مر على الثورة التونسية ستة سنوات،حينما أشعل الشاب التونسي والخريج الجامعي محمد بوعزيزيالنار في بدنه، اعتراض على الظلم الذي تعرض له في حقبة الرئيس زين العابدين، بعد ما منعته الشرطة، من مزاولة مهنته الحرة في بيع الفاكهة، في مكان عام، وذلك بسبب عدم دفعه الرشوة. ولم يدخل عام 2011، وإذا بانتشار ثورة غضب عارمة، في جميع انحاء الشرق الأوسط، بل وفي العالم اجمع، فلم تمتد هذه الانتفاضة فقط في مصر والدول العربية، بل امتد أيضا إلى شوارع الوول ستريت في نيويورك، مع مظاهرات وحرائق في شوارع العاصمة اللندنية، ومنها إلى شوارع باريس وروما ومدريد، بل ولتمتد تداعياتها لأن تنزل بعض دول الغرب الجيش للشارع، ولتنتشر في الشرق الأوسط ولتخلق فوضى عارمة في ليبيا واليمن وسوريا والعراق. 

وبعد ستة سنوات تبرز ظاهرة الربيع العولمي في الانتخابات الأمريكية، بعد ثورة حزب الشاي الجمهورية، لتبرز شخصيتين مستقلتين بين جحافل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهما المرشح المنافس للسيدة هليريكلنتون في الحزب الديمقراطي وهو السناتور المستقل أصلا، برني ساندرز، في الوقت الذي برز المرشح المنافس والمستقل أصلا في الحزب الجمهوري، وهو المياردير دونالد ترمب، بالرغم من المعارضة الشديدة التي أبداها كبار قيادات الحزب الجمهوري ضده. وقد رفض الشعب الأمريكي محاولة هيلاري كلنتون هزيمة السناتور برني ساندرز من خلال أصوات المندوبين الكبار، على حساب أصوات جماهير الشعب الأمريكي، كما رفض الشعب الأمريكي الستة عشر مرشحا من أعضاء الحزب الجمهوري، وليبرز فجأة الملياردير دونالد ترامب، كرئيس منتخب من الشعب الأمريكي، ليؤكد بذلك الشعب الأمريكي رفضه للنخبة التقليدية من السياسيين في الحكومة والبرلمان بشقيه. 

كما يبدو بان عملية رفض النخبة السياسية التقليدية قد امتدت لأوروبا، بل امتدت للدول الآسيوية فاختارت الفلبين رئيس بعيدا عن صيت النخبة، كما يبدو بان "برني ساندرز" الكوري الجنوبي، قد ينجح في الانتخابات الرئاسية القادمة، بعد ان سجل حزب شعبوي يمني متطرف في النمسا نسبة عالية من الأصوات، حيث سجل مرشحه 46%، بينما نجح منافسه بنسبة 53%، وليس من البعيد ان يسجل هذا الحزب الشعبوي النصر في الانتخابات القادمة. كما فقد رئيس وزراء إيطاليا تأييد الشعب الإيطالي لمشروع إصلاحاته الأخيرة، لينتهي بتقديم استقالته، وذلك بعد أن قدم استقالته رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وبعد ان رفض الأكثرية من الشعب البريطانية مشروعه للبقاء في الاتحاد الأوربي.كما يبدو بان الرئيس الفرنسي هولاند حس بعدم إمكانية نجاحه في الانتخابات الفرنسية القادمة، ولذلك انسحب من ترشيح نفسه. كما يبدو بان نصيب اليسار الفرنسي ضعيف امام قوى اليمين المتطرف، وقد يفاجئ العالم بشخصية شعبوية أخرى، مارين لي بن، لتستلم الرئاسة الفرنسية. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ هل ستمتد هذه الشعبوية إلى الشرق الأوسط، لتعيد أحداث ما سماه مفكرو الغرب بالربيع العربي، أم قد استفادت دول الشرق الأوسط من الربيع العولمي لعام 2011، فاكملت تجاربها الإصلاحية، ولم يعد هناك ذرة من الغضب الشعبي؟

​للإجابة على هذا السؤال لنراجع عزيزي القارئ معا ما كتبه متخصصوا الأمن القومي في الدولةالعبرية، والتي تعتبر أي حالة عدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط،هو خطر كبير على الأمن الإسرائيلي، وخاصة بعد أن برزت في الصحافة الإسرائيلية تقرير الأمم المتحدة حول خطورة تأخر العملية الإصلاحية في الشرق الأوسط. فقد كتب بنجامين ونثال، المتخصص في مجال الأمن القومي الإسرائيلي، بجريدة الجورسليم بوست، في الأول من شهر ديسمبر الجاري مقالا بعنوان، تحليل: هل دمار الربيع العربي القادم قاب قوسين أو أدنى؟

