أسامة مهدي من لندن: حذر الرئيس العراقي جلال طالباني من ان دوامة العنف التي يشهدها العراق حاليا تسعى الى تعطيل العملية السياسية واضرام نار الفتنة الطائفية وتمزيق النسيج الوطني واشعال حرب اهلية. واكد طالباني في رسالة الى العراقيين لمناسبة المولد النبوي الشريف وعشية الذكرى الثالثة لسقوط النظام العراقي السابق في التاسع من نيسان (ابريل) عام 2003 وارسلت الرئاسة العراقية نسخة منها الى quot;إيلافquot; الليلة ان تلكؤ العملية السياسية يخلق ثغرات اضافية يستثمرها الارهابيون ومثيرو النعرات والساعون الى اذكاء نيران البغضاء والكراهية واضاف انه غدا واضحا ان التسويف في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية يعني المزيد من العنف والمزيد من المعاناة للعراقيين الذين بدأ صبرهم ينفذ وهم ينتظرون حلولا سريعة لمشاكلهم الملتهبة ويطمحون الى تحقيق الامن والاستقرار وتوفير الخدمات ومكافحة افة الفساد والشروع في انهاض الاقتصاد واستكمال بناء المؤسسات.

واشار الى انه كان الاتفاق على الركائز الاساسية، التي سيقوم عليها بنيان واليات الحكم في السنوات القادمة، خطوة مهمة الى الامام الا ان استثمار التقدم المحرز وتفعيل الاليات المتفق عليها يقتضيان تشكيل حكومة ذات اهلية عالية يقودها اشخاص يحظون بإجماع وطني يؤمن لهم الدعم الواسع ويكفل للحكومة اداء واجباتها وانجاز مهماتها .. وفي ما يلي نص الرسالة :

بسم الله الرحمن الرحيم

في هذه الأيام المباركة، يحتفل المسلمون بذكرى ميلاد الرسول الاعظم محمد بن عبدلله صلى الله عليه وسلم، النبي الذي حمل الى الانسانية جمعاء رسالة الايمان والسلام والدعوة الى البر والتقوى ونبذ الفرقة والبغضاء والجهالة. ان البشر، مسلمين وغير مسلمين، ما برحوا ينتهلون من المنابع الثرة للسيرة النبوية ويستلهمون منها سمو الروح ورفض الجور والطغيان والجنوح الى الاخاء والمحبة والتسامح والوئام.

واننا اذ نهنئ المسلمين وسائر البشر بميلاد النبي الكريم الذي ارسل بالهدى والحق نستلهم واياكم مجددا دعوته الى الابتعاد عن الشقاق والفتن والعدوان ، واتباع طريق التآخي والاصلاح. وعلى هدي تلك القيم السامية قارع شعبنا، طوال عقود من الزمن، النظام الدكتاتوري وكافح من اجل تقويض دعائمه وهز اركانه، حتى انهار في التاسع من نيسان(أبريل) عام 2003. وكانت تلك بداية طريق طويل للتخلص من ارث ثقيل خلفته سنوات الحكم الاسود الذي ساق بلادنا الى ثلاث حروب مدمرة ادت الى مصرع وجرح وتهجير الملايين من العراقيين وتدمير الاقتصاد الوطني وتكبيل بلدنا الغني بالثروات بديون هائلة وحكمت عليه بعزلة خانقة.

ويستذكر شعبنا بمرارة هذه الايام الفواجع الاليمة التي حلت بابنائه في سائر انحاء العراق بسبب اثام النظام السابق: من المذابح في الجنوب والوسط الى حملات الابادة في الانفال الى التصفيات في المناطق الغربية.

لقد شيد النظام جمهورية خوف تقوم على الغاء انسانية الانسان وتسعى الى ان تجعل منه عبدا للحاكم، تمنعه من ممارسة العمل السياسي وتحظر عليه ابداء الرأي. وحولت اجهزة الدولة وانظمة التربية والتعليم ووسائل الاعلام الى ادوات ومنابر لخدمة الدكتاتور الفرد وتكريس حكم العائلة ولتبرير حصر السلطات كلها، التشريعية والتنفيذية والقضائية، في يد واحدة تغير القوانين متى تشاء وتتنكر لها متى ارادت.

ومن هذا النفق المظلم بدأ العراق خروجه في التاسع من نيسان(أبريل) ليسير في درب ليس دائما مفروشا بالورود والرياحين، لكنه لا بد مفض الى ملكوت الحرية والاستقرار والازدهار.

وخلال فترة وجيزة بمقاييس التاريخ مارس شعبنا حق الاقتراع الحر الذي حرم منه طوال العقود الماضية. فقد انتخب الشعب جمعية وطنية كلفت بصياغة الدستور، ثم ادلى برأيه في استفتاء عام على القانون الاساسي، واختار اخيرا اول مجلس نيابي دائم. وتنافست في الانتخابات كتل واحزاب وقوى سياسية مارست عملها العلني بعد سقوط النظام وفي ظل اعلام حر لا رقابة عليه.
وخلال السنوات الثلاث المنصرمة ارتفعت مداخيل فئات عديدة من المواطنين وبدأت اعادة تأهيل قطاعات اقتصادية عديدة، وشرع العراق في اعادة بناء المؤسسات في الداخل واستعادة مواقعه في المحافل الدولية والاقليمية. وقد واجهت هذه المسيرة عدة معوقات في مقدمتها استمرار دوامة العنف والارهاب التي اصبحت اّفة سرطانية تدمي الجسد العراقي. وتهدف الى تعطيل العملية السياسية واضرام نار الفتنة الطائفية وتمزيق النسيج الوطني واشعال حرب اهلية.

ولكن رغم فداحة الخسائر وشدة النزف، تسنى لنا حتى الان تفادي الانزلاق نحو مهاوي الفتنة الواسعة. الا ان تلكؤ العملية السياسية يخلق ثغرات اضافية يستثمرها الارهابيون ومثيرو النعرات والساعون الى اذكاء نيران البغضاء والكراهية. وغدا واضحا ان التسويف في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية يعني المزيد من العنف والمزيد من المعاناة لابناء شعبنا الذي بدأ صبره ينفذ وهو ينتظر حلولا سريعة لمشاكله الملتهبة ويطمح الى تحقيق الامن والاستقرار وتوفير الخدمات ومكافحة افة الفساد والشروع في انهاض الاقتصاد واستكمال بناء المؤسسات.

وقد كان الاتفاق على الركائز الاساسية التي سيقوم عليها بنيان واليات الحكم في السنوات القادمة خطوة مهمة الى الامام. الا ان استثمار التقدم المحرز وتفعيل الاليات المتفق عليها يقتضيان تشكيل حكومة ذات اهلية عالية يقودها اشخاص يحظون بإجماع وطني يؤمن لهم الدعم الواسع ويكفل للحكومة اداء واجباتها وانجاز مهماتها.

ان التاسع من نيسان(أبريل) سيظل في صحائف التاريخ يوم الانفكاك من اسر الطغيان وسلوك دروب الحرية التي ستفضي بنا، بعون الله، الى بناء عراق حر تعددي ديمقراطي اتحادي يكفل لمواطنيه امنا لا يقوم على القمع وكبت الحريات وخبزا ليس معجونا بالمهانة، ويضمن بناء دولة كاملة السيادة تصون حدودها ولا تعتدي على احد، واقامة مجتمع خال من الغلو والتطرف يسوده العدل والاخاء.

جلال طالباني
رئيس الجمهورية