موسى متروف من الدار البيضاء: بلوغ يوم الأحد 30 يوليو يكون قد مضى على اعتلاء محمد السادس العرش المغربي سبع سنوات، يوما بيوم. وتختلف القراءات في حصيلة هذه السنوات. على المستوى السياسي تكرس الانتقال الديمقراطي والذي بدأه والده الراحل الحسن الثاني مع تكوين حكومة quot;التناوب التوافقيquot; برئاسة عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول (الأمين العام) آنذاك لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي بنى إيديولوجيته كاملة على المعارضة. تكرس الانتقال الديمقراطي وإن تخلى محمد السادس عن اليوسفي بعد انتخابات سنة 2002 وأسند رئاسة الحكومة لرئيس وزراء تقنوقراطي (رجل الأعمال إدريس جطو). ورغم أن الاتحاد الاشتراكي اعتبر ذلك خروجا عن quot;المنهجية الديموقراطيةquot; إلا أنه شارك في الحكومة وبتدبير من اليوسفي نفسه!

تكرس الانتقال الديموقراطي أيضا من خلال تطوير آلية المصالحة مع فترة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي بدأها الملك الراحل سنة 1999(قبيل وفاته) مع إنشاء quot;هيئة التحكيم المستقلة للتعويضquot; التي تم توسيع اختصاصاتها وتحويلها إلى quot;هيئة الإنصاف والمصالحةquot; بتاريخ 7 يناير (كانون الثاني) 2004 برئاسة مناضل يساري معارض هو إدريس بنزكري.

ويشمل اختصاص هيئة الإنصاف والمصالحة الزمني الفترة الممتدة من أوائل الاستقلال سنة 1956 إلى سنة 1999 أي تاريخ المصادقة الملكية على إحداث هيئة التحكيم المستقلة للتعويض وليس وفاة الملك الحسن الثاني كما يروج البعض. أما الاختصاص النوعي فيشمل أكثر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي اتسمت بالطابع الممنهج أو الكثيف. علما بأن اختصاص التحري والكشف عن الحقيقة يخول الهيئة التحقق من نوعية ومدى جسامة الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان.

في 6 يناير (كانون الثاني) من السنة الجارية تم إنهاء عمل الهيئة رسميا من طرف الملك الذي أشاد بما قامت به هذه المؤسسة من جلسات استماع علنية وخاصة وجبر الضرر الفردي والجماعي معتبرا quot;أن هذه المصالحة الصادقة التي أنجزناها، لا تعني نسيان الماضي، فالتاريخ لا ينسى. وإنما تعتبر بمثابة استجابة لقوله تعالى: quot;فاصفح الصفح الجميلquot;. وإنه لصفح جماعي، من شأنه أن يشكل دعامة للإصلاح المؤسسي. إصلاح عميق يجعل بلادنا تتحرر من شوائب ماضي الحقوق السياسية والمدنيةquot;.

وإذا كان من عناوين مرحلة الانتقال الديمقراطي في عهد محمد السادس استكمال تجربة التناوب وخلق هيئة الإنصاف والمصالحة التي نظمت جلسات علنية للاستماع لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان نقلتها وسائل الإعلام، فإن المرحلة انطبعت أيضا بأحداث الدار البيضاء الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 والتي خلفت ضحايا أبرياء وخلفت اعتقالات واسعة في صفوف الإسلاميين المتشددين وتجاوزات اعترف ببعضها محمد السادس بنفسه وعمل على تجاوزها من خلال سلسلة من قرارات العفو الملكي. وكان من نتائج هذه الأحداث الدامية تبني البرلمان لقانون الإرهاب الذي اعتبر حتى من الذين صوتوا عليه بأنه يسجل تراجعات في مجال الحريات وحقوق الإنسان.

وكما راهن العاهل المغربي على الطي النهائي لملف حقوق الإنسان فقد سعى أيضا إلى الطي النهائي لملف قضية الصحراء بتشكيله للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية وتعيين أعضائه بمدينة العيون بالصحراء يوم 25 مارس (آذار) من السنة الجارية وتكليفهم بإعداد مشروع متوافق عليه من كل الفعاليات الصحراوية لتحقيق مقترح المغرب بإعطاء حكم ذاتي للأقاليم الصحراوية في إطار السيادة المغربية.

ركز محمد السادس على الجانب الاجتماعي في النهوض بالقضايا الاساسية للبلاد فانشأ مؤسسات خاصة بالعمل الاجتماعي والتضامني وأبرزها مؤسسة محمد الخامس للتضامن وعمل على محاربة الفقر والتهميش عبر العديد من المبادرات والتي ترجمت في الأخير ببرنامج شامل ومندمج يسمى quot;المبادرة الوطنية للتنمية البشريةquot; والتي أطلقها العاهل يوم 18 مايو (أيار) من السنة الماضية. واعتمد تمويل قار وتدريجي لتمويل الشطر الأول من المبادرة عبر إحداث صندوق لدعمه بمبلغ يناهز 10 ملايير درهم (حوالي مليار دولار) تغطي الفترة ما بين 2006 و2010. وتمت السنة الماضية برمجة مبلغ 250 مليون درهم (25 مليون دولار) لإنجاز مشاريع ذات وقع مباشر على التنمية البشرية.

وتعتبر quot;المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ورشا كبيرا استجابة لدراسة كان محمد السادس قد أعطى انطلاقتها يوم 20 غشت 2003 وهي انطلاقة لquot;مشروع جماعي وتشاركي للدراسة والتأمل والنقاش، يهم إنجاز تقويم استرجاعي لمسار التنمية البشرية بالمغرب، منذ الاستقلال، واستشراف آفاقها، على مدى العشرين سنة القادمة. ولقد تمت بلورة هذا المشروع في صيغة تقرير يحمل عنوان quot;50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق سنة 2025quot;.

كان هذا التقرير الذي تلقاه الملك في نفس اليوم الذي تلقى فيه التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة بداية لتوضيح الرؤية الاستراتيجية للتنمية الاجتماعية ودلالة على أن المغرب لم يبق سجين التقارير الدولية للصناديق الأممية والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.