مخيمات لمئات العائلات المسيحية الهاربة من الموصل
تهجير وإغتيال وإختطاف... إتهام القاعدة وتنصل جبهة الجهاد

أسامة مهدي من لندن :
باشرت السلطات العراقية انشاء مخيمات لمئات العائلات المسيحية التي تواصل هربها من مدينة الموصل الشمالية وسط تصاعد في عمليات التهجير والاغتيال والاختطاف التي يتعرض لها افرادها في حملة اضطهاد هي الاشرس منذ عام 2003، إتهم بتنفيذها تنظيم القاعدة، بينما تنصلت من مسؤوليتها المنظمات المسلحة العراقية بجبهة الجهاد والتغيير في غياب موقف رسمي عراقي حاسم لمواجهة هذه الحملة.
هروب ألف عائلة وإغتيال 14 مسيحيًا
وقد وصل عدد العائلات المسيحية الهاربة من مدينة الموصل (375 كم شمال بغداد) خلال الايام الثلاثة الماضية إلى ألف عائلة، حيث غادرت 500 عائلة الجمعة ولحقت بها 432 عائلة السبت اثر اغتيال 14 من افرادها بينهم طبيب ومهندس وصيدلي وعمال بناء اضافة الى تفجير عدد من منازل العائلات الهاربة . وبدأت هذه العائلات بالفرار من الموصل إلى البلدات المسيحية الواقعة على تخوم المحافظة بمحاذاة الحدود الإدارية مع محافظات أربيل ودهوك في اقليم كردستان مثل القوش وباطنيا وتلسقف وبرطلة إضافة إلى الحمدانية المعروفة بقرقوش بعد تسجيل حالات قتل استهدف المسيحيين في أنحاء مختلفة من المدينة .

وقال ممثل دائرة الهجرة والمهجرين في الموصل إياد إسماعيل إن دائرته وبالتنسيق مع الجهات الرسمية الأخرى تقوم حاليًا بتوزيع المساعدات على النازحين من قبل الهيئة الطبية الدولية. واشار الى أن وزارة الهجرة والمهجرين أوعزت بإنشاء مخيم للنازحين نظرًا لظروفهم المعيشية الصعبة. وقال في تصريحات صحافية quot;الوزارة أوعزت بإنشاء مخيم مكون من 100 خيمة في برطلة كحل أولي لاستقبال النازحين من الموصل ثم ستوزع تلك العوائل بعد ذلك على بيوت مؤجرةquot;.
واشارت رئيسة جمعية الأمل هناء إدور الى تواصل هروب العائلات وأعربت عن قلقها مما وصفته بالتعتيم الإعلامي على ما يجري موضحة بالقول quot;أخشى أن يكون هناك تعتيم إعلاميquot; مشيرة الى أن الإعلام لا يزال خافتًا حول الجرائم التي تحدث يوميًا في الموصل منذ أيام . وتساءلت قائلة quot; أين هي عمليات فرض القانون وما هو العمل المطلوب إزاء هذه العمليات وكيف يمكن إحتواء هذه القضية ومجابهة هذه الأوضاع الجديدةquot; في اشارة الى العمليات العسكرية التي شنتها القوات العراقية قبل اشهر في الموصل للقضاء على مسلحي القاعدة .

وأكدت أدور أن quot;العائلات التي هربت من العنف في الموصل تركت وراءها كل شيء وجاءت لتنفذ بحياتها وهي لا تعرف من هي الجهة المسؤولة بالضبط عن عمليات العنف المبرمجة ضدهاquot; . واوضحت ان صيدلانيًا مسيحيًا قتل في الموصل الجمعة كما تم اغتيال معلمتين يوم الخميس، وقالت: quot;إن هناك من يتهم القاعدة وهناك من يتهم أزلام النظام السابق والجميع ينتظر إعلان الجهة المسؤولة عن هذه الهجمات عن نفسهاquot; .

وحمل محافظ نينوى (عاصمتها الموصل) دريد كشمولة من اسماهم بالمجرمين من اذناب القاعدة مسؤولية تهجير المسيحيين وقال quot;نحن بانتظار تنفيذ حملة امنية لتطهير الموصل مجدداquot;. ووجه انتقادات لاذعة الى كبار المسؤولين قائلا quot;لم يتصل بنا رئيس الوزراء نوري المالكي او اي مسؤول ووصل وزير الدفاع عبد القادر جاسم العبيدي الى الموصل فعرفت ذلك من التلفزيون ولم يتصل بنا او باعضاء مجلس المحافظةquot; .

