حسابات ما بعد إعلان وقف العمليات العسكرية
معركة quot;الباردquot; تعزز موقع الجيش اللبناني

الياس يوسف من بيروت: انتهت عمليًا معركة مخيم نهر البارد، بعدما شكلت تهديدًا جديًا للإستقرار في لبنان وسلطت الضوء على مصدر خطر جديد لم يكن يؤخذ في الاعتبار، وبقيت quot;تنظيفاتquot; تتولاها وحدات الجيش اللبناني وقد تستغرق أيامًا إضافية ومزيدًا من الذخائر. إلا أن إقفال ملف نهر البارد لا يعني اقفال ملف quot;فتح الإسلامquot;. فما حصل هو وقف العمليات العسكرية التي أنجزت أهدافها بالسيطرة التامة على المواقع العسكرية للتنظيم الإرهابي وتوقفت عند حدود quot;المخيم القديمquot;، ولكن الحصار سيستمر محكما على هذا الجزء من المخيم الذي سيكون بمثابة quot;منطقة عسكريةquot; تخضع لاجراءات ورقابة مشددة في ضبط حركة الدخول والخروج. وسيستمر هذا الوضع مع ما يعنيه من توتر ومناوشات من حين الى آخر، ومن ارجاء عملية عودة النازحين وتجميد ملف اعادة الاعمار الى حين انتهاء ملفquot; فتح الإسلامquot;. وهذه النهاية حددتها قيادة الجيش بتسليم المطلوبين وحل هذا التنظيم وتسليم سلاحه، لئلا يعود له أي شكل من الوجود والنشاط.

وواضح أن تعامل الجيش اللبناني مع المخيم القديم ستغلب فيه الوسائل الأمنية على العسكري، وسيسعى الى تفكيك التنظيم المتطرف وملاحقة عناصره واقتيادهم الى السجن، وذلك وفق عملية متكاملة تتضمن مسارًا عسكريًا يتمثل في الحصار، وأمني في التفكيك، وسياسي في إعطاء دور للفصائل الفلسطينية في تولي أمن المخيم وتنظيفه من العناصر الارهابية المتطرفة.

وشكلت معركة نهر البارد انجازا للجيش اللبناني الذي عرف أن يدير معركته من دون أن تخرج عن إطارها وأن يحدد الوقت الذي يناسبه للخروج منها. فهو دخل معركة فرضت عليه ولم يكن مستعدًا لها ولم يكن أمامه إلا خيار الحسم العسكري لاسترداد هيبته ومعنوياته ولحفظ دوره وموقعه المحوريين، وخرج من المعركة عند الحد الفاصل بين مرحلتين وquot;مخيمينquot;، وفي اللحظة المناسبة بعدما تحققت أهداف المعركة وقبل أن تتحول معركة استنزاف ويتحول المخيم مستنقعًا.

واستند الجيش الذي خاض أولى معاركه منفردا وأول اختباراته بعد خروج الجيش السوري من لبنان، استند الى تغطية سياسية لبنانية شاملة رغم الخلافات والانقسامات في المجتمع السياسي اللبناني، وكذلك الى مساندة ومواكبة من الشعب اللبناني قل نظيرها. كان في معركته ضد الارهاب في quot;المعركة المثاليةquot; التي لا يرقى شك الى طابعها الوطني وأهدافها.

وفي ادارته للمعركة التي وصفت بأنها دقيقة ومتأنية ومدروسة، حقق الجيش نجاحًا ملحوظًا في quot;تحييد المدنيينquot; الذين لم تقع في صفوفهم اصابات، وفي الفصل التام بين quot;فتح الاسلام quot;كظاهرة ارهابية وبين مخيم نهر البارد، والحؤول بالتالي دون أي انحراف للمواجهة في اتجاه لبناني - فلسطيني، ووضع اللبنانيين والفلسطينيين في خندق سياسي واحد ضد الارهاب، وذلك على الرغم من خروق سجلت نتيجة حال الفوضى والفراغ داخل مخيم نهر البارد، وتمثلت في مشاركة فصائل فلسطينية في القتال، وإخفاق فصائل أخرى في الوفاء بإلتزاماتها، خصوصًا بمنع عناصر quot;فتح الإسلام quot;من التغلغل في المخيم القديم والأحياء السكنية.

