أولمرت ما زال في مرحلة quot;المطالعة الأوليةquot;
آراء إسرائيلية ومناكفات عربية حول تقرير فينوغراد
أسامة العيسة من القدس: من غير المحتمل أن يتوقف النقاش في إسرائيل عن تقرير لجنة فينوغراد الان وفي المستقبل، مثلما حدث مع تقارير شبيهة، اشهرها تقرير لجنة جرانات التي شكلت لفحص ما حدث خلال حرب أكتوبر 1973. وما زال تقرير جرانات يثير النقاش حتى الان، وفي العام الماضي، نشر بشكل شبه كامل، وكان ذلك مناسبة للتعليق والنقاش حوله ليس فقط في المجتمع الإسرائيلي، ولكن أيضا لدى باحثين مهتمين بمعرفة ما جرى في تلك الحرب، التي حققت فيها مصر وسوريا ما اعتبر مفاجأة استراتيجية على إسرائيل، ولكن على ارض الواقع لم يكن ما تحقق ضد إسرائيل بحجم quot; المفاجأة الاستراتيجية quot; العربية. وهناك اوجه شبه كبيرة بين تقرير اللجنتين، رغم اختلافهما في الصلاحيات، والوضعية القضائية، ومن اوجه الشبه الصفحات السرية في التقريرين، وبالنسبة لتقرير لجنة جرانات، فكان الاعتقاد السائد هو أن الهدف من إبقاء بعض أجزاء التقرير سرية للحفاظ على أسرار عسكرية، وكذلك لتجنب الكشف عن أسماء شخصيات عربية تردد أنها زودت إسرائيل بمعلومات قبيل الحرب، عن موعدها.
وما لم يكشفه تقرير جرانات، تكفلت الخلافات بين الجنرالات في إسرائيل، والصحافة، بكشف عن جزء من تلك الاتصالات بين شخصيات عربية وأجهزة الأمن الإسرائيلية، وفي هذا السياق تردد اسم اشرف مروان، مستشار الرئيس المصري الراحل أنور السادات، والذي عثر عليه ميتا في منزله اللندني العام الماضي.أما بالنسبة لتقرير فينوغراد، فيوجد اعتقاد لدى أوساط عربية وإسرائيلية، بان الأجزاء السرية التي لم تكشف منه، تحوي أيضا معلومات عن اتصالات عربية-إسرائيلية خلال حرب لبنان الثانية، ويتبنى هذا الرأي صحافيون إسرائيليون، وحزب الله اللبناني.
وقال الصحافي افي سيخروف الذي وضع كتابا عن حرب لبنان الثانية، بان جهات عربية اتصلت بإسرائيل وحثتها على الاستمرار في حربها لاستئصال شأفة حزب الله، أما مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة فقال للتلفزيون الإسرائيلي بأنه وخلال الحرب، حادثته الكثير من الشخصيات العربية، ومن بينها وزراء خارجية وسفراء، معربين عن تأييدهم لحرب إسرائيل ضد حزب الله، حتى القضاء عليه.
أما على الجانب العربي، فاوساط حزب الله، بشكل رسمي أو إعلامي، فإنها توجه اتهامات لقوى الأغلبية أو أجزاء منها في الساحة اللبنانية، بأنها اتصلت مع الإسرائيليين، خلال الحرب وأبدت دعهما لإسرائيل. وكان غريبا، أن تطلق بعض الشخصيات المحسوبة على قوى الأغلبية تصريحات، عقب صدور تقرير فينوغراد، تشير فيه أن ما جاء في التقرير يكذب مزاعم حزب الله حول تورطها باتصالات مع الإسرائيليين خلال الحرب، واستتبع ذلك مناكفات على الطريقة العربية، شارك فيها كل طرف من غير أن يكون مسلحا بأي وثيقة، ورغم ان ما اعلن من التقرير هو ملخص من عشر صفحات، وربما سينتظر الجميع سنوات طويلة أخرى، حتى تكشف إسرائيل عن الأجزاء السرية من تقرير فينوغراد، ولكن عندما يحدث ذلك فانه من غير المتوقع أن يكون الرأي العام العربي مهتما بما حدث في صيف 2006، مثلما حدث مع نشر تقرير لجنة جرانات العام الماضي، الذي اظهر أن الرأي العام العربي كان اكتفى من ذكريات حرب أكتوبر باحتفالات سنوية، تصدح فيها الأغاني التي تتحدث عن الانتصارات.
وفي إسرائيل، فان ايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي ما زال يتحدث عن تقرير فينوغراد بما يسميه quot;المطالعة الأوليةquot;، لانه لم يقرا التقرير بصفحاته الـ 500 بعد، في حين أن الأطراف العربية المتناكفة، يبدو أنها سبقته وقرأت التقرير بتمعن، واستخلصت ما فيه، لتطلق الاتهامات المتبادلة فيما بينها.
ووجد اولمرت نفسه، مطالبا بالتحدث عن التقرير، خلال منتدى التأم بين حزب كاديما وشريكه في الائتلاف الحكومي حزب المتقاعدين لمناقشة التقرير النهائي للجنة فينوغراد. وقال أولمرت بان المطالعة الأولية للتقرير تؤكد أنه عميق وجاد، وان حكومته ستدرسه بتمعن، مشيرا إلى ما اسماه استمرار الإجراءات لتصحيح العيوب المشار إليها في التقرير.
