا».

إن مرور 20 عاماً على اليوم العالمي للسلام فرصة مناسبة للمطالبة بالتوافق على ميثاق دولي ذي بُعد إنساني أو اتفاقية دولية للسلام؛ وذلك لمجابهة التعصب ووليده التطرّف وابنهما العنف والإرهاب، فلن تتحقّق التنمية المنشودة دون سلام وأمن، فهو الوعاء الحامل لها.