كواليس العودة وأسباب إستقرار الأمن في العراق
الحكومة ترمي العراقيين في التهلكة لتستعيد الثقة فقط

زيد بنيامين من دبي: حينما أعلنت الحكومة العراقية عن تسهيل إجراءات عودة العراقيين من الخارج وخصوصًا من سوريا، تلتها دعوة 1.4 مليون عراقي في سوريا للعودة إلى الوطن وهي دعوة رسمية موجهة من حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أعلنت الأمم المتحدة والولايات المتحدة عن عدم تفضيلهما تلك العودة وبهذا التوقيت من خلال لغة دبلوماسية، أما الواقع فيقول إن دقات قلبهما كانت تتسارع بشكل كبير. فهذه الدعوة أصابت الإثنين بالرعب بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ورد مسؤولو اللاجئين الأمميين على الدعوة برفضها لأن عودة اللاجئين ستعني بقاءهم في العراق ومن دون وظائف والتواجد في مناطق ما زالت تعيش خطر الإنجراف في الصراع الطائفي. أما بالنسبة إلى الآلة العسكرية الأميركية، فإن عودة اللاجئين إلى منازلهم وإيجادها محتلة من قبل غيرهم وخصوصًا في بغداد ستدمر خطة (فرض القانون) التي تصفها صحيفة (الواشنطن بوست) بأنها (من زجاج).

يقول دبلوماسي في الامم المتحدة معلقًا: quot;ما يحدث مشكلة يمكن للجميع ان يشعر بها وبشكل واضح.. تصور نفسك انك تعود الى المنزل الذي تركته وترى ان شخصًا اخر قد انتقل اليه لانه وببساطة قد اجبر على ترك منزله في منطقة اخرى .. ولكن الواقع يقول إن الظروف اصعب من ذلك .. لان وجود الميلشيات المناطقية قد تولت السيطرة على هذه المناطق وطردت اي شخص لا تريده الى خارجهاquot;. وتقول احصائيات الامم المتحدة ان واحدا من كل 6 عراقيين اضطر الى ترك منزله (حوالي 4.5 مليون شخص من السكان)، بعضهم هاجر داخل العراق وبعضهم الاخر خارج العراق وخصوصًا الى سوريا..

وبسبب العديد من الظروف التي يعيشها هؤلاء اللاجئون وخصوصًا صرف كل ما ادخروه خلال حياتهم او من خلال الحنين الى عوائلهم او اصدقائهم فقد قرروا العودة الى البلاد بالاعتماد على تقارير صحافية تقول ان الوضع الامني في بغداد خصوصًا قد تحسن في الاونة الاخيرة، فيما تسعى الحكومة العراقية لتبدو امام العالم وكانت الامور قد بدأت بالاستقرار وبالتالي شهد الشهران الاخيران موجة من العودة الى البلاد.

ويعتقد ان عودة العراقيين تشكل السؤال الاهم بالنسبة إلى الحكومة العراقية وكذلك بالنسبة إلى العسكرية الاميركية، اضافة الى العاملين في المجال الانساني، حيث يقول المسؤولون الاميركيون والامميون انهم يدفعون الحكومة العراقية من اجل ان لا تشجع عودة اللاجئين العراقيين فقط بل لكي تطور البرامج التي تساعدهم على العيش quot;الامر سهل ان تقول للناس تعالوا ارجعواquot; بحسب غاي سيري نائب منسق الشؤون الانسانية في العراق quot;ولكن السؤال .. العودة الى الوطن .. العودة الى اين .. وكيف؟ الامر اعقد بذلك بكثير ، عليك النظر الى الصورة ككل، كيف يمكن للمجتمع ان يقبل بعودتهم، هل الامر نافع بالنسبة إلى العائدين اقتصاديًا، هناك الكثير من التفكير امامنا قبل ان نقول للناس ارجعوا!quot;.

المهندس كريم سعدي هادي (46 عامًا) يعمل حاليًا في محل لبيع الاحذية في منطقة الكرادة ببغداد ، يقول انه عاد من دمشق الشهر الماضي مع زوجته وابنته لان ما جمعه طوال عمره قد نفذ منه ومنع من العمل بصورة قانونية في سوريا ويؤكد انه يحاول جمع المال للخروج من العراق مرة اخرى. ويؤكد كريم ان الحكومة العراقية لا يجدر بها الدعوة الى العودة فقط والقول ان البلد في امان او حتى اغراء الناس بتوفير مواصلات مجانية quot;انهم يخدعون العراقيين بنسبة 100% ، 80% ممن عادوا من سوريا كانت بسبب تعقيدات في مسالة بقائهم في هذا البلد ليس الاquot;.

وتقول الامم المتحدة ان لديها دليل دامغ ضد (الحكومة العراقية) وادعاءاتها بالوضع الامني الجيد. فمجموعة العوائل الوحيدة التي عادت في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وكانت تلك هي الوجبة الاولى من العائدين استطاع ثلثها العودة الى منازلهم فيما اضطر الثلثان المتبقيان الى ايجاد مناطق اخرى توافق طائفتهم بسبب سرقة منازلهم او للعيش بعيدا عن مناطقهم الاصلية التي شهدت تجمع طائفة اخرى..

