التحول السياسي في بنية النظام الشمولي نحو الديمقراطي، يقترح بالضرورة تحولا ً في الوعي المجتمعي، ووجود نخب سياسية قادرة على تحول هذا التغيير السياسي الى نظام جديد منتج لمبادئ المواطنة وتحقيق العدالة والمساواة، بخلاف هذا التكامل الثلاثي تصبح العملية أشبه باستبدال الأغلفة لمسميات السلطات البابوية ونفوذ المهيمنات السياسية والقبلية المتوارثة لمجتمعات تنوء بسلطة الإستبداد والتهميش والتبعية العمياء للعصبيات القبيلية والطائفية.
الانطباع الخاطئ الذي تشيعه السلطات المهيمنة بما يسمى ديمقراطيات الشرق الأوسط، هو الإحتكام للصندوق أي الانتخابات، بينما توضع قوانين وطرق الوصل الى الصندوق على هوى ورغبات ومصالح السلطات أو الاحزاب المهيمنة طائفيا ً أو قبليا أو عنصرياً، وهنا تنتهي قواعد اللعبة في تأكيد دورة السلطة في المجتمع تحت غطاء وهم " الديمقراطية "، من هنا تجد ان رعاة مايسمى بأنظمة الشرق اوسط الديمقراطية يمكثون في سلطاتهم ونفوذهم طيلة اعمارهم في ظل هيمنة مطلقة على قضاء يعطي لهم مايريدون، ونفوذ قوة أمنية سرية وعلنية تمارس أرهابا منظورا يتمثل بسلطة الحكومة واخر غير منظور كالميلشيات والجماعات المسلحة، ومن يخالف أو يعارض برامج هذه الأنظمة ودولتها العميقة، يكون قد أرتكب أثماً يتوجب الإجتثاث والعزل الوظيفي وقرارات الملاحقة القضائية.

 التجربة السياسية في العراق ودول الاقليم ذات التسميات الديمقراطية،تعيد تذكير الشعوب بأن لافرق يذكر بينها وبين الأنظمة الديكتاتورية والشمولية سوى المزيد من الفوضى والتخلف وفقدان الأمن والأمل، واضافة قوائم جديد من ضحايا القتل المجاني وقرارات المنع والتحريم.
وإذ تشتغل القوى الفاعلة في في هذه الأنظمة على تكريس دساتيرها تحت رغبتها القومية والدينية والطائفية، فأن مشروع الإنفصال والإستقلال تتيحه فكرة الانظمة الفيدرالية، وهي تحاكي بمراهقة سياسية، أرقى تحارب الديمقراطية في العالم، بينما تكشف حقائق الواقع عند تكريس السلطة والثروة والقوة في يد من يدعو للإنفصال والاستقلال، دون الوقوف عند حقائق الحالة الشعبية ومعطياتها أو التعامل معها بشفافية ومشاركتها بالسلطة والدور والقرار..!
انعدام ثقافة المواطنة في اي تجربة ديمقراطية يعني إلغاء المعنى الحقيقي للديمقراطية، لأنها ستقوم على مفاهيم وثقافات وانتماءات فرعية، وهنا تنتهي مبادئ الديمقراطية الحقة، وحين تقوم فكرة التغذية لمشاريع الإنفصال تعويضا عن غياب المواطنة، فأن المحصلة سوف تعطي لنا دولة عنصرية شوفينية أو طائفية فاشية، من هنا نجد الإنقسامات الحادة في بنية المجتمع العراقي مثلا، صارت مرشحة للتصادم الدموي، لأن التغذية السياسية إبان ١٤ سنة ماضية كانت تقوم على تحاصص سياسي قومي وطائفي، يقابله ألغاء تام لثقافة ومفاهيم المواطنة ووحدة النسيج المجتمعي الموحد والمتكافئ، فأصبح المواطن العربي يشعر بالحيف لأن العنصر الكردي ينال من حقوقه، يقابله احساس المواطن الكردي الذي يجد نفسه بمرتبة ثانية، وكذا الحال بالنسبة للعراقي السني و المسيحي والايزيدي والتركماني والفيلي والصابئي...الخ.

خلاصة القول ان هذه الديمقراطيات والنازحة عن معطف التوليتارية الدينية أو القومية أو من يجري إنباتها جراء احتلال امريكي أو إنقلاب عسكري، فأن ضياء وجودها يستمد من نيران الحروب والتبعيات الخارجية، وتنتهي الى انهيار الدولة وتجزئتها بعد ان تصبح أشبه بمجموعة شركات ومافيات يقودها زعماء الفساد " الوطني ".