وكان رئيس اساقفة الكلدان في كركوك المطران لويس ساكو حذر الخميس الماضي من حملات quot;التصفيةquot; التي يتعرض لها المسيحيون في العراق. وقال ان quot;ما نتعرض له من اضطهاد وملاحقة وبطش اهدافه سياسية، من يستهدفنا يبحث عن مكاسب. والهدف هو إما دفع المسيحيين الى الهجرة او اجبارنا على التحالف مع جهات لا نريد مشاريعهاquot; من دون تحديد ماهية هذه المشاريع او من يقف وراءها. واكد قائلا quot;تم استهدافنا في الموصل وكركوك وبغداد والبصرة ما ادى الى هجرة حوالى 250 الفًا وتعرضنا لحوالى مئتي تفجير وعملية خطف وإغتيال قتل فيها اكثر من مئتي شخصquot;.
اتهام القاعدة وتنصل الجهاد والتغيير
وقالت مصادر عراقية ان عمليات فرار العائلات المسيحية بدأت اثر توزيع تنظيمي القاعدة ودولة العراق الإسلامية منشوارت هددت المسيحيين بالترحيل أو القتل أو الجزية. وكانت القوات العراقية قد شنت منتصف ايار (مايو) الماضي حملة quot;ام الربيعينquot; لمطاردة القاعدة والجماعات المتطرفة في المدينة واعتقلت اكثر من الف مشتبه به. وتقول القوات الاميركية ان الموصل هي المكان الذي اعاد متشددون اسلاميون سنة ينتمون إلى تنظيم القاعدة تجميع انفسهم فيها بعد طردهم من مناطق اخرى في العراق.
لكن تنظيم quot;جبهة الجهاد والتغييرquot; الذي يضم منظمات مسلحة عراقية أكد في بيان انه يرفض الاعمال المسلحة التي تستهدف المسيحيين في الموصل . وأضاف أن هذه الاعمال تأتي في حلقة جديدة من مسلسل تشويه المقاومة ولصق بها كل ما هو بعيد عن ثوابت الإسلام ومعاني الوطنية والسلوك الإنساني الصحيح. وتنظيم جبهة الجهاد والتغيير يتكون من ثمان فصائل مسلحة ابرزها ldquo;كتائب ثورة العشرينrdquo; وrdquo;جيش الراشدينrdquo; وrdquo;كتائب محمد الفاتحrdquo; واعلن عن تأسيسه في ايلول (سيتمبر) عام 2007.
واضافت الجبهة قائلة quot;إننا في جبهة الجهاد والتغيير نقول لجميع العراقيين ونخص منهم شركاءنا في الوطن المسيحيين وجميع الأقليات والأديان الأخرى :

1 . نتخذ مواقفنا من العراقيين جميعًا على أساس موقفهم من الإحتلال وأعوانه. فالرافض للإحتلال والمناهض له هو معنا في خندق واحد؛ ونحافظ عليه بكل ما أوتينا من قوة.
2 .إن الفعل كما لا يخفى على كل عاقل ومطلع ما هي إلا صفحة من صفحات الخيانة لهذا البلد من أجل تقسيمه وتفتيته وضرب مكوناته ومن أجل إعادة روح التنافر والتقاذف بعد أن لاحت في الأفق نداءات الخيّرين من أجل وحدته وتماسكه، وبدأت مكونات الشعب العراقي جميعًا تتمحور حول سارية المقاومة ومناهضة الإحتلال، وطرده وضرب كل أعوانه ومحو آثاره.