بالنسبة إلى هؤلاء العراقيين فمعظم المنازل التي تركوها لم تعد كما هي. بعضها سرق او تم تدميرها او تم احتلالها ، معظم مناطق بغداد ضمت يومًا ما خليطًا شيعيًا او سنيًا بينما اليوم الامر تغيير هناك مناطق للسنة ومناطق للشيعة ويقول الجيش الاميركي ان الفضل في الهدوء الذي تعيشه العاصمة العراقية خصوصًا هو بسبب هذا الطابع الطائفي الذي باتت تتصف به مناطق بغداد وانحسار فكرة المناطق المختلطة سابقًا. ويقول الكولونيل ويليام راب احد المساعدين الرئيسيين للجنرال ديفيد بيتريوس المسؤول الرئيس على الجيش الاميركي في العراق quot;هناك عنصر مهم لتراجع العنف ، لان الفرقة الطائفية قد حصلت بالفعل، بغداد تقسمها الآن خطوط للمواجهة الطائفية كخطوط الزلازل بين الاحياء ذات الهوية الطائفية المختلفة ونحن نسهر على هذه الخطوطquot; ويضيف quot;على العراقي ان يسأل نفسه هل حقًا يريد العودة الى حيه .. لان حيه لم يعد شيعياً هذا الحي اصبح سنياًquot;.

السنة في العراق هم من دفعوا ثمن التفرقة الطائفية التي انطلقت في العراق بعد سقوط بغداد وخصوصا بعد الهجمات التي شنتها القاعدة على مراقد الشيعة في 2006، اغلب المناطق السنية احتلتها طبقات شيعية فقيرة تحت حماية الميليشيا التي يقودها مقتدى الصدر والتي كانت من ابرز حلفاء (هيئة العلماء المسلمين) السنية التي كانت تعارض الوجود الاميركي وتحمله سبب ما وصل اليه الوضع في العراق .. ويقول دبلوماسي غربي quot;اياكم ان تظنوا ان ميلشيا المهدي مهمتها حمل السلاح في الشارع فقط ، انهم يتحركون بحماية الحكومة العراقية التي تسعى لتقاسم الغنيمة من خلال تاجير المنازل للناس واخذ نسبة من العائدات واخذ المال مقابل حماية تجارتك ايضاًquot; كما تقوم الميلشيا بالتحكم بمصير الوقود والكهرباء.

عمر قاسم (36 عاماً) قرر ترك منطقة السيدية في بغداد مع زوجته وابنيه للذهاب الى دمشق في ديسمبر 2006 بعد ان بدأت ميلشيات شيعية بالانتقال الى منطقته ومن ثم بدأت تزداد الجرائم بحق السنة اثر ذلك ويقول خلال مكالمة تلفونية من العاصمة السورية دمشق ان منزله احتل من قبل قائد الميلشيا وتم اخذ السيارة والاثاث كـ (غنائم) ويؤكد quot;اتمنى العودة الان الى بلدي ، ولكن الهدوء الان في بغداد هو الهدوء ما قبل العاصفةquot;.

ويؤكد احد قادة الجيش الاميركي ان هناك 350 الف شخص في بغداد قد اضطروا لتغيير سكنهم في العراق 80% منهم بسبب العنف الطائفي ولاتضم الاحصائية اولئك الناس الذين لم يبلغوا رسميًا الهيئات الانسانية بتغيير مناطقهم لأنهم يخافون من ان تقوم السلطات بقطع حصصهم التموينية quot;يمكن للمشكلة ان تحل لو ان هناك برنامجًا للاعمار واعادة الاستقرار لهذه العائلات .. لقد تحدثنا الى الحكومة العراقية لأن تنتهج سياسة تساعد العراقيين على ذلك ولكي لا نضطر الى ما هو اسوء لكن من دون جدوىquot;..

وتبدو الحكومة العراقية منقسمة حيث قررت وزارة الدفاع دعم عودة العراقيين من خلال دعم السيارات التي تحملهم على العودة الى البلاد حيث من الغريب ألا تقوم وزارة المواصلات بذلك وحتى هذه الوزارة رفضت تخصيص حافلات لنقل العراقيين الذين طردتهم سوريا ووضعتهم على الحدود فيما يواصل التلفزيون العراقي الرسمي بث الاعلانات التي تدعو العراقيين إلى العودة فيما يتهم المسؤولون العراقيون العاملين في الامم المتحدة بعرقلة عودة العراقيين لانهم يغرونهم بالهجرة ويرد مسؤول في احدى المنظمات الطبية الانسانية هو هيرفي ريتشارد توماس بالقول quot;هذه الحكومة تريد ان ترمي العراقيين في التهلكة لتعيد الثقة الى نفسهاquot;.