أسامة العيسة من القدس : الذكرى الأولى لحرب لبنان الثانية، جاءت مبكرة في إسرائيل، فوفقا للتقويم العبري فان هذه الذكرى حلت أمس، حيث شهدت البلاد فعاليات مختلفة بالمناسبة، تجندت لها وسائل الإعلام والصحف، وبلغت ذروة هذه الفعاليات، بمراسم تأبين رسمية، لقتلى الحرب الإسرائيليين، نظمت على جبل هرتسل بالقدس، الذي يضم رفات كبار قادة إسرائيل العسكريين والمدنيين.

ومن بين المدعوين الكثر من الشخصيات الرسمية والاعتبارية، تسلل وجه مألوف، برز خلال تلك الحرب، لم يوجه له الدعوة أحد، ولكنه أصر على الحضور، رغم انه يعرف بان وجوده غير مرحب به، ولم يكن هذا الشخص المتسلل سوى عمير بيرتس، وزير الدفاع في تلك الحرب، والذي فقد منصبه قبل أسبوعين.

وبيرتس، هو أحد ثلاثة حملتهم لجنة الفحص الحكومية (لجنة فينوغراد)، في نتائج تلك الحرب مسؤولية ما اعتبرته الفشل فيها، بالإضافة إلى ايهود اولمرت، رئيس الوزراء، والجنرال دان حالوتس رئيس الأركان السابق.

واستطاع بيرتس الصمود في منصبه، رغم الانتقادات والدعوات التي وجهت له للاستقالة، حتى تم تعيين ايهود باراك خليفته في زعامة حزب العمل في منصب وزير الدفاع الذي كان على راس المشاركين في المراسم التأبينيه، في إعلان رمزي بان إسرائيل بدأت تشفى من جروح الحرب، وتستعد لجولة أخرى منها لاستعادة كرامتها المهدورة تحت قيادة باراك.

عار الهزيمة يلاحق قادة اسرائيل بعد عام من الحرب
وإذا كان بيرتس غير المرغوب به، أصر على حضور المراسم التابينية للقتلى الإسرائيليين في الحرب الذي وصل عددهم 119 عسكريا و45 مدنيا، فان ايهود اولمرت، الذي بقي في منصبه فيما يشبه المعجزة، رفض الحضور رغم الدعوة التي وجهت له.

وخشي اولمرت، المحامي السابق محترف إبرام العقود الناجحة المحكمة، أن يثير حضوره غضبا عليه من أهالي الضحايا، باعتباره المسؤول الأول عن الفشل الإسرائيلي في تلك الحرب.

وكان المقربون لاولمرت أعلنوا بأنه لن يحضر هذا المراسم، وهو ما جعل أهالي الضحايا يشنون عليه هجوما مسبقا قائلين بانه لم يكتف بالتسبب في الفشل في الحرب التي ذهب ضحيتها أبناؤهم ولكنه لا يريد أن يحضر مراسم إحياء ذكراهم.

ويعلم اولمرت، بان بقاءه في منصبه حتى لو طال فترة أخرى، إلا انه لن يبقى فيه طويلا، خصوصا وانه سيضحى الموضوع المفضل لوسائل الإعلام بعد أن تنشر لجنة فينوغراد تقريرها النهائي في شهر آب (أغسطس) المقبل، والمتوقع أن تحمله فيه المسؤولية الأولى والمباشرة، بحكم منصبه السياسي، عن الفشل في تلك الحرب.

وإذا كانت إسرائيل تخلصت من وزير الدفاع السابق، واستبدلته بوزير جديد له سمعة عسكرية كبيرة، وأبقت على اولمرت في منصبه، لغايات معينة وضمن صفقة مع حزب العمل، ولو بشكل مؤقت، فماذا عن الجنرال دان حالوتس، رئيس الأركان السابق، الذي وجد في حرب لبنان فرصة سانحة لتطبيق نظرياته في هذه الحرب؟.

كان حالوتس أول مسؤول إسرائيلي، تجرأت عليه الصحف بعد أن صمتت المدافع، عندما كشفت عن انه وجد الوقت، عشية الحرب لكي يبيع اسهما يملكها بقيمة 20 ألف دولار، في بورصة تل أبيب لأنه كان يعلم ماذا سيحل بالبورصة بعد إعلان الحرب، وحاول حالوتس أول رئيس للأركان قادم من سلاح الجو، أن يدافع عن نفسه، ولم تجد النيابة ثغرة قانونية فيما عمله، إلا انه الصحافة كانت وجهت له الضربة القاتلة التي ظل يقاومها، حتى رضخ في النهاية وقدم استقالته، وغادر البلاد إلى جامعة هارفرد لإكمال دراسته وتقويتها.

