1- 

اللهاث وراء الوهم

بالرغم مما تحقق من تقدم علمي وتكنولوجي مهم في العقود السبعة المنصرمة، منذ أواسط القرن العشرين إلى نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، لم يتمكن العلماء من حسم معضلة الألغاز الكونية العصية القائمة منذ قرون. فالكون المرئي، حسب آخر الإحصائيات والحسابات الكونية والعلمية المتوفرة لدينا، يتكون من مادة غير معروفة أو مجهولة الماهية بنسبة 80% والتي عرفت بإسم المادة السوداء أو المظلمة matière noire، والتي لم ترصد بعد في الكون المرئي، فلماذا لم ننجح في رصدها؟ هل لأنها غير موجودة؟ أم لأن وجودها افتراضي محض؟ أم لأنها أعقد بكثير مما تصوره بعض العلماء؟. النماذج الكونية التي بنيت على أساس افتراض وجود هذه المادة في الكون المرئي، والتي تفترض أنها مكونة من نوع واحد من الجسيمات الأولية مادون الذرية، كثيرة. ولكن آخرون يقولون أن المادة السوداء أو المظلمة يمكن أن تحتوي على عدد من الجسيمات لكنها لا تتفاعل، أو بالكاد، مع جسيمات المادة العادية الأولية، وهذا هو التفسير الأكثر نجاعة لعدم كشفها ورصدها ومشاهدتها لحد الآن.