وحاز الجيش إعجابًا وتقديرًا، خصوصًا لدى الدبلوماسيين والملحقين العسكريين، لطريقته في القتال حيث برز quot;العنصر البشري الكفوء والمقدامquot; الذي عوّض نقصًا فادحًا في التجهيزات والوسائل والمعدات القتالية المتطورة التي تتطلبها حرب نوعية غير تقليدية كهذه. وهذا ما يفسر وقوع هذا العدد من شهداء الجيش ولكنه عدد معقول قياسًا الى شراسة المعركة وطبيعتها من جهة، والى النتائج المحققة والمردود الوطني والمعنوي من جهة .

في المختصر، شكلت معركة نهر البارد نقطة تحول في مسيرة الجيش اللبناني الذي أضاف الى انجازه الأمني، المتمثل في حفظ الأمن والسلم الأهلي في ظروف معقدة خصوصًا في فترة ما بين ٢٠٠٥- ٢٠٠٧ التي تميّزت بانقسامات سياسية طائفية، وانجازه الوطني المتمثل في الانتشار في جنوب لبنان والوصول الى الحدود للمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا، انجازًا عسكريًا شكل معمودية دم هي الأولى من نوعها.

والآن ... ماذا بعد؟

هذه النجاحات والانجازات ستكون لها انعكاسات وتأثيرات في اتجاهين :

- الجيش ودوره وتأثيره في معادلة الوطن والحكم باعتباره ضامنًا وحاميًا للدولة والنظام والوحدة والأمن الاستقرار.

- ادخال تعديلات ملموسة على وضع المؤسسة العسكرية وبنيتها، عتادًا وعديدًا تجهيزًا وإمكانات، لتصبح في الوضع الذي يتيح لها تحمل هذا القدر من المسؤوليات والأعباء وخوض تحديات جديدة في مقدمها الحرب ضد الارهاب... وفي هذا الاطار سيطرأ تطور كمّي ونوعي في عملية تسليح الجيش وتكثيف لعملياته التدريبية، وتطوير لقدراته القتالية وتلبية حاجاته من دون تقنين وتقصير، ورفع مستوى التنسيق والتبادل والتعاون بين الجيش وبقية القوى والقطاعات الأمنية.

والسؤال البديهي بعد إعلان وقف العمليات العسكرية: ماذا بعد نهر البارد؟

تدل الإشارات الصادرة عن وزير الدفاع الياس المر وقيادة الجيش على أن الانتصار العسكري لن يتحوّل انتصارًا سياسيًا لأي جهة، والترجمة العملية لذلك تكون في اتجاهين:

- ان المعركة ضد تنظيم quot; فتح الإسلامquot; محصورة في نطاق مخيم نهر البارد وتنتهي مفاعيلها مع نهايتها كمعركة طارئة معزولة في المكان والزمان وخارج أي حسابات وتوظيفات سياسية لمصلحة هذا الفريق او ذاك.

- ان معركة نهر البارد ليست لها quot;تتمة وملاحقquot; وليست مدخلاً الى معارك وعمليات تصفية حسابات في مناطق وأوضاع أخرى. فهذه المعركة كان لها quot;خصوصيةquot; في ظروفها وطبيعتها ولا تنسحب على أوضاع وملفات أخرى ذات أبعاد سياسية، مثل السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وذلك بإعتبار أنها مواضيع لا يمكن بتها خارج الحوار والتوافق الوطني، كما لا يمكن تطبيق ما سبق الإتفاق عليه في شأنها حول طاولة الحوار قبل تسوية الأزمة السياسية التي يتزايد تفاقمها .