فالح الحمراني من موسكو: تزداد بلدان حلف الناتو تشاؤما فيما يخص تطور الوضع في أفغانستان، مما تجلى في خلافات قائمة بينها حول طرق تسوية الأزمة الأفغانية. ويرصد المراقبون مؤشرات انقسام بين الولايات المتحدة وحلفائها الاوربيين. واعاد تقرير روسي الاذهان الى ان القوات الأمريكية والدول الحليفة لها جاءت إلى أفغانستان سنة 2001. وكانت تراهن آنذاك على فرض سيطرتها عليها باستخدام القوة العسكرية. وتكللت العملية في مرحلتها الأول بنجاح. وتم إبعاد حركة طالبان عن السلطة فاضطرت إلى مواصلة نشاطها في ظروف سرية وإلى خوض حرب الأنصار.

ووفقا للتقرير فان هذا التكتيك فقد فعاليته بمرور الزمن جراء أخطاء الائتلاف. فكان الأمل في تطبيع الوضع قائما على مشاريع إجراء تغييرات في حياة البلد الاجتماعية والاقتصادية. إلا أنها لم تحدث لأن الولايات المتحدة وحليفاتها لم تهتم بتطوير الاقتصاد الأفغاني، إضافة إلى أن عددا كبيرا من المدنيين لقوا مصرعهم نتيجة العمليات العسكرية التي تخوضها قوات الائتلاف. ولذا أصبح الأفغان يعتبرونها قوات احتلال. واستغلت حركة طالبان تذمر السكان لتنشيط أعمالها. وتفيد الأنباء الواردة من أفغانستان أن طالبان تسيطر اليوم عمليا على حوالي نصف أراضي البلد.

ونقل عن الجنرال مارك كارلتون سميث قائد القوات البريطانية في جنوب أفغانستان رؤيته أن من الضروري في هذا الظرف التحضير لخوض المباحثات مع طالبان بدلا من انتظار نصر عسكري ساحق. وبالمناسبة فإن مثل هذه الاتصالات قد تمت في مكة المكرمة بوساطة السعودية. وشارك فيها ممثلو الحكومة الأفغانية وطالبان والجماعة المعارضة المتنفذة بزعامة غلب الدين حكمتيار. لكن هناك صعوبات معينة فيما يتعلق بإيجاد لغة التفاهم بين الأطراف المتنازعة.

ان إحلال السلام يفترض تحقيق الوفاق بين جميع أطراف النزاع. لكن هذا الأمر صعب في ظروف أفغانستان لأن طالبان حركة متطرفة معادية للغرب. وعموما لا يمكن تصور أن يكون بإمكان قادة طالبان، إذا واصلوا التمسك بهذا الموقف، أن يبدأوا المباحثات مع خصومهم العسكريين بل والإيديولوجيين. ولا يجوز نسيان أن تصرفات الناتو رهن بموقف الولايات المتحدة التي تعتزم السير على المهج السابق كما تشهد بذلك الأحداث الأخيرة. فقد اتهم وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس الجنرال البريطاني مارك كارلتون سميث والسفير البريطاني في أفغانستان شرارد كاوبير كوولس بأنهما يميلان إلى الاستسلام.

وتدلل كل تلك المؤشرات على ان استرتيجية الناتو في افغانستان تدخل في طريق مسدود. وان الحلول المقترحة بزيادة عديد القوات المسلحة غير قادرة على حل المشكلة. ان الحل الاكثر واقعية هو الحل الذي سينضج في داخل افغانستان ويكون مخاض موروثها الثقافي العام. من خلال كسب غالية السكان لدعم العملية السياسية التي تقود نحو اقامة دولة عصرية لاوجود فيها للتطرف ولافرض السلوكيات الظلامية بحجة الالتزام بالدين الحنيف، ان ذلك يتطلب تحسين الحالة المعيشية لكافة الشرائح الاجتماعية ونشر التعليم وتجنب قتل المدنيين والحاق الضرر بهم، وغيرها من الاجراءات التي يمكن ان تقوم بها دول الناتو وتدعمها الدول الاسلامية. ان التدخل الخارجي المباشر خاصة العسكري وحتى لو كانت اهدافه نبيلة يخلق دائما ردود سلبية لدى الشرائح الاجتماعية الواسعة. ويجب اخذ الدروس من الهزيمة السوفياتية قبل ان يمنى بها حلف الناتو.