إيلي الحاج من بيروت : تغطي معركة تنحية رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود التي افتتحتها quot;قوى 14 آذار/مارسquot; المناهضة للنظام السوري على أي قضية أخرى بما فيها قضية التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث توقف مسلسل المفاجآت نتيجة للمرحلة الانتقالية التي مر بها التحقيق بعد استقالة الرئيس السابق للجنة القاضي الألماني ديتليف ميليس وحلول سيرج براميرتس مكانه . وبعيداً عن الأضواء الإعلامية انصرف القاضي البلجيكي الى إعادة ترتيب الملف مركزاً على الشق السوري فيه وأجرى تعديلات في طاقم التحقيق المساعد واعتمد أسلوبا جديدا يقوم على السرية المطلقة وتغليب المسار القضائي على السياسي. لكن الهدوء الظاهري لا يعكس واقع الحال . فمن المتوقع أن يستعيد التحقيق زخمه قريباً مع الزيارة المقررة لرئيس لجنة التحقيق الدولية الى دمشق واستعداده لاصدار أول تقرير عن مهمته في آذار/مارس المقبل. وهناك من يقول انquot; قوى ١٤ آذار/مارسquot; ربما تراهن على هذا التقرير وعلى الخطوة الدولية التالية، وتتوقع مزيدا من الضغوط على دمشق بما يساعدها في معركتها لإسقاط لحود.

وتفيد آخر التطورات الرسمية والمعلنة حول التحقيق بأن براميرتس سيزور سورية قبل نهاية الشهر الجاري لإجراء لقاءات مع مسؤولين سوريين والبحث في آلية التعاون، بناء على دعوة رسمية تلقاها من فاروق الشرع عندما كان وزيرا للخارجية، كما أن الادارة الاميركية تخطط على ما كشفت الوزيرة كوندوليزا رايس لاعادة الملف السوري الى مجلس الأمن الدولي من أجل بحث مدى تعاون دمشق مع التحقيق الدولي. وذلك على قاعدة ان التعاون لم يحصل وانه يتعيّن على الأمم المتحدة ان تفعل شيئا حيال هذا الوضع.

ويتبين من التقارير الدبلوماسية والصحافية أن براميرتس حصل قبل ان يتسلم مهماته على وعود دولية بأن الدول الكبرى ستكون مسؤولة عن دفع النظام السوري الى التعاون الكامل وغير المشروط مع المحققين الدوليين من خلال ممارسة ضغوط دولية وكثيفة ومتزايدة على دمشق وعدم السماح لها بإهدار الوقت، والافلات من الالتزامات المطلوبة منها دوليا على هذا الصعيد. كما سيكون براميرتس أكثر تشددا وإلحاحا في موضوع استجواب الرئيس السوري بشار الأسد عن سلفه ميليس، وخصوصا في ضوء ما حصلت عليه لجنة التحقيق من نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام، ولأن الرئيس الجديد للجنة الدولية يريد انهاء التحقيق في أسرع وقت ، ويرى ان استجواب الأسد حلقة مهمة وأساسية وليس ممكنا تجاوزها وتجاهلها، وأنها هي التي ستفتح الباب أمام استجواب مسؤولين كبار في الحكم السوري.

وترغب لجنة التحقيق الدولية في اجراء استجواب حقيقي للأسد بصفته شاهدا أساسيا يعرف معلومات مهمة، وهي تتطلع إلى طرح مجموعة كبيرة من الاسئلة المعمقة عليه وليس مجرد عناوين محددة سلفا والدخول في مناقشات معه ومقارنة أقواله بافادات نائبه السابق خدام وشخصيات أخرى، او بمعلومات وأدلة يملكونها. وهي تريد تسجيل محضر رسمي باللقاء يوقعه الرئيس الأسد نفسه ليكون شهادة رسمية يتم اعتمادها حين ينقل ملف اغتيال الحريري الى المحكمة. كذلك تريد اللجنة ان تعرف من الاسد عما إذا كانت هناك quot;علاقة ماquot; بين توجيه الأسد وأعوانه تهديدات قاسية إلى الحريري وجريمة اغتياله. وتنوي اللجنة أن تسأل الاسد عن طريقة اتخاذ القرارات السياسية والأمنية في نظامه وأدوار عدد من أركان الحكم في هذه العملية، وأن تناقش معه هذه المسائل في ضوء المعلومات المهمة جدا وغير المعلنة التي حصلت عليها من خدام وشخصيات بارزة أخرى تعاملت مع النظام السوري سنوات طويلة، وهي تفيد جميعها باستحالة اتخاذ قرار كبير بحجم قرار اغتيال الرئيس الحريري من دون موافقة على أعلى مستوى في سورية.