المجرة الجارة آندروميدا، الأقرب لمجرتنا درب التبانة، تطرح مشكلة، فهي تدور حول نفسها بسرعة كبيرة جداً أكبر من سرعة دوران مجرتنا حول نفسها، والقوانين الفيزيائية الطبيعية الكونية التي نعرفها ونطبقها على مجرتنا، غير قادرة على تفسير تجانسها. فالثقالة أو الجاذبية الناجمة عن هذه المجرة من قبل المادة المرئية، ضعيفة جداً بحيث هي غير قادرة لوحدها لإمساك النجوم الدائرة في فلكها وضواحيها والتي تنطلق بسرعات هائلة من شأنها أن تلقيها أو ترميها خارج حدود المجرة. فلو اقتصرت المادة الموجودة فيها على المادة المرئية فيها فحسب، فمن المفترض ألا توجد مجرة آندروميدا وأمثالها من المجرات الحلزونية، لكنها موجودة، وهذا لغز كوني ويتوجب شرحه وتفسيره. ولقد افترض الفيزيائيون وعلماء الكونيات، كتفسير وحيد ممكن، وجود نوع آخر من المادة يحيط بمجرة آندروميدا ويغطيها هي وبقية المجرات التي تبث قدراً فائضاً من قوة الثقالة أو الجاذبية، اللازمة للحفاظ على تماسك النجوم بداخلها . وهذه المادة الغريبة، التي سميت بالمادة السوداء أو المظلمة، تمثل نسبة 80%، من مكونات الكون المرئي كما يعتقد نظرياً. فحسب أغلب النظريات وأبسطها تفترض، إن هذه المادة مكونة من نوع واحد من الجسيمات الأولية التي لا تتفاعل على الإطلاق مع جسيمات المادة العادية الأولية ولكن يتعين على العلماء تشخيص هذا الجسيم واكتشافه ورصده ودراسته إلا أن جهوداً مضنية بذلت لعقود طويلة لم تنجح في تحقيق هذه الغاية. كما يوجد هناك تباين بين نتائج الرصد والمشاهدة من جهة، ومعطيات هذه النظرية من جهة أخرى، مما جعل البعض يطعن في صحة فرضية الجسيم الأولي الوحيد المكون لهذه المادة المظلمة أو السوداء. فعدم وجود حالة رصد ومشاهدة واحدة هي في حد ذاتها معلومة في غاية الأهمية تجعلنا نستنتج بعض القيود فيما يخص خصائص هذه المادة . على سبيل المثال يمكننا أن نحسب حداً أعلى من إحتمالية التفاعل بين المادة السوداء والمادة العادية، وهذه القيود تبدو متشددة أكثر فأكثر بحيث تبدو في نهاية المطاف غير موائمة وغير متوافقة مع النموذج النظري الشائع عن المادة السوداء أو المظلمة الذي يحصرها بنوع واحد من الجسيمات الأولية. يتقصى بعض العلماء سيناريوهات تستغني عن المادة السوداء وتدرس نظريات تتعدل فيها قوانين الثقالة أو الجاذبية ويختلف سلوكها عما يمليه ميكانيك نيوتن في هذا المجال لحدوث تسارعات ضئيلة جداً لا سيما في مناطق الأطراف للمجرات. فهذه المقاربة تستعيد فكرة برم أو دورانات المجرات الحلزونية حول نفسها ولكن يكتنفها بعض النقص وتتطلب، رغم ذلك، افتراض وجود مادة غير مرئية لوصف دينامكية عناقيد وحشود العديد من المجرات. بيد أن الغالبية العظمى من العلماء يتبنون فرضية المادة السوداء أو المظلمة لأنها تفسر الكثير من المشاهدات الرصدية الفلكية والكوسمولوجية كحركة المجرات داخل الحشود والعناقيد المجرية وتوزيع المادة على مستوى الكون المرئي وديناميكية المادة في لحظة تصادم عنقودين أو حشدين مجريين وكذلك تفسير ظاهرة العدسات الثقالية. ومع ذلك كان لا بد من افتراض أن هذه المادة الغامضة هي أكثر تعقيداً من الصيغة البسيطة التي وصفت بها فلا يمكن أن تكون مكونة من جسيم أولي واحد وبالتالي فهي بالضرورة مركبة. فعلى غرار المادة العادية التي تقدم نفسها بعدة صيغ وأشكال، فلماذا لايحق للمادة السوداء أو المظلمة أن تقوم بنفس الشيء؟ ولماذا يجب أن تكون أقل ثراءاً وتنوعاً من المادة العادية؟ هذه التساؤلات المشروعة دفعت بعض العلماء لتقصي هذه الإمكانية المحتملة والتي تنطوي على زج نوع آخر من القوى غير المعروفة والتي لم يتم التفكير بها من قبل، والتي من شأنها أن تتفاعل بقوة مع المادة السوداء وتؤثر عليها حتى لو كان ذلك بدرجات اضعف واخف بكثير مما تفعله تجاه المادة العادية، ولقد دعمت المشاهدات الأخيرة وعمليات الرصد لتصادم المجرات وتداخلها في السنوات الأخيرة، هذه الفرضية. ولقد فسرت التحليلات التي أجريت على نتائج الرصد أسباب غياب الإشارات المتعلقة بالمادة السوداء أو المظلمة من خلال تجارب عديدة أجريت بهذا الصدد وقدمت حلولاً لبعض الصعوبات النظرية التي طرحها النموذج المبسط. فلو وجدت المادة السوداء أو المظلمة المركبة حقاً، فإن كوننا المرئي سيكون أكثر غناً وتنوعاً وثراءاً وفتنة مما نتخيل.

وحتى إن كنا لا نعرف لحد الآن ماهية المادة السوداء الحقيقية ولا مم تتكون فبإمكاننا أن نتخيل بعض خصائصها بفضل تأثيرها الطفيف على المادة العادية من خلال المشاهدات أو المحاكاة الحاسوبية الرقمية. على سبيل المثال يمكن تصور الجسيمات الأولية المكونة للمادة السوداء أو المظلمة من النوع الأثقل من جسيمات المادة العادية الأولية. فلو لم تكن كذلك لهربت بسرعة الضوء ولما تجمعت بكثافة في بعض مناطق الكون المرئي البدئي والتي تسببت بالهيكيلية الحالية المنظورة والمرئية للكون .

