الشياح امتحان إضافي .. ولا أحد يحدث دمشق عن المحكمة
توافق قريب على انتخاب سليمان أو انفراط كل شيء

إيلي الحاج من بيروت : أقرب ما يكون اللبنانيون هذه الأيام إلى جماعة مذعورة، كل حادث يصيبها باضطراب ينسيها ما قبله . في الشهرين الماضيين هكذا انشغلت الجماعة بتفجير مدير عمليات الجيش اللواء فرنسوا الحاج وبعده موكب للسفارة الأميركية فالرائد في فرع معلومات قوى الأمن الداخلي وسام عيد ثم بتداعيات أعمال الشغب في الشياح وقضية التحقيق التي تبدو اليوم كأن لا قضية أهم منها على وجه البسيطة، وغداً عند أول حادث جديد ينسى الجميع ما سبقه ويذهبون إليه بعقولهم ومشاعرهم وألسنتهم بمزيد من فقدان الأعصاب وكيل الإتهامات الجارحة والشتائم في تقطيع إضافي للوقت . وفي الغضون لا يتصدى أي فريق ولا أي دولة مهتمة لأصل العقدة من أجل حلها للتحدث في جذر الأزمة مع القيادة السورية التي تهمها إلى أقصى حد من مجمل الموضوع المحكمة الدولية في قضية الرئيس رفيق الحريري، على ما كشف الكاتب الصحافي البريطاني باتريك سيل في quot;الحياةquot; السبت الماضي وأيده في مسراه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. بذلك يريد المهتمون بلبنان أن يعزلوا أزمته عن المحكمة التي يمكنها أن تجر عشرات بل مئات المسؤولين السوريين إلى تحقيقات واستجوابات لا تنتهي وتمثل سيف ديموقليس على عنق نظامهم لمدى سنوات آتية، ويتصرفون على أن هذه المحكمة تحصيل حاصل لا مجال للبحث فيه مع أي جهة ويريدون من القادة السوريين أن يتجاوبوا ليقوم في لبنان هيكل للنظام لا مجال معه لوقف هذه الآلية التي تهدد بتدمير حكمهم.

ولكن حادثة تلو حادثة ومشكلة تلو مشكلة في لبنان سيكون على دول العالم شرقاً وغرباً، على ما تأمل القيادة السورية، أن تفهم حقيقة بسيطة هي أن لا حل لأزمة هذه البلاد الصغيرة التي تشغل الأقربين والأبعدين من دون تفاهم على قضية المحكمة الدولية مع دمشق. وإلا فليتوقع الجميع المزيد من الأحداث الدموية والإضطرابات والمواجهات في لبنان. أما الموضوع الثاني البالغ التأثير فهو مستقبل لبنان ودوره في الصراع العربي- الإسرائيلي : هل يبقى دولة مقاتلة لإسرائيل نيابة عن quot;الأمةquot; بمعنييها العربي والإسلامي؟ أم يتحوّل دولة مهادنة عملياً على أساس أنها أدت قسطها للعلى في سبيل استرجاع فلسطين وهزيمة إسرائيل وخلفها الغرب؟ والبعد الثاني المهم للأزمة اللبنانية يتمثل في سلاح quot;حزب اللهquot; المقدس من وجهة نظر الحزب ووضعه المستقبلي، وبدلاً من الانكباب على محاولة التوصل إلى حل وإن مرحلياً لهاتين العقدتين الرئيستين يدور الأفرقاء اللبنانيون والعرب والدوليون في حلقة مفرغة تائهين خلف عناوين وشعارات مثل الاتفاق على الحكومة قبل الانتخاب أو بعده ، وهل يكون قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً أم لم تعد صفة التوافق تنطبق عليه بعد أحداث الشياح الأحد الماضي؟

قال لquot;إيلافquot; اليوم أحد القريبين من العماد سليمان إن هذه المسألة وصلت إلى خيار حاسم، ففي جلسة 11 شباط / فبراير الحالي أو في الجلسة التي ستليها سيتضح ما إذا كان الوضع ذهب إلى توافق أو إلى انفراط لا يمكن تبيان أبعاده من اليوم ولكن الأكيد أن للتوافق عنوانا وحيدا هو العماد سليمان ولا رئيس للجمهورية غيره إذا كان مقدراً للبنان أن يكون له رئيس على المدى المنظور. وأما الانفراط فإنه قد يشمل كل شيء على الإطلاق وربما تصح في هذه الحال المقارنة بين حوادث الشياح الأسبوع الماضي وحوادث صيدا في آذار/ مارس 1975 التي سبقت 13 نيسان / أبريل 1975 وكانت نذيراً بها وأدت إلى فرط الدولة اللبنانية . وإذا لا سمح تحقق شيء من هذا الكابوس فسترتفع أحاديث اللبنانيين أو الجماعة المذعورة عن الفيدرالية المتحققة بالسلاح والمسوّرة بالدم والعنف، أو التي يجب تحقيقها وما سوى ذلك من كلام فقدان الأمل وانسداد الآفاق. والثابت اليوم أن الفريق الذي تحفظ شيئاً فشيئاً عن ترئيس العماد سليمان نجح في جعل الجيش من حيث لا يريد ولا يدري في قلب الصراع السياسي وتجاذباته، وصار البحث مركزاً على سبل إنقاذه وإخراجه من هذا الوضع بعدما كان في الأشهر الأخيرة، من انتصار مخيم نهر البارد على إرهاب تنظيم quot;فتح الإسلامquot; الى ترشيح العماد سليمان، مشروع انقاذ ومحط أنظار اللبنانيين وآمالهم. وهذه نتيجة لقرارات وأوضاع لا يمكن الجيش في أي وضع أن يواجهها ولطالما حذرت قيادته منها.

فقيادة المعارضة، والمقصود quot;حزب اللهquot; كانت قد بدأت منذ مدة تطبيق سياسة تحمية الشارع quot; على الخفيفquot; في مناطق متفرقة على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت في شكل متسارع الوتيرة وتحت شعارات مطلبية وحياتية ودعوات إلى إسقاط الحكومة التي يترأسها الرئيس فؤاد السنيورة، ولكن لم يكن ثمة ما يضمن ألا تفلت الأمور عن السيطرة في مكان ما، أو ألا يتركها أحد الأطراف تفلت قصداً كي يخضع العماد سليمان مرة أخرى لامتحان إضافي ولا يعلن ولا مرة النتيجة.