مومياء مصرية في ثانوية سويدية

قيس قاسم من ستوكهولم: كشفت صحيفة " فالو كوريرن" السويدية علنا ولأول مرة عن وجود مومياء مصرية، عمرها 3 آلاف سنة، في إحدى قاعات مدرسة كريستينا الثانوية في بلدية فالون في السويد.

والواقع أن سرقة الاثار والتحف الفنية النادرة ونقلها الى الغرب، ليست بالقضية الجديدة، لكن التحري عنها وكشفها وأيضا متابعة ترتيبات اعادتها الى موطنها الأصلي هي من صلب العملية الثقافية الوطنية والانسانية معا. وبعيدا عن افتراض سوء النوايا، والحكم الجرمي المسبق، تكتسب كل مطالبة موضوعية وهادئة أهمية كبيرة.

فتشخيص وتبيان حقيقة الدواعي، التي شجعت الاقدام على نقل هذه الاثار النادرة من موطنها الاصلي، وعلى أهميتها، لا تساعد كثيرا في حل هذه القضية المعقدة، لكن الكشف عن المفقود من الكنوز الانسانية والتحقق من وجودها الفعلي وإقناع "المالك" الجديد بضرورة اعادتها لاصحابها الشرعين، واقرار أحقية امتلاكهم لها، بكونها جزءا من تراثهم ومكونهم الحضاري، يشكل ركنا مهما من عملية التفاهم والتكامل الثقافي الكوني. ومن هنا فإن الكشف عن أي نفيسة أثرية يكتسب أهمية قصوى. وربما ما اعلنته الصحف السويدية في منطقة دالارنا (بعيدا عن النوايا!) يصب في هذا المجرى، إذ كشفت صحيفة " فالو كوريرن" علنا ولأول مرة عن وجود مومياء مصرية، عمرها 3 ألاف سنة، في إحدى قاعات ثانوية كريستينا في بلدية فالون السويدية.

الجد والحفيد .. مكمن الاسرار
ولغرابة الموضوع فأنها كتبت مقدمة لخبرها يبعد عنه أي صفة مزاح وتهكم، جاء فيه: "الدكتور براغ يملك وحده مفاتيح فك اسرار المومياء.. هذه ليست إحدى مسرحيات العطلة الصيفية، بل يكاد ان يكون هذا هو الجواب الوحيد على السؤال الذي طرحته الصحيفة حول أسباب وجود مومياء مصرية عمرها ألاف السنين في أحدى قاعات مكتبة ثانوية كريستينا في فالون".

وبعد أيام من البحث عن الدكتور براغ والحصول عليه، أزيل بعض الغموض المحيط بسر مجيء المومياء من مصر، لتستقر في خزانة عتيقة محصورة بين رفوف كتب بنية اللون، مغبرة، في قاعة مدرسة سويدية. لا دليل يشير الى تاريخها سوى ورقة صغيرة كتب عليها النص التالي:
هيكل عظمي، قدم، ويدان، وصقر،
المصري، طابا، 1908
د: ر براغ

رحلة سويدية الى مصر
من حديث رئيس الأطباء مورتين براغ للصحيفة أتضحت أولى خيوط القصة المثيرة، انه حفيد الدكتور براغ، الذي يعتقد انه من حمل المومياء معه من مصر الى هنا، واسمه الكامل انديرس يوهان براغ، ولد في مدينة نوس عام 1875، وأنهى دراسته في ثانوية فالون قبل قبوله طالبا في كلية الطب. ومع الوقت أصبح الطبيب الرسمي للسفينة "اتش أيم" التي حملته الى مصر مع الأمير فيلهلم عام 1905. اعتمد رئيس الأطباء في حديثة مع الصحيفة على مذكرات جده التي تركها له كإرث ثمين، وسمح هو للصحيفة بالاطلاع عليها. المذكرات كشفت ان الجد براغ كان مأخوذا بالمومياءات، التي كانت المعابد المصرية تعج بها والتي لا تخطأ في صحة اصلها، مثلما لا تسمح برضى، التنازل عنها. وان المذكرات لم تكشف بشكل واضح ما اذا كان الطبيب براغ قد اشترى هذة المومياء أوحصل عليها بطريقة معينة، ثم جلبها معه الى السويد. كما ظل وصولها الى ثانوية كريستينا واستقرارها في رف علوي من قاعة مكتبتها، بعد ان تكسر زجاج الخزانة التي كانت تحتويها، سرا غامضا حتى اللحظة.

ذكريات بعيدة..
ماتس بيرسون المتحفي في بلدية فالون يعتقد ان الدكتور براغ قد جلب معه المومياء كتحفة اثرية نادرة أراد الأحتفاظ بها شخصيا. وأنه سكن مدينة مالمو الساحلية بعد رحلته البحرية الى مصر. ويضيف " أعتقد ان أحد أقارب براغ قام بنقل المومياء من مالمو الى مدينة فالون" وانه شخصيا قرأ في مطبوع قديم يعود الى عام 1958 شيئا عن مكتبة المدينة ولكن لم ترد أية اشارة فيه الى المومياء. مؤكدا في ذات الوقت ورود اسم المومياء بشكل غامض عام 1957 عندما نقلت الصحف المحلية خبرا عن موت سمور ( حيوان من القواضم ثمين الفرو) دهسا على الطريق العام لمنطقة مالمونغ. أما كارين زاندير التي انهت دراستها في ثانوية فالون عام 1944 فتتذكر المومياء قائلة "خلال المحاضرات كنت معتادة الجلوس والنظر الى المومياء التي كانت موضوعة على أحد رفوف قسم الجغرافيا في مكتبة المدرسة.
دعوة للعناية..

المختص بالمصريات في جامعة اوبسالا جيوفري ميتز وصف حالة أجزاء المومياء المتبقية بالجيدة. وأكد ان هذا الأمر سيظل موضع قلق ومراقبة، وقال " لا نعرف بالضبط الى متى سيظل الحال هكذا ومتى يتغير وكيف، فالرأس بدت، في هذة اللحظة، أكثر قدما من اليدين والقدمين!".