وواجهته هناك مفاجات غير سارة، حيث عمد طلاب إسرائيليون يساريون واخرون من حلفائهم، إلى مطاردة حالوتس باعتباره مجرم حرب، واستحدثوا موقعا على الإنترنت خاصا بما أسموهم مجرمي الحرب خصوصا حالوتس، مطالبين بتقديمهم للمحاكمة.

ورغم هذه المنغصات التي يواجهها حالوتس في أميركا، إلا انه بقي بعيدا عن النقاش الذي احتدم في إسرائيل حول الحرب، مما جعله عرضة للانتقادات من الذين فسروا وجوده خارج البلاد بالهروب.

وحل محل حالوتس في منصبه، ابن جيرانه غابي اشكنازي، الذي جاء إلى منصبه بعد سلسلة مشاورات ودراسات، سبقها إقالة عدد من الضباط وإحداث تغييرات في بنية الجيش المجروح.

وبخلاف حالوتس فان اشكنازي غير محب للكلام، وليس لديه آمال أو أوهام، مثل سلفه حول إمكانية سلاح الجو بحسم المعارك، رغم ما يمكن أن يرتكب من فظائع مثلما فعل حالوتس، الذي ارتكب مجازر في القرى اللبنانية الجنوبية، واحدث دمارا في العاصمة اللبنانية بيروت.

وبدا اشكنازي بترميم الجيش، ووضع خططه محل التطبيق، حتى جاء وزير الدفاع الجديد الذي كان شغل سابقا منصب رئاسة الأركان، مما أعطى الانطباع بان إسرائيل أصبحت جاهزة للحرب المقبلة، التي تعتبر بمثابة أمرا محسوما بالنسبة لرجل الشارع في إسرائيل.

وصادقت الحكومة الإسرائيلية، عن طريق تصويت أعضائها بالهاتف، على تعيين عضو الكنيست عن حزب العمل متان فيلنائي نائبا لوزير الدفاع باراك الذي يريد استكمال طاقمه من اجل تنفيذ خططه والعمل ما بين مكتبه ورئاسة الأركان كفريق واحد.

ولكن الصحافة لم تكفيها هذه التعيينات والحديث عن الاستعدادات لتقتنع بان الأمر اصبح كاملا، ونشرت تقارير موسعة عن قصورات كبيرة وفاضحة على طول الجبهة الشمالية، ومن بينها تحصين منازل الإسرائيليين، وكذلك حول عدم استخلاص العبر في ميناء حيفا، ومنشات أخرى في المدينة، التي وصلها قصف حزب الله.

وفيما يعتبر رسائل موجهة للجمهور الإسرائيلية، قالت مصادر إسرائيلية مسؤولة بان الجيش الإسرائيلي طبق العديد من استنتاجات اللجان المختلفة التي شكلت في أعقاب الحرب، خاصة في مجالات التدريبات والتسليح والعتاد.

مشاهد مألوفة تكررت أثناء حرب لبنان
وهذا لم يقنع بعض النواب خصوصا من المعارضة مثل النائب عن حزب الليكود يوفال شتاينيتس الذي فقال بان quot;هناك عيوبا استراتيجية لم تتم معالجتها بعدquot;.

وفي اكثر من مكان في إسرائيل تعمل جهات عديدة، لتطبيق استخلاصات العبر من حرب لبنان الأخيرة، ومن بينها لجنة التوجيه المكلفة بتطبيق توصيات لجنة فينوغراد، التي أوصت باستحداث هيئة للأمن القومي تعمل داخل ديوان رئيس الوزراء برئاسة رئيس مجلس الأمن القومي.

وحسب صحيفة يديعوت احرنوت في عددها اليوم، فان من شان تطبيق هذه التوصية سيحدث تغييرات جذرية في تركيبة ديوان رئيس الوزراء وسيؤدي إلى تحييد سكرتير رئيس الوزراء العسكري ومستشار الأخير للشؤون السياسية ورئيس طاقم ديوانه.

وسترفع هذه التوصية إلى لجنة وزارية شكلت بعد نشر تقرير لجنة فينوغراد المرحلي، تعمل هي الأخرى على تطبيق التوصيات اللازمة.

ويأتي ذلك تزامنا مع إحياء إسرائيل للذكرى الأولى للحرب الأليمة بالنسبة لها، والتي انطلقت من مكان يحمل ذكريات سيئة للجيش والحكومة في إسرائيل، وهو موقع اختطاف الجنديين الإسرائيليين على يد حزب الله، والذي كان إيذانا بالنسبة لإسرائيل لشن حربا، اعتبرت الأقسى في تاريخ الدولة العبرية، وستحتفظ بها الوصف على الاقل حتى ميعاد الحرب المقبلة المنتظرة.