من الخصائص المفترضة للمادة السوداء، كونها لاتمتص الإشعاع الكهرومغناطيسي، و لاتبث إشعاعات ضوئية مرئية، فإنها يمكن أن تكون محايدة كهربائياً أي بدون شحنة وليست حساسة إزاء التفاعلات النووية القوية أو الشديدة التي تحافظ على تماسك النوى الذرية، إذ بخلاف ذلك، كان يمكن لنا أن نلحظ ونرصد إشارات تفاعلية للمادة السوداء مع جسيمات مشحونة كهربائياً للطاقات الفائقة في الإشعاعات الكونية، في حين يمكن نظرياً للمادة السوداء أن تتفاعل على نحو طفيف مع التفاعلات النووية الضعيفة بيد أنها نادرة جداً كما أظهرت التجارب المختبرية ذلك في الآونة الأخيرة.

كما نعرف الآن أن المادة السوداء مستقرة على المستوى الكوني الكبير وهي لاتتفكك أو تتفتت إلى مكوناتها الأولية الجسيمية.لأن المحافظة على الشحنة في النوى الجسيمية الأولية هو الذي يمنع التفكك والتفتت، فالإلكترون مستقر في تكوينه ومحافظ على شحنته. والتفاعلات من الندرة بمكان بحيث يصعب، إن لم نقل يستحيل، رصدها، وما يعزز هذه الفرضية هو اكتشاف مجرات قزمة تابعة لمجرتنا درب التبانة وتدور في محيطها بعيداً عن مركزها.

الجانب الغامض للفوتونات:

إزاء الفشل في الكشف عن المادة السوداء رصدياً، اتجه بعض العلماء إلى نماذج أخرى أقل كلاسيكية من هذه المادة، وافترضوا أن لهذه الأنواع من المادة السوداء أو المظلمة عدة أنواع من الجسيمات الأولية وهي تتعاطى مع قوة كونية جوهرية مجهولة لا تتفاعل مع المادة العادية التي نعرفها. ويوجد لدى بعض هذه الجسيمات الأولية السوداء أو المظلمة، نوع من الشحنة الداكنة أو المعتمة charge sombre، جاذبة أو مستقطبة، ونابذة أو طاردة أو نافرة مع كونها كهربائياً محايدة . وعلى غرار الجسيمات الأولية العادية في المادة العادية التي تحتوي على شحنة كهربائية بوسعها بث الفوتونات، أي جسيمات الضوء الحاملة للتفاعلات الكهرومغناطيسية، فإن تلك الجسيمات الأولية السوداء أو المظلمة الافتراضية المحملة بالشحنة المعتمة أو الداكنة يمكنها هي أيضاً بث فوتونات معتمة أو داكنة سوداء غير مرئية. كما توجد قوانين تشبه قوانين المادة العادية دون أن تكون نسخة طبق الأصل عنها، وإن إيقاع تبادل الفوتونات السوداء أو المعتمة هو أقل وأضعف بكثير من تبادلات فوتونات المادة العادية . فعند هذه الأخيرة، تتيح عمليات تبادل الفوتونات للجسيمات تبادل الطاقة بينها، ولهذا الفعل تأثير كبير ومهم على تشكل وتكون المجرات. فغمامات أو سحب الغاز داخل مجرة في طور التشكل تبث الطاقة، الأمر الذي من شأنه أن يقوم بتجميع المادة داخل الغمامة الغازية للمجرة وإن حفظ الحالة الدورانية وقياسها يمنع المادة من التقلص إلى حد معين وتكون الهيكيلية أو البنية الناجمة تتخذ شكل القرص، وبالتالي يفترض أن يكون هناك قرص مماثل من المادة السوداء أو المظلمة على غرار المادة العادية المألوفة. والحال إنه لكي نفسر شكل المجرات ينبغي للمادة السوداء أن تتوزع على هيئة غمامة كروية أو هالة، وهذا ما بينته نتائج الرصد في التلسكوبات الفضائية المتطورة الحديثة. وبموجب التبادلات المحدودة بين الجسيمات السوداء الأولية يتم الحد من فقدان الطاقة للهالة التي تشكلها المادة السوداء أو المظلمة. ومع ذلك يمكننا أن نتخيل بعض النماذج التي يقوم فيها جزء من المادة السوداء بتبادل فوتونات سوداء أو داكنة بكميات أكبر .

