هل كان جزءاً من الصراع على السلطة في سورية؟
الحريري رفض مقايضة رأس لحود بالقرار 1559
إيلي الحاج من بيروت:
يتبين يوماً بعد يوم أن رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري ربماكان جزءاً من تجاذب قوي على السلطة داخل سورية نفسها بين فريق من آباء النظام، سمى بعض أركانه حليف الحريري رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عندما كشف أن وزير الداخلية السوري المنتحر غازي كنعان كان مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام والرئيس السابق لهيئة الأركان السوري حكمت الشهابي ضد تمديد ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود.يعزز هذه الأقوال أن خدام كان الوحيد من المسؤولين السوريين الذي هرع إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت بعدما نقل إليه الحريري قتيلاً وكان بادي التأثر. وكان جنبلاط الوحيد الذي أشاد بالشهابي ورحب به عنه وعن الحريري عندما نُقل على عجل إلى المستشفى نفسه عندما أصيب بعارض صحي السنة الماضية وكان قد شاع أنه من المغضوب عليهم في سورية، واعتبرت خطوة جنبلاط تلك "تحدياً" للنظام في دمشق. بعد اغتيال الحريري سينتقل خدام والشهابي إلى فرنسا والولايات المتحدة ولن يعودا إلى سورية وسينتحر كنعان في المواجهة التي لم تعد متكافئة بين آباء النظام وأبنائه، ممثلين خصوصاً بالرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه قائد الحرس الجمهوري ماهر الأسد وصهره الممسك بأجهزة الاستخبارات آصف شوكت.
وربما يعطي انطباعاً فيهذا المنحى موضوع نشرته صحيفة "المستقبل" الناطقة باسم "تيار المستقبل" اليوم الاثنين في صفحتها الثانية، كشفت فيه أن الرئيس الحريري رفض بعد واقعة التمديد عرضاً من الرئيس بشار يقضي بمقايضة رأس لحود بالقرار 1559، بمعنى السعي إلى طيه في الأمم المتحدة على غرار عشرات القرارات الدولية التي اتخذت ولم تنفذ أو التي استغرق تطبيقها عشرات الأعوام. وكان لافتاً قول الرئيس الحريري لمعاونيه، وفق الصحيفة: "لن نقبل أن نكون أداة بيد بشار الأسد".
"المستقبل" وما تقول
ومما ورد في الموضوع: " الرئيس بشار الأسد، منذ تمّ تشكيل لجنة تحقيق دولية، يُسبغ على الرئيس الشهيد رفيق الحريري كل الصفات التي كان يقول نقيضها حين كان الحريري على قيد الحياة.
وفق أدبيات الأسد الحالية، كان الحريري صديقاً لسورية وصوتاً يعمل لمصلحتها في العالم واستشهاده حذف من المعادلة رجلاً كان يخدم سوريا. وأن الحريري لم تكن لديه مشاكل مع سوريا. وأن بلاده (سورية) تتعرض لمؤامرة غربية بسبب مواقفها القومية الواضحة في مواجهة العدو الإسرائيلي.
ولكن مَنْ كان يحظى بفرصة الاجتماع بالأسد، كحاكم أوحد للبنان، يُدرك جيداً أن هذه الأدبيات لم تكن متوافرة في مجالسه الرسمية والخاصة، وكانت تُترجم نفسها بلغة بذيئة في عنجر حيث كان يقيم رئيس جهاز الاستخبارات السورية في لبنان سابقا العميد رستم غزالة. فالأسد كان يتهم الرئيس الحريري بالطائفية (وترجمتها في عنجر بالوهّابية)، وكان يقول إنه يعمل لمصلحة الفرنسيين (وترجمتها في عنجر عميل أمبريالي ـ صهيوني)، وكان يأسف لأن الحريري يريد أن يكون شريكاً في القرار الوطني (وترجمتها في عنجر أن رأس الحريري قد كبر ولا بد من تحطيمه)، وكان يعتبر أن شعبية الرئيس الحريري مصطنعة (وترجمتها في عنجر إننا سوف نريه حجمه الحقيقي، وهو أصغر من حجم عصفور) وكان يرى إن الرئيس الحريري له تحالفات غير مفهومة (وترجمتها في عنجر أن لدى الحريري مشروعاً صهيونياً مشبوهاً) وكان يؤكد ان الرئيس الحريري هو من صنع القرار 1559 (وترجمتها في عنجر أن الحريري "دفع" للرئيس الفرنسي جاك شيراك حتى يسير بالقرار 1559 وأغراه بالبترول الموجود في البحر اللبناني ليعوّض فيه عن آبار البترول التي خسرتها فرنسا في العراق (رواية عاد وكررها بتلذذ الرئيس إميل لحود).
