متنكرون بلباس بائعي خضاريخطفون مطلوبا فلسطينيا

*اعتقلوه بعد أن اختفى 8 سنوات
*اعتقال غنيمات يغلق ملف أشهر الخلايا الفلسطينية

أسامة العيسة من القدس: في مساء يوم أمس الثلاثاء 11 تشرين أول (أكتوبر)، دخلت قرية صوريف، غرب الخليل، سيارة من نوع مرسيدس كابينة، لبيع الخضار، واقتربت من احد منازل القرية، ونزل منها بائعو الخضار، الذين لم ينتظروا أن يخرج احد من المنزل للشراء، فاقتحموه شاهرين أسلحتهم، وتحول بائعو الخضار، بلباسهم العربي، إلى مقتحمين شرسين، وبعد دقائق كانت قوات من الجيش الإسرائيلي تقترب وتحاصر المنزل، لتساند وحدة المستعربين الذين كانوا اقتحموا المنزل قبل قليل.

وخرج المستعربون، الذين تنكروا على هيئة بائعي خضار، ومعهم إبراهيم غنيمات، القائد البارز في كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس والمطارد لقوات الاحتلال منذ عام 1997.

وباعتقال غنيمات، تمكن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، أخيرا من إقفال ملف إحدى اشهر خلايا المقاومة الفلسطينية التي عرفت باسم خلية صوريف.

(خلية صوريف)
تعرضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1992، إلى ضربة قوية، حيث تمكنت أجهزة الأمن الإسرائيلية من قتل قادة في كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة واعتقال العشرات من الكوادر.

وفي داخل معتقل (الظاهرية)، التقى جمال الهور وعبد الرحمن غنيمات وإبراهيم غنيمات وهم من قرية صوريف، بكادر القسام أيمن قفشية، وتم الاتفاق على تشكيل خلية للقسام، يكون مركزها صوريف التي تقع على الخط الأخضر، ومنها يمكن التسلل بسهولة إلى داخل إسرائيل وتنفيذ عمليات.

وبحث الأربعة وسائل الحصول على السلاح، وأماكن الإختفاء، والتدريب، والأهداف المقترحة، وطرق الاتصال بكتائب القسام، والاستفادة من أخطاء الخلايا السابقة.

وعندما خرجوا من السجن التقوا في صوريف، في ظروف، وصفوها فيما بعد، بأنها تميزت بفقدان الثقة بين أفراد القسام، والشك باختراق الشاباك لصفوفهم، بعد أن تمكنت إسرائيل خلال ثلاثة اشهر من اغتيال 9 من قادة القسام.

ولكنهم قرروا العمل، وكلفوا عبد الرحمن غنيمات الاتصال بكتائب القسام، للحصول على المال والسلاح، وايمن قفيشة للبحث عن مصادر آمنة للتزود بالسلاح.

وفي أواخر عام 1995، كانت الخلية جاهزة للعمل، بعد حصولها على المال والسلاح وتنظيم خط اتصال مع قيادة القسام.

(عمليات أولية)
في بداية نشاطها، نفذت الخلية عدة عمليات ضد أهداف إسرائيلية تفاوتت بنسبة نجاحه ومنها:

*في شهر تشرين الثاني (نوفمير) 1995، قررت الخلية تنفيذ عملية قرب مستوطنة عتصيون، جنوب القدس، باستخدام مسدسين، واستكشفت المكان، وحددت الهدف، وأطلق أفراد الخلية النار على سيارة مستوطن، وانسحبوا.

*حصلت الخلية على أسلحة جديدة مثل الكلاشنكوف، وتلقت أمرا بتنفيذ عملية ردا على اغتيال قائد حماس يحيى عياش، فاختارت الخلية هدفا على طريق الخليل-حلحول، وأطلق أفرادها النار على سيارة عسكرية مما أدى إلى مقتل الرائد في الجيش الإسرائيلي (عوزتينون) والرقيب (ينيب سيمل).

وشنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة شملت الخليل وبيت لحم، وألغت قرارا بالسماح بدخول قائد الجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، إلى مناطق السلطة الفلسطينية، والذي دخل إلى فلسطين فيما بعد واغتيل في بداية انتفاضة الأقصى.

ولكن مثل هذه العمليات وغيرها، لم تكن لتقنع قيادة القسام، التي حددت هدفا للخلية وهو اختطاف جنود لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.

وانضم للخلية، كل من رائد أبو حمدية وهو من سكان الخليل و يحمل الهوية الإسرائيلية ويملك سيارة بلوحة تسجيل إسرائيلية صفراء ويعمل في تل أبيب، وكلها صفات مناسبة جدا لمهمة الخطف، وموسى غنيمات من صوريف، وتم تكليف الاثنين وجمال الهور فقط لعمليات الاختطاف.

وتم توفير مواد مخدرة وكلبشات بلاستيك ومسدسات، وأشرطة كاسيت لاغاني عبرية توضع في السيارة التي ستستخدم للخطف.

(محاولات الخطف)
وفي أواخر شهر نيسان (ابريل) 1996، إنطلق رائد، وجمال، وموسى، بسيارة إسرائيلية من نوع سوبارو يملكها رائد، ومعهم مسدسين، من صوريف إلى داخل الخط الأخضر، لخطف جندي إسرائيلي والعودة به، وتسليمه لباقي أفراد الخلية، لإخفائه.

وبعد ثماني ساعات عاد الثلاثة بدون أن ينجحوا، في خطف أي جندي، من الذين يقفون في المحطات يطلبون توصيلات مجانية، وفي المرة التي كادوا أن ينجحوا فيها، غير الجندي، الذي أوقفهم، رأيه ثم شكرهم ولم يركب معهم.

واستمرت المحاولات، والخلية تدرس الأسباب والعبر، وبعد خمس محاولات فاشلة، أصيب أفراد الخلية بالإحباط.

واتخذت الخلية قرارا بمحاولة خطف، وإذا فشلت تنفذ عملية إطلاق نار على أي سيارة عسكرية، وبهذا القرار توجهت إلى داخل الخط الأخضر يوم 9 حزيران (يونيو) 1996، وحين فشلت بالعثور على هدف للخطف، وبالقرب من مستوطنة بيت شيمش، اعترضت الخلية سيارة إسرائيلية ولحظة التجاوز، أطلق جمال وعبد الرحمن النار بغزارة تجاهها، مما أدى إلى مقتل اثنين من المستوطنين.

وبعد فترة نفذت الخلية عملية مشابهة أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين، ولكن القيادة عادت لتؤكد على أهمية الاختطاف.


(اختطاف ادري)
وفي يوم 9 أيلول (سبتمبر) 1996، توجهت الخلية إلى داخل الخط الأخضر، وهدفها تنفيذ عملية خطف، بعد أن تم توزيع المهام على أفرادها.

وبعد ثلاث ساعات من البحث، وفي نحو الساعة التاسعة مساءا، أشار جندي للسيارة وسال راكبيها إذا كانوا في طريقهم إلى مستوطنة بيت شيمش، فأجابه موسى غنيمات بالإيجاب، وركب الجندي في المقعد الخلفي، وشعر بالخوف سريعا، فاشهر رائد أبو حمدية مسدسه وقتله بثلاث رصاصات.

ودفنت جثة الجندي (شارون ادري)، في حقول الزيتون قرب صوريف.

وأثار غياب ادري نقاشا عن سبب اختفائه، ففي حين كانت التحليلات الإستخبارية تميل إلى أنه انتحر نتيجة مشاكله مع ضابط المعسكر، كانت عائلة الجندي على قناعة أنه مختطف.

واجتمعت أسرته مع جبريل الرجوب، مسؤول جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية آنذاك، الذي طمأن العائلة وقال لها بثقة "لو كان الجندي بحوزة أي تنظيم فلسطيني لكنت أعلم بذلك".

ونقلت الجثة إلى مكان أخر داخل الخط الأخضر، ورسمت خارطة للمكان، لاستخدامها إذا تمت مفاوضات لتبادل الجثة بأسرى فلسطينيين.

