خلف خلف من رام الله: لا تكتفي إسرائيل بتحويل المدن والقرى الفلسطينية لكنتونات صغيرة معزولة عن بعضها والعالم الخارجي، من خلال حواجزها وجدار الفصل العنصري، بل إنها تمنع عن الآلف من المواطنين الفلسطينيين المياه، محولة حياتهم لجحيم لا يطاق. وتعتبر قرية العقبة في محافظة جنين شمال الضفة نموذجًا حيًا لهذه المعاناة التي تعيشها العديد من القرى والمدن الفلسطينية التي تعاني من شح كبير بالمياه، يقابله استهلاك إسرائيلي مرتفع للمخزون المائي في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.

وقد بذل أهالي قرية العقبة الواقعة ضمن محافظة طوباس شمال الضفة و غير المزودة بشبكة مياه، بذلوا جهوداً جمة من أجل إيصال المياه لقريتهم. وقد بدا هذا الحلم للأهالي وكأنه قريب المنال والتحقق، حينما وافقت حكومة اليابان في شهر مايو الماضي على تزويدهم بصهاريج وحافلة لنقل المياه لقريتهم، ولكن الحلم لم يكتمل، فقد تدخلت السلطات الإسرائيلية وعملت على احتجاز هذه الصهاريج في ميناء أسدود تحت حجج وذرائع أمنية، تاركة سكان القرية يواجهون مأساة حقيقة بخاصة أنهم يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي مصدراً أساسياً للرزق.

ونموذج القرية المذكورة، ينطبق على الكثير من غيرها من البلدات الفلسطينية، فالإحصائيات تشير إلى أنه يوجد في محافظة نابلس لوحدها 27 قرية فلسطينية دون شبكات مياه، هذا في وقت تستولي اسرائيل على عيون المياه والآبار الارتوازية، وجاء في تقرير لمركز الصحافي الدولي أن المستوطنين في الضفة الغربية يستهلكون خمسة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني من المياه.

كما أنه حسب تقرير صدر مؤخراً عن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار quot;بكدارquot; فان معدل استهلاك المواطن الفلسطيني من المياه في قطاع غزة ولكافة الأغراض المنزلية والزراعية يقدر بحوالي 130 مترا مكعبا في السنة، إلا أن المواطن الإسرائيلي يستهلك 2235 م مكعبا في السنة.

وأشار تقرير quot;بكدارquot; إلى أن هناك 220 قرية أو تجمعا سكنيا فلسطينيا من غير شبكة مياه ويتضرر من ذلك نحو 215.2 ألف نسمة أي ما يقارب 10% من إجمالي عدد السكان في الضفة الغربية يتكبدون تكاليف باهظة جراء ذلك بشراء المياه من الصهاريج أو يحصلون على المياه من خلال آبار الجمع أو من الينابيع.

كما تشير الدراسات والتقارير أيضا الى أن 85% من المياه الموجودة في الخزان الجوفي في الضفة الغربية تستغل من الجانب الإسرائيلي الذي عمل منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية عام 1967 على اختلاق العديد من القرارات للسيطرة على المياه، ومنها القرار الصادر بتاريخ 7/6/1997 والذي ينص على أن quot;كافة المياه الموجودة في الأراضي التي تم احتلالها مجددا هي ملك لدولة إسرائيلquot;.

وبالإضافة لاستنزاف مصادر المياه، عملت إسرائيل من خلال بناء جدار الفصل العنصري على تدمير وردم العديد من الآبار مما أسفر عن تفاقم أزمة مياه الشرب ومياه الري في الضفة الغربية. وهو ما يجعل الوضع المائي في الأراضي الفلسطينية يوصف بالمعقد، خصوصاً بعد أن جمدت بعض الدول الأوروبية المانحة مشاريعها وسحبت تمويل بعضها لأسباب سياسية منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية العام الماضي.

ويذكر أن جامعة الدول العربية كانت دعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، نحو إلزام الحكومة الإسرائيلية، بعدم المساس بالموارد المائية العربية، وضرورة الالتزام بتطبيق القوانين والأعراف الدولية، المعمول بها في هذا الشأن.