الملف النووي الإيراني مشروع وفق المقاييس القانونية
مواقف الدول النووية الغربية بوجهين

ناشطون من غرينبيس قرب السفارة الاميركية في برلين ينصبون
تمثال الحرية الخارج من قنبلة نووية في ذكرى قنبلتي نكازاكي وهيروشيما
خاص بإيلاف من بيروت: يكتب المدير التنفيذي لمنظمة السلام الأخضر العالمية (غرينبيس انترناشيونال) غيرد لايبولد لـ"إيلاف" حول تداعي المفاوضات النووية بين الاتحاد الأوروبي وايران التي تتمسك بحقها في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، في الوقت الذي يتحمل فيه كوكب الارض تهديد 30 الف قنبلة نووية.

نص مقالة غيرد لايبولد:

انهارت المفاوضات بين إيران وثلاثي الاتحاد الأوروبي- فرنسا، ألمانيا وبريطانيا- التي رمت إلى اقناع ايران بوقف نشاطاتها النووية. ففي 1 اب/اغسطس اعلنت الحكومة الايرانية للوكالة الدولية للطاقة الذرية نيتها استئناف تخصيب اليورانيوم بعد ان كانت علقته سابقا كبادرة لبناء الثقة في تشرين الثاني/نوفمبر 2004.

تقنيا، لا تقوم إيران بأي نشاط غير مشروع. فهي تقول انها تحترم بنود اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي تعترف، وللأسف، بما يسمى "الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية" على انه "حق مكتسب". هذا التوجه في الاتفاقية يعكس مفاهيم افتراضية حول الطاقة النووية كانت سائدة في حقبة توقيع الاتفاقية. وهذه الافتراضات تعذر اثباتها لاحقا في عالم شهد كوارث كـ"تشيرنوبيل" و"ثري مايل ايلاند"، وحيث تراكمت الادلة الدامغة على ان الطاقة النووية ليست نظيفة، ولا قليلة الاكلاف، ولا امينة، كما اشيع مع انبثاق العصر النووي.

اقل ما يقال عن مواقف الدول النووية الغربية هو انها بوجهين. فبعضها، لا سيما الولايات المتحدة يعمد إلى تقبيح ايران بينما ينشط في تطوير وتوسيع برنامجه النووي العسكري والمدني.

في اطار اتفاقية حظر الانتشار، تمتلك دول كثيرة قدرة اكثر تقدما من إيران على تطوير الاسلحة النووية. فبالإضافة إلى الصمت المعتاد بخصوص ترسانة اسرائيل النووية برزت ازدواجية المعايير مؤخرا عندما رفعت الإدارة الأميركية عقوباتها عن الهند. فقد عرض الاميركيون على نيودلهي التعاون في التقنيات النووية المدنية بالرغم من ان الهند طورت برنامجها العسكري النووي خارج اطار الشرعية الدولية تحت غطاء برنامجها النووي "السلمي".

مع مرور الزمن، استغلت دول عدة ثغرة "الاستخدام السلمي" في الاتفاقية لتوسيع برامجها النووية، منها العراق وكوريا الشمالية مؤخرا، بينما عمدت الهند وباكستان واسرائيل الى تكييف التقنيات النووية لصنع القنابل. الاثبات واضح: مفاعلات الطاقة النووية تساوي القدرة على البدء ببرامج الاسلحة النووية.

من الجلي ان القواعد المفروضة على بعض الدول "الصديقة" مختلفة تماما عما ينطبق على الدول الاخرى، حيث يتم غض الطرف عن برامجها النووية او تزويدها الدعم بينما يتم تقبيح الاخرى وعزلها ومعاقبتها بالرغم من اثباتها التزاما واضحا باحترام انظمة الشرعية الدولية.

التوتر الجاري سببه في الحقيقة ليس إيران، بل كيفية ضمان تعايش سلمي في عالم يحوي 30 الف سلاح نووي، حيث جهود تطوير الطاقة النووية قد تؤدي على الارجح الى تطوير اسلحة نووية. هذا النظام قابل للاستغلال من اي دولة سواء ملكت السلاح النووي ام لا. لذلك تبقى الطريقة الوحيدة لضمان عالم يخلو من خطر هذه الاسلحة هي رفض الدورة النووية بكاملها سواء كان البرنامج من اجل الطاقة او الاسلحة.

ينبغي الحؤول دون تصاعد الازمة الحالية بين ايران والولايات المتحدة، وتجنب اي نزاع اضافي في الشرق الاوسط، عبر اللجوء الى الدبلوماسية والمفاوضات المستمرة. ان التعزيز الفاعل للامن في المنطقة يكمن في العمل سريعا على جعل الشرق الاوسط خاليا من السلاح النووي، وهو مشروع يتطلب دعما دوليا واسعا لينطلق وينجح.

في الوقت نفسه ينبغي التفكير بحاجات الطاقة الفعلية الحالية في ايران. وعوضا عن اللجوء الى الطاقة النووية التي بدأ رفضها يتزايد في المجتمعات الغربية لفشلها اقتصاديا وبيئيا، الاجدى بطهران التوجه الى موارد الطاقة المتجددة العصرية كالهواء والشمس، الكفيلة بسد تلك الحاجات.

لا احد يرغب في ان يحصل اي فرد او دولة على الاسلحة او المواد النووية. لكن السؤال الذي ينبغي طرحه هو هل نريد فعلا ان تحصل أي دولة كانت على التكنولوجيا النووية التي يمكن ان تتحول لاحقا الى برنامج نووي عسكري؟ ان صدقت الاستطلاعات فالرأي العام يجيب صراحة بلا. اغلبية الناس اليوم ما زالوا يخافون من احتمال نشوب حرب نووية.

في ايلول/سبتمبر المقبل ستسنح لرؤساء الدول والحكومات فرصة غير مسبوقة، اثناء اجتماعهم لمراجعة الالفية في الامم المتحدة، لانهاء التهديد النووي عبر اعلان حظر عمليات اعادة التصنيع النووية وبدء مفاوضات من اجل معاهدة حول الاسلحة النووية.

من الممكن ان يصبح العالم خاليا من الاسلحة والمواد النووية، فموارد الطاقة المتجددة وفيرة، لاسيما ان مبادرات لحظر انواع اخرى من الاسلحة والسيطرة عليها تكللت بالنجاح. لكن التجربة برهنت ان المطلوب تواجد ارادة سياسية وريادة اخلاقية. السؤال المطروح هو هل سنرى ذلك يتبلور في قمة ايلول/سبتمبر المقبلة؟

غيرد لايبولد
المدير التنفيذي
غرينبيس الدولية