وحاولت الخلية مجددا اختطاف جندي، وتم الاتفاق على أن يكون واحد من أفرادها فقط في السيارة، فيما يتنكر الآخرون كيهود، على محطة للركاب، يركبون في السيارة بعد خطف الجندي، ثم غيرت رأيها لاحتمال أن يركب أكثر من جندي في السيارة، واحتمال انكشاف الواقفين في محطة الركاب لأي سبب، ثم قررت الخلية تنفيذ عملية الخطف بسيارتين، الأولى فيها السائق لوحده، و في الثانية باقي أفراد الخلية، الذين سيسيطرون على المختطف.

وبعد اشهر، انطلق موسى غنيمات وفي وضح النهار بسيارة إسرائيلية مسروقة، وخلفه سيارة أخرى يركبها جمال ورائد وعبد الرحمن، مهمتها السيطرة على المختطف بعد أن يوقف موسى سيارته في منطقة حرجية.

ولم يمض سوى وقت قصير حتى أشار جندي لسيارة موسى وصعد، ولكنه نزل في منطقة مكشوفة، تعج بالحركة، يتعذر فيها السيطرة عليه.


(تفجير في مقهى)
وتقرر تدريب عضو في الخلية على صنع المتفجرات لاستخدامها، نقل إلى غرفة تدريب في مدينة بيت لحم، يديرها كل من: عادل عوض الله، محي الدين الشريف، عيسى شويكة، من قادة القسام، وجميعهم قتلوا فيما بعد.

وتلقت الخلية أمرا بتنفيذ عملية تفجير ردا على الاستيطان الإسرائيلي في جبل أبو غنيم، وتم تجهيز حقيبتي متفجرات تزن الواحدة 8 – 12 كغم.

وفي صباح الجمعة 21 آذار (مارس) 1997، توجه رائد وموسى بسيارة إسرائيلية مسروقة، لتنفيذ عملية في احد الأهداف ولكنه يكن هناك الكثير من الأشخاص في الوقت الذي وصلا فيه، وأصر موسى على تنفيذ العملية وبعد جولة طويلة، دخل مقهى (أبروبو) في تل أبيب، ليضع الحقيبة، ثم يخرج وبعد أن يصل السيارة التي ينتظره فيها رائد يفجرها عن بعد.

ولكن خطة موسى انتهت بشكل مأساوي، فلسبب غير معروف، انفجرت به الحقيبة في ساحة المقهى الخارجية، فقتل مع ثلاثة إسرائيليين هم: ياعل كلعاد، عنان فنتز روزال، مايكل إبراهيمي، وجرح 51.

وعندما شاهد رائد ما حدث انسحب مسرعا عائدا إلى صوريف، وترك السيارة وسط القرية، اختفى مع باقي أفراد الخلية.


(الشاباك يكشف وعرفات يتعاون)
بعد أن عرفت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هوية موسى غنيمات، كان من الطبيعي أن تركز حملتها على صوريف، التي حوصرت وفرض عليها حظر للتجوال، واقتحمت جميع منازلها، وتم اعتقال شقيق وزوجة موسى غنيمات وعشرات آخرين من بينهم صديقه الحميم موسى النجم، الذي اعترف بان موسى سبق واخبره عن نشاطه في خلية تابعة للقسام، وطلب منه أن يكون جاهزا للانضمام عند الحاجة لذلك.

وقاد التحقيق إلى اعتقال رائد أبو حمدية على احد الحواجز العسكرية يوم 3 نيسان (ابريل) 1997، وبعد يومين اعتقل ايمن قفيشة، في كمين نصبته له الوحدات الخاصة الإسرائيلية.

وفي هذه الأثناء عقد لقاء في حاجز ايرز على حدود قطاع غزة، بين ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية، برئيس الشاباك، ومسؤولين في المخابرات الاميركية الـ" CIA "، وعد خلاله عرفات، الذي كانت علاقته متوترة مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بملاحقة باقي أفراد الخلية، بعد أن تسلم أسماءهم من الشاباك.