ويتطلع براميرتس أيضاً إلى طرح عدد من الأسئلة المتعلقة بقضايا أثارها خدام معه، ومنها ما يتعلق بالرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السورية في لبنان الضابط رستم غزالي رئيس جهاز الامن والاستطلاع السابق في لبنان. و هو يريد كذلك معرفة الأسباب الحقيقية التي جعلت القيادة السورية تمتنع عن اجراء تحقيق مباشرة بعد اغتيال الحريري رغم ان قواتها وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية بقيت في لبنان أكثر من شهرين بعد حصول الجريمة.

شروط الأسد ومطالب براميرتس
وكان الأسد أبلغ إلى جهات عربية ودولية، بينها موسكو، انه يرفض كليا ان تعامله لجنة التحقيق كمتهم او كمشتبه به، او حتى كشاهد، لأنه ليست له اي علاقة باغتيال الحريري، كما لم تكن لديه معلومات مسبقة عن هذه الجريمة، خلافا لما أعلنه خدام. وأوضح الاسد لهذه الجهات انه مستعد لعقد لقاء مجاملة ومساعدة مع براميرتس، لكن له شروطاً رئيسية يجب تحققها كي يقبل بحصول اللقاء، أولها حصوله مسبقاً من لجنة التحقيق على ضمانات رسمية بعدم توجيه أي اتهام اليه أو ملاحقته او مساءلته لأي سبب . كما أنه يريد الاطلاع مسبقا على الاسئلة التي ستوجهها اليه لجنة التحقيق، وهو سيرد عليها في شكل يتم الاتفاق عليه، لكنه ليس في وارد خوض مناقشات معها حول القضايا التي ستثيرها معه، بل انه متمسك بأن تقبل اللجنة كل ما سيقوله من دون جدل او مناقشة، فتتعامل معه بالتالي بصفته رئيس دولة وليس بأي صفة غير ذلك .

ومن الشروط أيضاً أن يعقد الأسد اجتماعا واحدا فقط مع رئيس لجنة التحقيق الدولية، ويرفض الرئيس السوري ان تطلب اللجنة الاجتماع به مراراً. ووهو يريد في ان تصدر لجنة التحقيق بعد اللقاء الوحيد معه بيانا رسميا تؤكد فيه ان الرئيس السوري quot;تعاون في شكل وبنّاء بناء وايجابي معهاquot; ، مما يعني ان القضية تكون قد أنتهت بالنسبة اليه شخصيا.

وحذر الاسد الجهات العربية والدولية التي اتصل بها من انه مستعد للدخول في مواجهة مع مجلس الأمن والدول الكبرى اذا تطلب الأمر ذلك، في حال رفضت شروطه هذه وأصرت لجنة التحقيق على التعامل معه كأي شاهد آخر. وأضاف انه سيرسل وفدا رسميا الى مجلس الامن لتقديم حجج قانونية الى أعضائه تثبيت ان الرئيس السوري يتمتع بحصانة سياسية تمنع استجوابه والتعامل معه كغيره من الأشخاص العاديين.

وتقول مصادر قريبة من النظام الحاكم في دمشق إن الأسد يفكر جديا بالتعاون مع المجتمع الدولي في كل القضايا الخلافية معه،لكنه لم يهتد بعد الى المخرج اللائق لكل ذلك، او بالأحرى لم يقرر اعتماد اي مخرج لأنه لا يزال يراقب وينتظر تبلور الطريقة التي ستتعامل بها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عموما مع حركة حماس التي فازت بالغالبية المطلقة في الانتخابات الاشتراعية الأخيرة، وكذلك تعامل مجلس الأمن ولا سيما الدول الخمس ذات العضوية الدائمة فيه مع ايران وخصوصا بعد التطورات السلبية الأخيرة بينهما وإحالة الملف النووي لإيران على مجلس الأمن،فضلاً عن تطور الوضع في العراق بعد الانتخابات الاشتراعية الأخيرة واحتمالات نجاح الأطراف العراقيين على تنوعهم في تأليف حكومة مستقرة تضع العراق على طريق الاستقرار على المدى الطويل أو إخفاقهم في ذلك. .

ويقول دبلوماسي اوروبي مطلع أن المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، نقل عبرقنوات عربية رسالة حازمة إلى دمشق مفادها ان النظام السوري يخطىء تماما اذا ما راهن على ان اعتماد استراتيجية المواجهة وتأزيم الأوضاع في لبنان وساحات أخرى، يمكن ان يساعده على الافلات من التحقيق الدولي ومن الملاحقة الدولية، لأن ذلك لن يحدث. وسترد الدول الكبرى على كل تصعيد سوري باجراءات حازمة وملائمة.
ويضيف الدبلوماسي إن المعلومات الواردة من دمشق إلى عواصم غربية تفيد بان القيادة السوية قلقة جديا من احتمال ان تستخدم لجنة التحقيق شهادة الأسد، المتعارضة بلا شك مع شهادات أخرى، لكي توجه إلى الرئيس السوري تهمة تضليل التحقيق او إخفاء معلومات وحقائق، مما يمكن ان يتسبب بإحراجات كبيرة للنظام السوري وبتطورات خطرة.