​فقد كتب بنجامين ونثال يقول: "ستكون التقارير التي تتحدث عن تزايد غضب الشباب العربي تحت رادار مؤسسة الأمن الإسرائيلية، فقد دق جرس الإنذار عن قرب ثورة غضب الشباب العارمة، بعد ما أعلنه تقرير الأمم المتحدة الأخير عن التحديات الهائلة التي تتعرض لها الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط، والذي يبين بان هناك تزايد في الغضب بين الشباب التي تتراوح أعمارهم بينالخامسة عشرة والتاسعة والعشرينسنة، وطبعا سيكون هذا التقرير تحتمراقبة رادار المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. فيتوقع المتخصصون بان يرتفع سكان الدول العربية المعرضة للصراعات مستقبلا من 250 مليون في عام 2010 إلى أكثر من 350 مليون في عام 2020، والمتوقع بأنيتضاعف عدد السكان إلى 700 مليون في عام 2050. في الوقت الذيزادت عدد الدول العربية التي تعرضت للصراعات من خمسة دول في عام 2002 إلى احدى عشر في عام 2016. فالأسباب التي أدت إلى الصحوة العربية، والتي بدأت في عام 2011، والمعروفة بتعبير اقل شعبية بالربيع العربي، حية ومستمرة في قلب العالم الإسلامي وشمال افريقيا. ويوضح تقرير الأمم المتحدة بأن هناك ستة أسباب لتفاقم حالة عدم الاستقرار الممتدة في المنطقة، والتي تشمل ندرة فرص العمل المناسبة، وضعف المشاركة السياسية، وسوء الخدمات التعليمية والصحية، وسوء التعامل مع التنوع الاجتماعي، وسوء المفاهيم الموروثة في التعامل مع المرأة،بعدالة متساوية مع الرجل، والصراعات الطويلة الأمد، والتي تعطل التنمية المستدامة. وإذا لم تستطع قيادات المنطقة معالجة العوامل التي تعطل التنمية بين الشباب، يتوقع التقرير بأن تكون هذه العوامل سببا لعدم الاستقرار الاجتماعي، والذي قد يهدد الأمن البشري." كما نشرت مجلة دي ايكونوميست تقريرها مؤخرا عن منطقة الشرق الأوسط، وأكدت فيه الخطر المحدق بالدول العربية حيث أن العرب يمثلون 5% من سكان العالم، ولكن تضم بلادهم نصف إرهابي ولاجئ العالم.

​كما علق دبلوماسي إسرائيلي سابق خبير بشؤون الشرق الأوسط فقال: "المعضلة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط هي بان الدولة مسئولة عن معظم الموارد الوطنية، وتخنق اية مبادرة حقيقية لسوق حرة من الشباب المبدع. وما دامت الدولة تستطيع شراء السلم بدعم السلع والخدمات فكل شيء مقبول. وحينما ينتهي الدعم الحكومي ستبدأ التحديات الخطيرة، والتي ستقضي على السلم الاجتماعي المنشود. كما لا توجد تقريبا سوق حرة للمنافسة والإبداع الحقيقي، كما لا توجد صناعات تكنولوجية متقدمة، مع أن كثير من شباب المنطقة يدرسونها، والاهم من كل ذلك بأن الفساد مستشري بشكل فاحش. وهذه هي السلبيات التيستشعل ربيع عولمي آخر، وهل هناك علاج؟ لا أبدا لا يبدو بان أحدا مهتم بعلاج حقيقي للأوضاع المهترئة والخطيرة، فما بقي إلا انفجار آخر، والباقي ما هو إلا كبسولة مؤقتة لخفض شدة الألم. فحينما يشعر نصف السكان بان ليس هناك امل مستقبلي، فليس هناك فرص للتقدم، والاغرب بأن أكثر من ثلث الشباب بدون وظيفة عمل، بل حتى ضمنهم خريجي خيرة الجامعات الغربية."

ويعلق على كل ذلك الكاتبالإسرائيلي بنجيمان ونثال بقوله: "وهذه التحليلات تفسر الاستنتاجاتالتي توصلت لها التقرير، وهو بأنهذا التباين المجتمعي الخطير، سيدفع بشعوب المنطقة للثورة، وسيكون الشباب في المقدمة، حيث أن الفساد وتعطل التنمية دفعهم لفقدان الأمل، والاندفاع لتحريك المجتمع نحو الغضب والغليان والعصيان والثورة. فعصر الهدوء الكاذب في العالم العربي الراكد قد انتهى. كما أن التوصيات المستقبلية التي يطرحها التقرير تتنافى مع اتهام إسرائيل بانها سبب جميع معضلات منطقة الشرق الأوسط. فقد ذكر تقرير الأمم المتحدة الأخير إسرائيل تسعة وعشرين مرة، وتصور بأن القضية الفلسطينية هي أخطر تهديد وجودي في المنطقة، ما دام الاحتلال الإسرائيلي مستمر، ومع استمرار ركود عملية السلام المقترحة لعام 2002، وتباطؤ المحاولات الدولية الأخرى لحل هذه المعضلة. كما بين التقرير بان استطلاعات الرأي العربية للمركز العربي للأبحاث والسياسات تدل على أن 75% من المشاركين يعتقدون بأن القضية الفلسطينية ليست قضية خاصة بالفلسطينيين، بل هي قضية عربية أيضا، كما أن 85% منهم يعارضون الاعتراف الدبلوماسي من حكوماتهم لإسرائيل. كما تعرض التقرير بطريقة غير مباشرة للتطرف الديني، بقوله بأن الشباب معرضين لخطر المجموعات التي تستغل الدين لكي تشكل شخصياتهم."