وخلال أسبوع اعتقل عضوي الخلية عبد الرحمن غنيمات وجمال الهور في سجون الأمن الوقائي، بينما بقي إبراهيم غنيمات هاربا، وتم مساومتهما بالكشف عن مكان جثة ادري وعن المتفجرات التي بحوزة الخلية وأمور أخرى، مقابل الإفراج عنهما، وعدم هدم منازل أفراد الخلية في صوريف وفك الحصار عن هذه القرية من قبل سلطات الاحتلال، ووقف التنكيل بأهلها، تعهد بذلك جبريل الرجوب وياسر عرفات.

وسلم الأمن الوقائي خارطة لمكان دفن ادري والمعلومات الأخرى إلى أجهزة الأمن الإسرائيلية، التي أخرجت الجثة، ولكن تم هدم المنازل واستمرار الحصار والعقوبات على صوريف.

واتصل نتنياهو الذي كان مقاطعا عرفات، برئيس السلطة، من هولندا التي كان يزورها وشكره على المساعدة الهامة في اعتقال أعضاء الخلية، وفي إجابته عن سؤال إن كان يرى في ذلك إطفاء "للضوء الأخضر" من جانب عرفات للتنظيمات "الإرهابية" أجاب تننياهو "عرفات لم يشعل الضوء الأحمر تماماً والحديث عن تعاون وقتي وهام، وأنا أباركه، فكشف هذه الخلية يثبت كم نستطيع أن ننجز عندما نعمل معاً ".

وفي إجابة سؤال إن كان هناك احتمال أن يختصر زيارته ويعود لإسرائيل على ضوء القبض على أفراد الخلية،أجاب نتنياهو مبتسماً "زيارات رؤساء الحكومات تُقطع إذا حصل إشكالات وليس عندما تحصل نجاحات".

(اتهامات للرجوب)
وبعد اشهر قرر الأمن الوقائي الفلسطيني نقل غنيمات والهور من سجن الخليل، في جنوب الضفة الغربية، إلى سجن جنيد في نابلس، شمال الضفة، رغم مخاطر اعتراضهما من قبل قوات الاحتلال واعتقالهما، وهو ما حدث بالفعل، حيث نصب الجيش الإسرائيلي كمينا للسيارة التي نقلتهما قرب قرية حوارة، وطلب بمكبرات الصوت من سائق السيارة التوقف، وقبل أن تتوقف، كان المستعربون يطوقون السيارة ويعتقلون من بداخلها ونقلهم إلى غرفة قريبة وتشخيصهم، وتم اعتقال عبد الرحمن غنيمات وجمال الهور.

وأدت هذه الحادثة، إلى سلسة اتهامات لجهاز الأمن الوقائي ورئيسه جبريل الرجوب بالتورط في تسليم الاثنين إلى إسرائيل، التي نفت أن يكون الاعتقال تم بالتنسيق مع الأمن الوقائي.

وبقيت ما أصبح يسمى (تسليم خلية صوريف)، سببا دائما لقادة حماس لتوجيه الاتهامات لجبريل الرجوب، حتى الان.

وفي إسرائيل تم استقبال اعتقال غنيمات والهور بكثير من الحماس، ووجهت اتهامات للاثنين وباقي أفراد الخلية تهمة مقتل 11 إسرائيليا من بينهم الجندي شارون ادري وجرح عشرات آخرين.

وقال المدعي العام الإسرائيلي آنذاك جاي ايندرج، أن لائحة الاتهام التي قدمت ضد غنيمات، والهور هي الأخطر التي تقدم في المحاكم العسكرية.

وأصبح مصير أفراد الخلية التي انطلقت من معتقل الظاهرية كالتالي: موسى غنيمات قتل، ورائد أبو حمدية، وايمن قفيشة، وعبد الرحمن غنيمات، وجهاد الهور في السجن، بينما بقي إبراهيم غنيمات في الخارج مطاردا، حتى يوم أمس الثلاثاء عندما أوقع به أفراد فرقة مستعربين تخفوا كبائعي خضار.