3 . إن الأحزاب المتنفذة في هذه المناطق والمرتبطة بالاحتلال هي من لها المصلحة في إثارة تلك النعرات والتهديدات من أجل تمرير مخططاتها ومخططات أسيادها المحتلين.
4 . إن المقاومة العراقية: هو مشروع تحرري ووطني همّه الأول والأخير استهداف المحتل وأعوانه وإحداث أقصى النكاية فيه من أجل التسريع في دحره وإخراجه.
من أجل ذلك كله فإن جبهة الجهاد والتغيير تعلن عن رفضها لتلك الأفعال وتعاهد جميع العراقيين ومكوناتهم ومن ضمنهم مواطنينا المسيحيين بأننا سنضرب المحتلين وأذنابهم وأحزابهم الخائنة حتى يتم تحرير العراق من براثنهم وبراثن أعوانهمquot;.
وجهاء الموصل يتعهدون بالدفاع عن المسيحيين
وقالت الحركة الديمقراطية الاشورية إن مختاري ووجهاء بعض احياء مدينة الموصل ابدوا استعدادهم لحماية المسيحيين في مناطق سكناهم والدفاع عنهم في حالة تعرضهم الى اي اعتداء.
واضاف مصدر في هذه الحركة المسيحية التي يترأسها عضو مجلس النواب يونادم كنا ان مختاري ووجهاء عدد من احياء الموصل ابدوا استعدادهم لحماية المسيحيين في مناطق سكناهم والدفاع عنهم في حالة تعرضهم لإعتداء وقد أبدت عوائل مسيحية فرت من المدينة خلال الايام الماضية استعدادها للعودة في حال تحقق ذلك. وقال كنا لقناة quot;العراقيةquot; الرسمية إنه ابلغ عن تفجير منازل للمسيحيين . وناشد الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي
بتحمل المسؤولية والحفاظ على الامن وتأمين عودة الاسر النازحة الى منازلها .
وفي الاسابيع الاخيرة نزل مئات المسيحيين الى شوارع بغداد والموصل للاحتجاج على قانون الانتخابات المحلية الذي يحرمهم من تخصيص نسبة صغيرة من المقاعد لهم في نينوى وبغداد ومحافظات اخرى الامر الذي طالبت معه الحكومة مجلس النواب بأعادة نظام الحصص .
وقد تعرض المسيحيون في الموصل لسلسلة من الاعتداءات ابرزها خطف اسقف الكلدان المطران بولس فرج رحو في شباط (فبراير) الماضي والعثور عليه مقتولاً بعد اسبوعين في شمال الموصل . كما شهدت كنائس في الموصل وبغداد في كانون الثاني (يناير) الماضي موجة اعتداءات اسفرت عن سقوط قتيل واربعة جرحى وألحقت اضرارًا طفيفة بالمباني المستهدفة. وقتل مسلحون كاهنًا وثلاثة شمامسة في حزيران (يونيو) عام 2007 امام احدى كنائس الموصل اضافة الى عمليات خطف تعرض لها اساقفة وكهنة في المدينة.

وتتعرض كنائس المسيحيين في العراق باستمرار الى اعتداءات ما ارغم عشرات الالاف منهم على الفرار الى الخارج او اللجوء الى سهل نينوى واقليم كردستان العراق. ويعيش في محافظة نينوى حوالى 750 الف مسيحي يمثل الكلدان سبعين في المئة منهم فيما يشكل السريان الارثودكس والكاثوليك والاشوريون الباقي. وتشير تقديرات الى ان عدد المسيحيين في العراق كان اكثر من مليون شخص قبل الاجتياح الاميركي لكنه تضاءل كثيرًا بسبب الهجرة فيما نزح قسم كبير الى الشمال بعد ان تعرضوا لعمليات قتل وخطف وتهجير من جانب متطرفين اسلاميين.
الفاتيكان

من جانبه دان البابا بنديكتوس السادس عشر خلال احتفال لاعلان قداسة اول قديسة هندية الاحد quot;اعمال العنف ضد المسيحيين في العراق والهندquot; ودعا الى السلام بين الاديان في الهند.

وقال البابا امام الاف المؤمنين القادمين من العالم اجمع quot;ادعوكم الى الصلاة من اجل المصالحة والسلام في وقت تتسبب اوضاع بالقلق وبعذاب كبير. افكر في اعمال العنف ضد المسيحيين في العراق وفي الهندquot;.

وتوجه البابا خصوصا الى العديد من الهنود الذين قدموا الى روما للمشاركة في احتفال التقديس.

وتسببت اعمال العنف ضد المسيحيين في الهند بمقتل 35 شخصا منذ آب/اغسطس. (أ ف ب)