في بداية الدورة البرلمانية الثانية، وبينما كنا منهمكين في لجنة لتعديل النظام الداخلي للمجلس النيابي، اعترضت من خلال نقطة نظام اصولية، مخاطبا رئيس اللجنة "سيدي الرئيس، ان اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ولذلك يجب التاعمل معها باحترام شديد، وبما ان بعض الاخوة من النواب لا يستطيعون ضبط قواعده عند القراءة، واكراما للغة القرآن الكريم، فانني اقترح ان يتولى قراءة النصوص، اما النواب الكرد او التركمان، فأنتم العرب ما تعرفون عربي" وضجت القاعة بالضحك... وعلى ذكر هذه الحادثة، كان يومها الاخ عباس البياتي موجودا وتمكنه من اللغة العربية المشهود له، اما اليوم يأتي الاخ طورهان المفتي الذي يحاول ان يفرض تأويلا غرائبيا لنص المادة ١٤٠ من الدستور المعطلة تنفيذها من ما يقارب العقد من الزمان، في وقت نحن احوج ما نكون الى اتفاق وطني وانساني حولها.
للعراقيين نافذة حوار راقية، اسمها مركز الرافدين للحوار، اجمل ما في عمل المركز هو النقاشات الراقية والحامية التي تدور بعيدا عن الضجيج الاعلامي وكسب الشارع في غرفتها على تطبيق الواتساب، يضم هذا المنبر الحواري المغلق، خيرة مثقفي وسياسي العراق ومن كل الالوان والاطياف. انشغل الجميع بالحديث عن التأويل الغريب الذي قدمه الاخ طورهان المفتي في برنامج حواري عراقي مشهور لاعلامي متألق هو غزوان الخالدي.. فحسب طرح الاخ المفتي، ان الدستور حين تحدث عن كركوك، لم يقصد كركوك المحافظة، بل كركوك المدينة وحسب.
بداية لا اعتقد بأن الدخول في مثل هذا الجدل الذي ادى في حد ذاته الى تعطيل تنفيذ المادة وفقا لمهلها الدستورية المحددة، سيخدم لا كركوك ولا اهلها من جميع المكونات، لكن اذا كان قرار البعض هو الدخول في جدل بيزنطي حول التفسير؟ حينها نكون مضطرين وتفاديا للدخول في الجدل البيزنطي الذي لا ينتج سوى الكارثة، ان نقف ونراجع ونحدد بوضوح قصد النص الدستوري لغويا، وكذلك من ناحية قصد المشرع.. علما ان النص واضح جدا ولا يحتمل اللبس لا من جهة قصد المشرع الواضح، ولا حتى الدلالة اللغوية:-
النص يقول "كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها"، وهذا يعني لغويا ان القصد هو منطقة كركوك. طالما ان النص يفترض مناطق اخرى متنازع عليها مثلها مثل كركوك. اذن هنا المقصود ليس قضاء كركوك، ولا حتى المحافظة المسماة (التأميم)، بل مجمل منطقة كركوك حسب حدودها التاريخية قبل استقطاع مناطق كبيرة منها والحاقها بمحافظات اخرى بغرض تنفيذ سياسة التعريب البعثية، اي (لواء كركوك). ولو كان قصد العبارة التدليل على مدينة كركوك وبالاضافة الى مناطق اخرى، لما عرف المناطق ب(ال) التعريف.. اذن من الناحية اللغوية، الدلالة واضحة لا تحتمل اللبس لجهة ان النص يقصد مجمل المناطق التي درجت على انها تعود لكركوك المشهورة تاريخيا من الجبل الى الجبل ومن النهر الى النهر.
اما من حيث الدلالة التاريخية، فان كل المفاوضات والحوارات التي دارت بين قيادة الحركة التحررية الكردستانية وبين الحكومات العراقية المتعاقبة، كان الشريط الطويل الممتد من سنجار الى خانقين وبدرة وجصان والذي يمر بوضوح شديد بكركوك هو احد اهم البنود التي تخللتها تلك الحوارات، فهل يعقل ان تنكمش المساحة الكردستانية في المطالبة المدنية الدستورية بحقوقها التاريخية الى اقل من عهد البعثيين بكثير؟
اما من ناحية قصد المشرع:-
فان الطرف الشيعي هو الذي اصر حينها بادخال مناطق اخرى ليشمل بذلك مشكلة النخيب ايضا.. وهذا الكلام سمعته بنفسي في مفاوضات رسمية ومن قبل قيادات صف اول من الاخوة الشيعة.. حتى ان الاخ نوري المالكي اتهم احدى المرات وبحضور قيادات من حزب الدعوة والاحزاب الكردستانية، الاخ الدكتور عادل عبدالمهدي، على انه هو من قام بذلك وعقد على الكرد سعيهم لتطبيق المادة ١٤٠ من الدستور واستعادة كركوك وبقية المناطق الكردستانية المتنازع عليها.
وكما تبين فأنه حتى قصد المشرع تجاوز حدود كركوك التاريخية لكي يوسع مجال عمل المادة الدستورية بحيث تشمل كل المناطق المتنازع عليها في العراق، حتى تلك التي لا علاقة لها بصراع قومي.
اذن يا اخوان، لو كنا سنبدأ بهذه الطريقة الانتقائية في تفسير المادة الدستورية، فإننا سنحولها من مادة للحل الى مادة للخلاف والصراع... في حين ارى ان من الاجدى وطنيا وانسانيا واخلاقيا، ان نجنب شعبنا المزيد من الويلات وان نبتعد عن التخندق ونركن الى الحكمة، بحثا عن الحلول العادلة التي تضمن علاقات انسانية واخوية تكاملية..
* سياسي كردي من العراق
التعليقات