ليس هناك ما يمنع من تخيل وجود كون يحتوي على جسيم ذو شحنة سوداء موجبة ونظيره ذو الشحنة السوداء السالبة . وفي هذا النموذج سيكون الشكل أو الهيئة الكهرومغناطيسية معتمة أو داكنة تدفع جسيمات المادة السوداء أو المظلمة إلى أن تبث أو تمتص فوتونات سوداء أو معتمة. وعلى غرار جسيم المادة العادية، ونظيرها جسيم المادة المضادة، ذات الشحنة المعاكسة، حيث يفنيان بعضهما البعض ويولدان أو يحرران فوتونات، يمكن لجسيمين من المادة السوداء أو المظلمة بشحنتين معتمتين متضادتين، أن يفنيان بعضهما البعض ويحرران فوتونات سوداء أو معتمة. وسوف تؤثر تلك التبادلات بين الفوتونات المعتمة أو الداكنة، على شكل المجرات، ويستخدم الفيزيائيون هذه القيود القسرية لتقدير كثافة التفاعلات الكهرومغناطيسية السوداء أو المعتمة ومعدل تردد عملية الإفناء المتبادل في المادة السوداء أو المظلمة، على أن يكون ذلك التفاعل ليس قوياً لكي يحافظ على الهالة الكروية الموجودة حول، وفي، ضواحي المجرات. ولقد اقترح علماء سنة 2009، وهم لوتي آكرمان، وماثيو بيوكلي، وشين كارول، ومارك كاميونكوفسكي، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أن ينطوي القيد القسري المشار إليه أعلاه على أن تكون الشحنة الكهربائية المرتبطة بالتفاعل المعتم، صغيراً جداً بحدود 1% من قيمة الشحنة الكهربائية العادية. وكل ما طرح لحد الآن يخص نوع واحد من المادة السوداء أو المظلمة ذات الجسيم الأولي المعتم أو الداكن الوحيد المشحون ونظيره المضاد ذو الشحنة المضادة، ويبقى هذا السيناريو بسيطاً مقارنة بتعقيد وتركيب المادة العادية، فكيف سيبدو لنا كون مكون من المادة السوداء أو المظلمة مع عدد أكبر بكثير من الجسيمات الأولية المعتمة المزودة بالشحنات السوداء أو المعتمة؟

اقترحت مجموعة من العلماء سنة 2013 في جامعة هارفارد، وهم جيجي فان، و آندريه كاتز، و ليزا راندال، وماثيو ريس، سيناريو عن مادة سوداء أو مظلمة تتفاعل على نحو جزئي matière noire interagissant partiellement. وافترضوا أن الجزء الأهم من هذه المادة السوداء أو المظلمة مكون من الــ wimps وإن جزء صغير من المكون الأساسي يحتوي على نوعين من الجسيمات الأولية، إحداها ثقيل، والآخر خفيف، ومن جهة أخرى، وعلى غرار البروتونات والإلكترونات، فإن بإمكان تلك الجسيمات حمل شحنة معتمة وأن تتبادل فيما بينها فوتونات داكنة أو معتمة.

لا ينبغي المبالغة في تفسير الارتباطات والتوافقات إلا أن الحالة المقترحة تستدعي على الأقل وجود فوتون معتم وإلكترون معتم أو داكن، وكذلك فوتون معتم لحمل ونقل الكهرومغناطيسية المعتمة أو الداكنة التي تربط بينهم وليس مستبعداً أن تتحد وتتراكب تلك الجسيمات السوداء أو المعتمة لتكوين ذرات معتمة أو سوداء وهذه بدورها تتجمع وتتراكب لخلق جزيئات molécules سوداء أو معتمة بما في ذلك العمليات والتفاعلات الكيميائية الملازمة لها.