وهذه الأدبيات الأسدية السابقة لجريمة الاغتيال، كانت تصل الى الرئيس الحريري، لأنها كانت تُقال أساساً لتصل إليه. وهو عاد وسمع بعضاً منها مباشرة من فم بشار الأسد، سواء في تلك الجلسة الشهيرة التي سبقت تمديد ولاية لحود أم في الجلسة التي سبقتها حيث ضمّ الأسد الى لقائه والحريري أركان الأجهزة الأمنية السورية الحاكمة في لبنان".
أضافت "المستقبل": "قبيل اغتياله، وأثناء جلساته الخاصة مع مَنْ يسميهم ( رئيس تحرير صحيفة "الثورة" السورية) فائز الصايغ "مرتزقة" أي مع معاونيه، قال الحريري صراحة ما يُفكر فيه: "مشكلتنا ليست مع إميل لحود. أنظروا كيف "كشّ" حين أتته الأوامر لمصلحة (رئيس الحكومة آنذاك) عمر كرامي. ومشكلتنا ليست مع رستم غزالة الذي كما رددت القيادة السورية [يمثّل ما نريده في لبنان وينفّذه حرفياً]. مشكلتنا هي في حقيقة الأمر مع بشار الأسد بالذات".
وترجمة لاقتناع الحريري بمكمن المشكلة اللبنانية، قرّر عدم السير بخطة وضعتها سوريا آنذاك لمقايضة القرار 1559 برأس إميل لحود، انطلاقاً من معادلة ارتسمت بذهن الرئيس الشهيد: "لن نكون أداة بيد بشار الأسد. ساعة يأمر بالتمديد وساعة يأمر بإطاحة الممدّد له. يريد تغيير لحود الآن ليفرض علينا، لست سنوات، من يمكن أن يكون أسوأ من لحود. ما يهمنا تغيير النهج، وليس تغيير الأقنعة".
أوجه الصراع الداخلي
وإذا صحّ أن الرئيس الحريري كان قريباً من جيل آباء الحكم خدام والشهابي وكنعان وغيرهم أو كانوا هم قريبين منه فلا يعني ذلك أنه كان يحضر معهم لعمل ما ضد التركيبة القائمة حكماً، فهو كان حريصاً وداعياً اللبنانيين باستمرار إلى الابتعاد حتى عن مجرد التفكير في هذا الاتجاه لمعرفته التامة بخطورته وحساسيته. لكن الأكيد أنه كان ثمة تجاذب للقوى داخل الحكم السوري بين فريقين وأنه كان على تماس مع أحدهما، علماً أن الصراع بينهما كان يدور على الأرجح حول السلطة وليس الأفكار والمواقف. وقاد هذا الصراع الصامت منذ وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى سلسلة من المواقف التصعيدية حيال الولايات المتحدة والغرب عموماً من الجانبين بفعلالمزايدات، وانعكست على توجهات سورية في السياسة الخارجية، فضلاً عن أحوال الحكم وتعامله مع الهيئات المدنية ومخططاته الاقتصادية وطرق تطبيقها، وخصوصاً على مواقف سورية وقراراتها المتعلقة بإدارة "القطر" اللبناني، باللغة "البعثية" التقليدية.
إنه سؤال يُطرح بلا خلفيات: ترى كان الحريري حلقة من ضمن مسلسل صراعي بدأ برصاصة في رأس رئيس حكومة سورية الأسبق محمود الزعبي ولم تنهه رصاصة كنعان المكتومة؟
التعليقات