تحمس أكراد سوريا، لم يكن أقل حماسة من أكراد العراق للانفصال واعلان الدولة الكردية في الشمال العراقي. لو ُكتب النجاح لخطوة أكراد العراق، لكانت شكلت حافزاً إضافياً قوياً لأكراد سوريا للتفكير والعمل جدياً على مشروع انفصالهم عن سوريا، خاصة بعد الانجازات السياسية والعسكرية المهمة، التي حققها لهم حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري(قوات حماية الشعب) الكردية. لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن الأكراد. القول "نعم للانفصال" بدلاً من أن يأخذ الأكراد الى تحقيق الحلم الذي طال انتظاره "قيام الدولة الكردية"، ارتدت نتائجه بشكل سلبي وخطير عليهم. أفقدهم الكثير من المكاسب والامتيازات (السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية )، ناهيك عن الإحباط الكبير الذي اصابهم جراء الارتدادات السلبية للاستفتاء على الوضع الكردي، خاصة خسارتهم "كركوك" الغنية بالنفط - يصفونها بـ " قدس الأقداس" الكردية- وغيرها من المناطق المتنازع عليها. السيد (مسعود البارزاني) قال عن المناطق المتنازع عليها، بعد أن سيطرت عليها البشمركة الكردية في اطار الحرب على (تنظيم الدولة الإسلامية – داعش الارهابي)،" بانها،حدود كردستان، وقد رُسمت بالدم الكردي، لا يمكن تركها والانسحاب".
زعماء أكراد العراق، قادتهم العواطف والشجون القومية، ابتعدوا عن الموضوعية وعن الواقعية السياسية في مقاربتهم وقراءتهم للمشهد السياسي والعسكري (المحلي والاقليمي والدولي). خدعوا أنفسهم وخدعوا شعبهم بالرهان على سياسية فرض "الأمر الواقع" التي انتهجوها منذ حكمهم للإقليم الشمالي.
القيادي في حزب (الاتحاد الديمقراطي الكردستاني) ووزير خارجية العراق السابق( هوشيار الزيباري)، صرّح بأن "ما بعد الاستفتاء سيكون شيئاً آخر، لا يشبه ما قبله، وإن عشرات الدول ستكون مؤيدة له إنْ لم تكن قد وافقت على الأمر الواقع". البرزانيون المهيمنون على الحياة السياسية والاقتصادية في الاقليم، أخطأوا حتى في تقدير مستوى ودرجة الخلافات الكردية – الكردية داخل الاقليم. انسحاب قوات البشمركة من دون مقاومة من كركوك، كشف عمق وحدية الخلافات داخل البيت الكردي. السيد البرزاني، في كلمة "التنحي / الخروج من المشهد السياسي"، وصف تسليم كركوك بـ"الخيانة العظمى" في إشارة واضحة منه الى حزب (الاتحاد الوطني الكردستاني) الذي تتزعمه اسرة الطالباني.التطورات السياسية والعسكرية التي أعقبت الاستفتاء أثبتت بأن جميع الرهانات الكردية كانت خاسرة وبعيدة عن الواقع (العراقي والاقليمي والدولي). العراقيون توحدوا دفاعاً عن وحدة بلادهم، رغم خلافاتهم وانقساماتهم العميقة. دول الجوار (ايران-تركيا- سوريا)،ومعها امريكا ومعظم الدولة الغربية، قاومت الخطوة الانفصالية لأكراد العراق.
الظروف والعوامل(الذاتية والمحلية والدولية)، التي ساهمت في نمو الحالة الكردية السورية، لا تختلف كثيراً عن ظروف وعوامل نمو الحالة الكردية العراقية. ما يخشى منه، ان يخرج أكراد سوريا عن (الاجماع الوطني السوري) ويكرروا التجربة الفاشلة لأشقائهم أكراد العراق والذهاب بعيداً في مغامراتهم ورهاناتهم السياسية، لجهة تحقيق تطلعاتهم القومية. التحديات والعقبات(المحلية والاقليمية والدولية) التي واجهت المشروع الكردي في العراق، ستواجه المشروع الكردي في سوريا. ففي النهاية الدول ستقف عند مصالحها. قول وزير الخارجية الأميركي (ريكس تيلرسون) لنظيره التركي (مولود جاويش أوغلو) "إن بلاده تزود الأكراد بالسلاح خشية استمالة الروس لهم في حال امتناعها" كلام يؤكد وبشكل فاضح بأن القوى الدولية النافذة والفاعلة في الأزمة السورية تُسخر القوى المحلية، كردية وغير كردية، وهي تدفعها للحرب بالوكالة عنها، خدمة لمصالحها الاستراتيجية في سوريا والمنطقة. التنازلات التي قد يقدمها النظام للأكراد، لن يقدمها حباً بهم أو حرصاً منه على انصافهم ورفع الظلم عنهم وإشراكهم في إدارة البلاد. كالعرض الذي قدمه مؤخراً وتحدثت عنه بعض وسائل الاعلام" منح حزب الاتحاد الديمقراطي، منطقة حكم ذاتي في المناطق ذات الغالبية الكردية شمال شرق البلاد، مقابل سحب قواته من المناطق ذات الغالبية العربية(في محافظتي الرقة و ديرالزور والحسكة) وتسليمها للجيش الحكومي". النظام الغارق في مستنقع "الحرب الأهلية" يبحث عن خشبة خلاص. المكاسب التي قد يمنحها بشار الأسد، للأكراد، ستأتي من خارج الاجماع الوطني السوري، لا مشروعية وطنية لها، سيرفضها الشعب السوري متى تمكن من ذلك. "الانتكاسة القومية" لأكراد العراق، يفترض أن تكون "درساً سياساً" لأكراد سوريا، بمختلف أحزابهم وقواهم وفعالياتهم السياسية والثقافية والمجتمعية، لجهة تحديد سقف تطلعاتهم القومية ورهاناتهم في تحقيق هذه التطلعات. المنتظر، أن ينظروا لقضيتهم كأكراد سوريين، وهم كذلك، وبمنظار وطني سوري خالص وكجزء من القضية الوطنية السورية العامة، وليس بمنظار "كردستاني"، يفقد قضيتهم بعدها الوطني. طبعاً، العيون هي على (حزب الاتحاد الديمقراطي- pyd)، رائد المشروع الكردي اليوم في سوريا، وقد باتت قواته العسكرية تسيطر على نحو ربع مساحة الاراضي السورية، بفضل الدعم العسكري الامريكي والغربي القوي له في اطار الحرب على داعش. انشقاق الناطق باسم "قوات سوريا الديمقراطية" العميد (طلال سلو)، سوري ذات اصول تركمانية، يعد "هزة قوية" لـ (قسد) المقادة كردياً. التجاء سلو الى تركيا، رسالة قوية الى حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري (قوات حماية الشعب) الكردية، التي تشكل العماد الاساسي لـ(قسد). هذا التطور المفاجئ، يفترض أن يشكل حافزاً و سبباً اضافيا لحزب الاتحاد الديمقراطي، للقيام بمقاربة جديدة لدوره واستراتيجيته واصطفافاته، السياسية والعسكرية، في الأزمة السورية، لمرحلة ما بعد داعش.
باحث سوري مهتم بقضايا الاقليات
[email protected]
التعليقات