تم حساب حد أعلى لحصة المادة السوداء أو المظلمة التي يمكنها أن تتفاعل وتؤثر في الفوتونات السوداء أو المعتمة، في ظل القيود التي تفرضها المشاهدات الفلكية. ونتج أن هذه الحصة من المادة السوداء أو المظلمة، أنها ستحتوي على مجمل كتل يمكن مقارنته بكامل المادة العادية المرئية. ففي هذا النموذج، يوجد للمجرة ثلاث مكونات: غيمة أو سحابة أو غمامة كروية كبرى من الجسيمات الأولية من نوع الــ wimps، والتي تمثل نسبة 70% من مجمل المادة، و قرصين مسطحين، كل واحد منهما بنسبة 15%، من المادة، أحدهما من المادة العادية ( مجرة درب التبانة التي نعيش فيها على سبيل المثال )، والآخر من المادة السوداء أو المظلمة التي تتفاعل بقوة مع نفسها . ويكون القرصان متوازيين ومتطابقين على مستوى واحد، وبهذا توجد مجرة من المادة السوداء أو المظلمة تتعايش وتتواجد في نفس الحيز المكاني لمجرة درب التبانة المرئية، إلا أنها غير مرئية لأنها مجرة سوداء أو معتمة. بيد أن هذه المجرة الخفية لا تشكل نجوم داكنة أو معتمة و لا كواكب كبيرة سوداء أو معتمة. قد يتساءل البعض هل بالإمكان لمثل هذه الأجسام السماوية الهائلة الكتل أن ترصد من خلال تأثيرات العدسة الثقالية lentille gravitationnelle، لأن من شأن هذه الأجرام والأجسام الفضائية المعتمة، أثناء حنيها وتحديبها للزمكان المحلي، أن تحرف الضوء القادم إلينا من نجوم المادة الطبيعية العادية.

إن إفتراض وجود قطاع زمكاني معتم ومركب يوفر إمكانيات غنية وبتبعات فلكية مهمة ومثيرة، يطرح مشكلة، والإشكالية هي كيف يمكن اختبار هذه النماذج النظرية الافتراضية تجريبياً؟ لذا فالمشكلة التي تواجهنا الآن هي أن العلماء والفيزيائيين يبحثون عن مادة سوداء أو مظلمة مركبة، ولكن بنفس طريقة البحث عن المادة السوداء أو المظلمة من نوع الــ wimps، باستخدام كواشف رصد موجودة تحت الأرض، والحال أنه يجب العمل على رصدها على نحو مباشر بأجهزة أخرى مخصصة لذلك ومتطورة تكنولوجياً. فقرص المادة السوداء أو المظلمة موجود في نفس المستوى المكاني لقرص مجرة المادة العادية التي نعرفها في درب التبانة لكنه يترجم بكثافة مادة سوداء مركبة أهم وأكبر بكثير من كثافة قرص المادة السوداء من نموذج نوع الــ wimps البسيط، يترتب على ذلك توفير فرص رصد أكبر بكثير، حتى لو كان غياب الإشارة الدالة على ذلك يظهر أن هذه الإحتمالية ضعيفة جداً في الوقت الحاضر. فإلى جانب تجارب ومحاولات الرصد المباشر، يأمل العلماء والفيزيائيين أن يخلقوا مادة سوداء في مسرعات ومصادمات الجسيمات العملاقة من نوع LHC والأجيال المستقبلية في طور الإنشاء من المسرعات ومصادمات الجسيمات والتي ستكون أقوى وأكبر منه بكثير، وهم يدرسون في الوقت الحاضر جميع النماذج المتوفرة نظرياً، البسيطة والمركبة، لأنهم لا يعرفون على وجه الدقة كيفية تعاطي وتفاعل المادة السوداء أو المظلمة مع المادة العادية.

