اندريه مهاوج من باريس: لم تعد قراءة استطلاعات الراي تشكل مرتكزا ذات مصداقية للجزم بالنتيجة التي ستؤدي اليها الانتخابات الرئاسية الفرنسية وتجربة انتخابات عامي 1995 و2002 اكبر دليل على ذلك. ففي الاولى كانت جميع الاستطلاعات تؤكد فوز ادوار بالادور وتنبئ بهزيمة جاك شيراك منذ الدور الاول ولكن العكس تماما حصل وفاز شيراك باول ولاية رئاسية له وفي الحالة الثانية كانت استطلاعات الراي تتوقع مواجهة بين شيراك وليونيل جوسبان في الدور الثاني فاذا بالاخير يخرج من الدور الاول. والان هل تخبئ استطلاعات الراي مفاجأة غير متوقعة ؟؟

اذا صدقت هذه الاستطلاعات وحصلت المواجهة في الدور الثاني بين المرشحة الاشتراكية سغولين رويال ومرشح الحزب الحاكم نيكولا ساركوزي فماذا سيكون دور مرشح اليمين الوسط فرنسوا بايرو في هذا الدور؟

اكثر من استطلاع للراي افاد في الايام الاخيرة بان ساركوزي ورويال يتساويان بخمسين بالمئة لكل منهما وان موقف فرنسوا بايرو سيحسم المعركة لمصلحة هذا المرشح او ذاك في الدور الثاني اخذا بذلك موقع quot;الرجل الثالثquot; في هذه المعركة وهو الموقع التقليدي الذي كان يشغله جان ماري لوبن زعيم اليمين المتطرف .

معروف ان فرنسوا بايرو استطاع ان يستميل ناخبي الطبقات الوسطى وموظفي القطاع العام والكوادر من انصار الحزب الاشتراكي بفضل دعمه لهذه الطبقة العمالية التي ترفض التخلي عن مكاسبها الاجتماعية وعن التقديمات الوظيفية في وقت يدعو فيه المرشحان الاخران ألى ادخال اصلاحات جذرية على الوظيفة العامة ـساركوزي من انصار فرض هذه الاصلاحات وتجاهل الاعتراضات ورويال تفضل التفاوض مع النقابات العمالية لتحقيق هذه الغاية

وهكذا يبدو فرنسوا بايرو رجلا محافظا في الوقت الذي يدعو فيه الجميع الى ادخال اصلاحات على الانظمة الاجتماعية والاقتصادية والوظيفية لانقاذ البلاد لذلك لا يمكن لبايرو ان يسجل نقاطا على خصميه حول الجوهر بل انه يستطيع التلاعب على الشكل أي انه لا يستطيع ان ينكر الى ما لا نهاية ضرورة تحديث البلاد ولكنه قادرعلى انتقاد الطريقة التي يعتمدها كل من ساركوزي او رويال.

ولكن مشكلة بايرو الاساسية مع ساركوزي هي رفض الاخير اجراء انتخابات اولية بين كل المرشحين المفترضين لليمين لاختيار مرشح واحد تلتقي حوله هذه الاحزاب فقد فضل ساركوزي فرض نفسه محاولا استبعاد أي مرشح اخر ولكن ما يزعج بايرو اكثر في علاقته مع حزب ساركوزي هو انه مضطر للتحالف معه في الانتخابات التشريعية المقررة في حزيران يوينو المقبل فاذا اختار بايرو دعم سغولين رويال في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية فانه سيفقد تحالفه مع ساركوزي في الانتخابات التشريعية ويخسر مقاعده النيابية، واذا دعا مناصريه للتصويت لساركوزي في الدور الثاني فانه سيفقد مصداقيته كبديل عن اليمين التقليدي. من هنا تبدو حراجة الموقف امام بايرو الذي يلتقي مع المرشحة الاشتراكية على اعتماد الحوار والاقناع مع النقابات العمالية والشركاء الاجتماعيين في معالجة الملفات الاجتماعية المطروحة في حين يعتمد ساركوزي اسلوب الحزم وفرض الخيارات على الشركاء الاجتماعيين وما يتمناه بايرو هو خسارة ساركوزي امام رويال لكي يصبح هو زعيم المعارضة اليمينية بعد توسيع قاعدته الحزبية وطرح خيارات جديدة على المستوى الاوروبي مثل تشكيل حزب جمهوري قادرعلى احياء الفكرة الاوروبية في اوساط الشعب الفرنسي الذي رفض الدستور الاوروبي في العام 2005 ليكون بذلك بديلا حقيقيا عن اليمين واليسار معا بمفهومهما الراهن وليحضر بالتالي معركة الانتخابات الرئاسية للعام 2012 وليؤمن لنفسه اكبر الحظوظ ليكون خليفة رويال.