إستقطاب حاد حول انتخابات الرئاسة الأميركية بالقاهرة
المصريّون يفضلون أوباما والنظام الحاكم يفضل ماكين

نبيل شرف الدين من القاهرة: quot;أوباما أم ماكينquot;.. هذا السؤال الذي يضع المرء أما خيارٍ حاد، أصبح مطروحاً بشدة في الشارع المصري ـ الذي يقتصر اهتمامه عادة بالشأن المحلي ـ سواء في أوساط النخبة أو العوام، والإجابة لن تخرج عن ثلاثة احتمالات : الأول هو تأييد أوباما، الذي يراهن عليه الشباب المصري والبسطاء لأسباب عدة، منها خلفيته العرقية، فقد ولد أوباما لأب مسلم أسود، وأم مسيحية بيضاء، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ رئاسة الولايات المتحدة التي يخوض المنافسة فيها رجل من أصول أفريقية، بالإضافة لاعتبارات أخرى، يتعلق أبرزها بالاقتصاد الأميركي الذي واجه خلال العام الأخير ضربات موجعة، بدأت بأزمة الرهون العقارية وانخفاض سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية في العالم، وأخيرا الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من انهيار العديد من المؤسسات المصرفية والاقتصادية الأميركية العملاقة، على النحو المستمر حتى الآن .

غير أن الملاحظ في هذا السياق أن النخبة السياسية والفكرية القريبة من دوائر السلطة يعبّرون خلال مجالسهم الخاصة عن آمالهم في أن يفوز المرشح الجمهوري جون ماكين، لاعتبارات براغماتية وسياسية، وأهمها أنه ربما يبعث بتوجهاته المحافظة رسالة تطمين للأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط عموماً، وفي القاهرة على نحو خاص لأهميتها الإقليمية كمنصة سياسية، إذ أن أوباما الذي رفع منذ البداية شعار التغيير، وهو الأمر الذي يتوقع معه أن يتخذ سياسات أكثر تشدداً تجاه الأنظمة الشمولية في المنطقة وفي الصدارة منها مصر بالطبع .

وأخيراً فإن هناك ثمة موقفاً عدمياً شائعاً بنفس الدرجة بين النخب والعوام، ومفاده أنه لا يوجد فرق بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، وأنهما مجرد وجهين لعملة واحدة، وأن هذه الانتخابات ليست أكثر من quot;مسرحيةquot; لا ينبغي أن تكون في بؤرة اهتمام العرب والمسلمين، لأنها لن تتغير كثيراً خاصة في ما يتعلق بمواقف واشنطن المناهضة للحقوق العربية، بل ذهب البعض إلى حد القول إن المرشحين الأميركيين يعلنان عداءهم للقضية العربية المحورية في فلسطين، بينما يؤكدان تأييدهما لإسرائيل، ويتسابقان في السعي الفوز برضا اللوبي اليهودي في أميركا.
وفي معرض تعقيبه على الأمر، وبعبارات أكثر خشونة يقول صحافي يساري مصري: quot;أتذكر دائما في كل انتخابات أميركية تلك العبارة الشهيرة المنسوبة للزعيم السوفياتي الراحل خروشوف إن الفرق بين الجمهوريين والأميركيين هو نفسه الفرق بين فردتي حذاءquot;، على حد تعبيره .

رسائل إلى أوباما

اللافت هنا أن المعارضة المصرية على اختلاف مشاربها تنظر إلى أوباما على نحو رمزي لا يخلو من دلالات ذات صلة بالواقع السياسي الراكد في مصر، بل بالحسرة أحياناً، كما عبر عن ذلك د. عمرو الشوبكي، المحلل السياسي والباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي كتب تحت عنوان quot;أوباما المصرى .. الحلم البعيدquot;، قائلاً عن نجاح الأميركيين في تجاوز الطائفية التي تصاعدت في مصر أخيراً: quot;المؤكد أن بلداً مثل مصر قنّن الحقوق المتساوية بين كل مواطنيه منذ دستور 1923 وكانت قيم التسامح والديمقراطية واحترام حقوق الأقليات سابقة في مصر بعقود عما جرى في المجتمع الأميركي، لكن المفارقة أن الأخير نجح في أقل من نصف قرن، أن يحقق مافشلنا في تحقيقه على مدار أكثر من ٨٥ عاما، بل إن التحول الكبير الذي حدث تمثل في عدم طرح الرئيس الأميركي المقبل باراك أوباما، خطابا عرقيا أو طائفيا مغلقا، لكنه طرح خطاباً مدنياً ديمقراطياً، يمثّل تطويراً لخطاب قادة الحقوق المدنية والديمقراطية، وليس خطابا طائفيا تحكمه العقد تجاه غالبية السكانquot; .

وعبر شبكة quot;الفيس بوكquot; الاجتماعية الافتراضية، يمكن للمرء أن يرصد عدة مجموعات مصرية تدعم أوباما، وتراهن على فوزه، أملاً بتغيير الأوضاع في مصر، بعد أن وعدهم بتحقيق مطالبهم خلال اتصال غير مسبوق أجراه معهم عبر الإنترنت، شكر خلاله المصريين الذين يساندون حملته الانتخابية، ومن هنا فقد بعث المعارض المصري الشهير المسجون حالياً أيمن نور، رسالة من محبسه إلى أوباما، يشرح فيها ملابسات سجنه كما يروي جانباً من تفاصيل قضيته وأزمته مع النظام المصري، وقالت زوجته السيدة جميلة إسماعيل إنها لم تتلق رداً على الرسالة .

وتبقى الإشارة في هذا السياق وفي الجانب الآخر من المشهد المصري إلى نجل الرئيس المصري جمال مبارك، الذي ترشحه التكهنات لأن يحل محل والده في حكم مصر، فقد رد أخيراً خلال مؤتمر صحافي على سؤال عما إذا كان الديمقراطيون أفضل في التعاطي مع القضايا العربية عن الجمهوريين، قائلاً بلغة دبلوماسية quot;إن العالم كله يتابع تطورات الحملة الانتخابية، لأن الولايات المتحدة دولة عظمى ولها تأثيرها على مجريات الأمور في العالم، غير أننا في مصر لا نعلق آمالاً على هذا الشخص أو ذاك باعتبار أن ذلك الأمر شأن أميركي داخلي يعني المواطن الأميركيquot;.

وأيّاً كانت التوقعات المرتقبة من قبل ذلك المرشح للرئاسة الأميركية أو ذاك، فإن الثابت في هذا المضمار أن رئيساً مثل المصري حسني مبارك الذي عاصر ما لا يقل عن ستة من الرؤساء الأميركيين، وينافسه في هذا المضمار رؤساء آخرون مثل العقيد الليبي معمر القذافي، والسوداني عمر حسن البشير وغيرهم، فإنهم أكثر اطمئناناً واستقراراً على عروشهم من رؤساء كبرى دول العالم، وبعيداً عما قد يدلون به من تصريحات رسمية منمقة من نوع quot;أن علاقات بلدانهم مع واشنطن تقوم على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركةquot;، لكنهم ينظرون في أعماقهم بقدر هائل من الاستخفاف وربما السخرية أيضاً مما يواجهه الرؤساء الأميركيون من اختبارات قاسية، تجعلهم يحتكمون في وصولهم وبقائهم في مقاعد السلطة إلى خيارات مواطنيهم .