وفق معادلة آينشتين الشهيرة عن العلاقة بين الكتلة والطاقة E=mc2، يمكن لمسرع ومصادم الجسيمات العملاق LHCعلى الحدود الفرنسية السويسرية بالقرب من جنيف أن يجري تجارب على النوع الثقيل أو المركب من المادة السوداء أو المظلمة المنتجة مختبرياً. فكلما كانت كتلة الجسيم الخاضع للتجربة كبيرة كلما احتاج إلى طاقة أكبر. لن تكون جسيمات المادة السوداء أو المظلمة المنتجة مختبرياً مرئية داخل مسرع الجيسمات بالطبع، وإلا لن تسمى مظلمة أو سوداء أو معتمة أو داكنة لأنها تخترق الكواشف بدون تفاعلات مع محيطها المادي العادي المرئي ولكن بإمكان العلماء والباحثين أن يستنتجوا وجودها على نحو غير مباشر. وبموجب قانون حفظ الطاقة، بإمكان العلماء المقارنة وحساب فائض الطاقة، بين طاقة التصادم وطاقة جميع الجسيمات الناتجة عن التجربة، أي جراء التصادم. فلو افتقدنا كمية من الطاقة في الحصيلة النهائية فربما يكون جسيم من الطاقة السوداء أو المظلمة غير المرصود أخذ جزءاً من الطاقة، أي الجزء الناقص. هناك بالطبع تفسيرات أخرى لفقدان الطاقة مثل تسرب جسيم بين معدات الكواشف أو نيوترينو يفلت ولا يتفاعل إلا نادراً الخ ... وعلى المحك العملي يحسب العلماء عدد التصادمات وطاقاتها اللازمة التي من شأنها أن تنتج بصمة خاصة من الطاقة المفقودة مع أو بدون مادة سوداء أو مظلمة، ومن ثم القيام بالمقارنة بين المعطيات.

لم يتم لحد الآن رصد بصمة غير مرئية من المادة المظلمة في مسرع ومصادم الجسيمات LHC، مما يؤكد أن تفاعلات هذه المادة الغريبة مع المادة العادية نادرة جداً لو حدثت يوماً ما، وهذا غير مؤكد في الوقت الحاضر لكنه ليس مستحيلاً، والمحاولات مستمرة بغية العثور على هذه المادة مختبرياً في تجارب الطاقات الفائقة، في المستقبل القريب أو البعيد. وفي نفس الوقت يقوم المختبر الوطني غران ساسو Gran Sasso في إيطاليا، بملاحقة المادة السوداء أو المظلمة بمعية كاشف الجسيمات المعتمة الأكثر حساسية في العالم إلى اليوم وهو Xénon IT إكسينون آي تي، الذي بدأ العمل به عام 2015، وهو مكون من تقعر يحتوي على طن من مادة أو عنصر الإكسينون Xénon السائل بدرجة حرارة C°-95، فلو دخل جسيم من مادة سوداء في تصادم مع ذرة من الإكسينون فسوف يولد إشارة داخل الكاشف الفائق الحساسية، ولقد نشرت أولى النتائج بهذا الصدد عام 2017 وكانت مشجعة لكنها تحتاج للتدقيق والتكرار. تجدر الإشارة إلى أن الفيزيائيون يفترضون بأن تفاعلات المادة السوداء أو المظلمة مع المادة العادية، على ندرتها، هي أقوى بكثير من الثقالة أو الجاذبية، التي هي أضعف القوى الكونية الجوهرية الأربعة، إلا أن تلك التفاعلات من الضعف بمكان بحيث تستعصي على الرصد والكشف المباشر لحد الآن. لأنه إذا كانت المادة السوداء لا تتفاعل إلا على نحو تجاذبي أو ثقالي فسوف لن يكون سهلاً رصدها عبر مثل هذه التجارب.

التحدي الدائم

هناك لغز دائم في الوقت الحاضر متمثل بالمادة السوداء أو المظلمة والطاقة السوداء أو المعتمة أو الداكنة، طالما لم نكتشف بعد ماهية كل منهما ومكوناته. لذا فهناك حالة ضرورية وعاجلة للكشف عن طبيعة هذين المكونين الجوهريين للكون المرئي لكن الأمر يعتمد على عدد كبير من العوامل والشروط والمعايير والمعطيات التي يجب توافرها لتحقيق هذه الغاية. ففرضية وجود مادة سوداء أو مظلمة، لا سيما النوع المركب منها، يقدم الكثير من التفسيرات للعديد من الألغاز الكونية والفلكية، ما يفسر سبب تركيز العلماء على تجارب ومحاولات حثيثة ومقاربات متعددة لإثبات وجودها.

يتبع