وأضاف أن بعض هذه الإجراءات تتواصل منذ مدة ومنها على سبيل المثال تشريع قانون مجلس الأمن القومي ووضع ميزانية محددة للدوائر الأمنية لمدة عشر سنوات. وشدد اولمرت خلال الاجتماع على أن العامود الفقري لدولة إسرائيل هو الجيش وقوات الأمن quot;حيث يتعين في هذه المنطقة الحساسة التي نعيش فيها عمل قصارى جهدنا لضمان استعداد قوى الأمن لمواجهة أي طارئquot;.
وقال اولمرت بأن تقرير فينوغراد quot;يؤكد بصورة لا تقبل التأويل أن جنود جيش الدفاع قد قاتلوا بشراسة وبطولة خلال حرب لبنان الثانية ولم يكن هناك أي اشتباك لم يتمكنوا فيه من تحقيق الانتصار على العدوquot;، معربا عن تقديره للجنود والضباط من القوات النظامية وقوات الاحتياط. واضاف بان الجيش الإسرائيلي quot;شرع في استخلاص العبر اللازمة فور انتهاء الحرب وأنا أتفقد باستمرار الوحدات العسكرية واشاهد ما تم الاستثمار فيها من نشاطات وتدريبات وكيف يتم أخذ كل السيناريوهات المحتملة بعين الاعتبارquot;.
واشار اولمرت بأنه لم ولن ينتقد عائلات القتلى، رغم مطالبة بعضها بتنحّيه، بل انه يود quot;معانقتها والإنصات باهتمام، فالتضحيات خلال الحرب لم تذهب هدرا بل جاءت من أجل ضمان أمن دولة إسرائيلquot;. وخلص اولمرت إلى القول بان quot;المساعي مستمرة على قدم وساق لاستعادة الجنود المخطوفين غلعاد شاليط وإلداد ريغف وإيهود غولدفاسرquot;. وحاولت وزيرة الخارجية الإسرائيلي تيسبي ليفني، أن تطرح رأيا متمايزا عن ما قاله اولمرت، فوصفت تقرير لجنة فينوغراد بانه خطير.
وقالت بان التقرير quot;وإن أشار إلى وجود بعض الإيجابيات والإنجازات، لم يرفع المسؤولية عن كاهل الحكوميةquot;، مؤكدة أنها بنفسها جزء من الحكومة التي اتخذت القرارات وبالتالي فإنها تتحمل المسؤولية أيضا. وأشارت ليفني إلى أن الحكومة الإسرائيلي تواجه حاليا ما اعتبرته مسارين هامين هما عملية السلام وقضية الأمن، وبأنها ستمارس عملها وفق ما جاء في التقرير أي بشكل عميق وجاد.
وأقر وزير الداخلية مئير شطريت بوجود بعض الانتقادات الخطيرة في تقرير لجنة فينوغراد، لكنه أضاف أن الحكومة استخلصت الدروس، معربا عن اعتقاده بأنه يتعين على حزب كاديما الالتفاف حول اولمرت وجعل الحلبة السياسية أكثر استقرارا. أما وزير المالية روني بارؤون فقال إن تقرير فينوغراد خيّب آمال كل من كان يتمنى دحرجة رأس اولمرت، مؤكدا quot;وجوب إحباط مساعي البعض لإحداث الشقاق في حزب كاديماquot;. وأضاف أنه لا بد من الاستثمار في الجيش الإسرائيلي لتعزيز الأمن.
وقال وزير المواصلات شاؤول موفاز بان تقرير فينوغراد شديد الخطورة ويتعين دراسته، معربا عن اعتقاه بأنه يتحتم على اولمرت وضع خطة عمل لتطبيق التوصيات الواردة في التقرير. وأضاف أن هناك تحديات جسيمة تواجهها الدولة الإسرائيلية حاليا ويجب وضعها على رأس سلم الأولويات. ملمحا إلى أهمية استقرار السلطة في إسرائيل واغتنام ما وصفه الفرصة السانحة حاليا لتحسين الأمور الواجب تصحيحها.
وتحدث خلال الاجتماع كل من وزير العدل دانيئيل فريدمان، ووزير البناء والإسكان زئيف بويم، ووزير الاستيعاب وتطوير النقب والجليل يعقوب إدري، والوزيرة المسؤولة عن العلاقة مع الكنيست روحاما أبراهام، الذين أجمعوا على دعم اولمرت ومواصلة الإجراءات نحو تصحيح نقاط الضعف المشار إليها في تقرير لجنة فينوغراد.
ولم يكن هذا المنتدى لمناقشة ما جاء في تقرير فينوغراد، إلا جزء صغيرا مما يجري من نقاشات بعضها معلن واكثرها غير معلن حول التقرير، والهدف هو استخلاص العبر بالنسبة لدولة إسرائيل من اجل مواجهة ما يسميه الإسرائيليون الأعداء، الذين يتفقون جميعا، رغم اختلافاتهم، على تعريفهم وتسميتهم، بينما يبدو الأمر مختلفا في الجانب العربي، حيث لا توجد معرفات محددة للأصدقاء أو الأعداء على حد سواء.
التعليقات