وقد أكد أوجين روجان في كتبه عن العرب، بانه لكي تمتع الشعوب العربية بحقوق الإنسان، والحكومات المحاسبة، والأمن، والتنمية الاقتصادية المستدامة، عليها ان تستلم يد المبادرة بنفسها. أي بأن يبدأ الإصلاح أولا على المستوى الشخصي والفردي باحترام الأنظمة والقوانين، وتقديس الوقت، والخلاص العمل، والمحافظة على المال العام،وانهاء ثقافة الفساد الصغير، وتطوير إحساس التعاطف والمشاركة المجتمعية. 

كما كتب نوبواكي نوتوهارا في كتابه، العرب من وجهة نظر يابانية،وهو الدبلوماسي الياباني الذي عايش العرب أربعين عاما، ليقول: "العرب متدينون جدا، وفاسدون جدا، فالدين اهم ما يتم تعليمه، لكنه لم يمنع الفساد وتدني قيمة الاحترام، ومشكلة العرب انهم يعتقدون ان الدين أعطاهم كل العلم! عرفت شخصا لمدة عشرين سنة، ولم يكن يقرأ الا القرآن الكريم، بقي هو ذاته، ولم يتغير. في المجتمع الياباني، نضيف حقائق جديدة كل يوم، بينما يكتفي العربي باستعادة الحقائق التي اكتشفها في الماضي البعيد. كما أن انعدام حس المسئولية طاغ في مجتمعاتهمالعربية. ولا يزال العرب يستخدمون القمع والتهديد والضرب خلال التعليم، في الوقت الذي يتساءلون متى بدأالقمع. والمجتمع العربي مشغول بفكرة النمط الواحد، على غرار الحكمالواحد، لذلك يحاول الناس ان يوحدوا ملابسهم وأفكارهم، كما استغرب لماذا تستعمل كلمة الديمقراطية كثيرا في العالم العربي. ومع أن العرب مورست ضدهم العنصرية، ومع هذا شعرت بعمق بأنهم يمارسونها ضد بعضهم البعض. حين يدمر العرب الممتلكات العامة، فهم تعتقدون بأنهم يدمرون ممتلكات الحكومة، لا ممتلكاتهم!! عقولنا في اليابان عاجزة عن فهم ان يمدح الكاتب السلطة أو أحد أفراد السلطة، هذا غير موجود لدينا على الإطلاق، نحن نستغرب ظاهرة مدح الحاكم، كم نستغرب رفع صوره في أوضاع مختلفة كأنه نجم سينمائي، لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم؟؟لماذا يكرر العرب اخطائهم؟؟ الشعور بالاختناق والتوتر سمة عامة في المجتمعات العربية. توتر شديد، ونظرةعدوانية تملأ الشوارع. لكي نتفهم سلوك الإنسان العربي العادي، علينا ان ننتبه دوما لمفهومي الحلال والحرام. كما على العرب ان يفهموا التجربة اليابانية، فسيطرة العسكر على الشعب هي سبب دخول اليابانفي حروب مجنونة، وفي اليابان قيادة الدولة المعاصرة أكبر من إمكانيات أي شخص، مهما كان موهوب أو قوي لذلك يمارس هذا المنصب المسؤول مرة واحدة فقط، وبذلك نضمن عدم ظهور مركزية فريدة مهيمنة. بينما الحال مختلف عند العرب، الرجل العربي في البيت يلح على تعظيم قيمته، ورفعها إلى السيطرة والزعامة، وفي الحياة العامة، يتصرف وفق ميزانه وقدراته ونوع عمله، هذان الشكلان المتناقضان ينتج عنهما غالبا أنواعا شتى من الرياء والنفاق. كما أن مفهوم الشرف والعار يسيطر على مفهوم الثقة في مجالات واسعة في الحياة العربية، أما ضيافة العرب فهي فريدة وممتازة." ولنا لقاء.

 

سفير مملكة البحرين في اليابان