عمرو موسى جاء إلى بيروت والنتيجة لا شيء
المبادرة العربية للبنان في المراوحة... بل الغيبوبة
إيلي الحاج من بيروت:
لم يشأ الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الإعلان بنفسه من بيروت أن الجلسة التي دعا مجلس وزراء الخارجية العرب إلى انتخاب الرئيس التوافقي خلالها للبنان، يوم الإثنين المقبل 11 شباط/ فبراير المقبل قد التحقت بسابقاتها ال 13 المجهضة . أحال الموضوع على رئيس مجلس النواب اللبناني وفوقه صلاحية تحديد الموعد التالي للقاء الرباعي الذي جمع في مقر مجلس النواب موسى مع الرئيس السابق أمين الجميّل ورئيس كتلة quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري عن الموالاة والنائب الجنرال ميشال عون كمفوض التفاوض عن المعارضة. تحاشى موسى أيضاً الإعلان أن المبادرة العربية التي انطلقت مجدداً من مطلع هذه السنة لإنقاذ لبنان وإخراج أزمته السياسية من الطريق المسدود، أصبحت محتاجة إلى من ينقذها ويخرجها من النفق المسدود.

و الواقع أن عمرو موسى عاد الى بيروت وسط ظروف وأوضاع أكثر تعقيدا وصعوبة مما كانت عليه الأمور قبل أسبوع . وساهم في التعقيد وتقليص إمكانات نجاح المبادرة التي يحملها تصاعد الخلافات العربية السائرة في منحى تصاعدي كلما اقترب موعد القمة العربية التي يبدو حتى اليوم أنها ستكون قمة تصفية حسابات بين قيادة الدولة المضيفة سورية والرئيسة الحالية للقمة المملكة العربية السعودية. ومع عودة العلاقات السورية- السعودية الى ما كانت عليه عام ٢٠٠٥ عندما بلغت ذروة التأزم إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تبدو المبادرة العربية ومعها الوضع اللبناني أسيرتين لهذا الخلاف، وأيضا للتجاذب الذي يدور حول القمة العربية التي ربطها السعوديون والمصريون انعقادا ومستوى بحل الأزمة اللبنانية، وتحديدا بانتخاب رئيس جديد. ويريدها المسؤولون السوريون مكانا للبحث والاتفاق في الشأن اللبناني معهم وعلى أرضهم.

وفاقمت الصعوبات الحملة التي تعرض لها عمرو موسى من قوى المعارضة عاكسة بداية أزمة ثقة به ترجمها اتهامه بالإنحياز الى قوى 14 آذار/ مارس في تفسيره للبند الثاني من المبادرة المتعلق بتشكيلة الحكومة الأولى لعهد الرئيس الوفاقي بما لا يتيح للمعارضة الحصول على الثلث الضامن أو المعطل الذي تصر عليه ، إضافة الى دعمه نظرية الفصل بين انتخاب الرئيس والمسائل الأخرى، وعدم اعتبار بنود الخطة العربية كلا لا يتجزأ من خلال دعوته إلى انتخاب رئيس للجمهورية أولاً، ومعالجة قضايا الخلاف الأخرى لاحقاً. وبلغت الحملة ضده درجة إعلان بعض أركان المعارضة عدم رغبتهم في رؤية موسى مجددا في بيروت اذا كان لا يحمل جديدا مختلفاً عما سبق.

وساهم أيضاً في سد المنافذ ارتفاع نبرة الخطابات السياسية من الجانبين في بيروت، في ضوء حوادث أمنية بلغت ذروتها مع اغتيال ضابط شعبة معلومات قوى الأمن المكلف متابعة قضية اغتيال الرئيس الحريري مع لجنة التحقيق الدولية الرائد وسام عيد وحوادث quot;الأحد الماضيquot; في منطقة مار مخايل على تخوم الضاحية الجنوبية ، وأصابت شظايا تلك الحوادث الجيش اللبناني ودوره الأمني ومسألة ترشيح قائده لرئاسة الجمهورية، وكذلك ساهمت في تأجيج حملة على quot;حزب اللهquot; بلغت مع رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط حد اتهامه مباشرة بالضلوع في جرائم الإغتيالات السياسية ، فضلاً طبعاً عن وقوفه وراء تعطيل المؤسسات وتفشيل المبادرة العربية.

ومع ترنح المبادرة العربية اليوم يبدو أن التوتر مرشح للتصاعد في الأيام المقبلة بالتزامن مع عودة التعبئة والحيوية الى الشارع . إذ إن قوى ١٤ آذار/ مارس تحضر لإحياء ذكرى الرئيس رفيق الحريري في وسط بيروت من خلال quot;عرض قوةquot; شعبي ومهرجان سياسي بعد طول احتجاب لهذه القوى عن الساحة الشعبية، في حين أن القوى المقابلة لا تزال تلوح بالنزول الى الشارع واختباره شعبيا وأمنيا بعد احتواء تداعيات حوادث quot;الأحد الداميquot; في الضاحية.
ولا شيء يوحي حتى الآن رغم مجيء موسى مرة أخرى إلى بيروت أن طرفي النزاع في وارد تعديل مواقفهما. فقوى المعارضة أعادت إعلان تأييدها لترشيح العماد سليمان لكنها في الموازاة كررت ربط انتخابه باتفاق سياسي على مسألتي تشكيلة الحكومة وقانون الانتخاب ووفق مبدأ السلة المتكاملة، في حين أن قوى الغالبية التي تشكك في صدق موقف المعارضة من انتخاب سليمان، ما زالت تصر على انتخاب الرئيس أولا ومن دون أي شروط أو تعهدات تقيده مسبقاً .

وحيال الإصرارين هذين على الثلث في الحكومة ورفض إعطائه تطرح في الكواليس السياسية صيغ وأفكار للحل محورها التخلي عن الحكومة السياسية والتحوّل الى حكومة غير سياسية، حيادية وانتقالية تكون مهمتها محددة بإجراء انتخابات نيابية على أساس قانون جديد. أو تشكيل حكومة سياسية على قاعدة لا تعطي الموالاة قدرة الترجيح ولا تعطي المعارضة قدرة التعطيل، أو إعطاء ضمانات سياسية للمعارضة من النوع الذي ورد في الاجتماع العربي الأخير في القاهرة عندما توسع في تحديد آلية الحل اللبناني كي تشمل البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية، على أن ينطلق البيان المقبل من المرتكزات الرئيسة للبيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتحديدا في مسألة سلاح quot;حزب اللهquot;.

والخلاصة أن المبادرة العربية باتت في وضع المراوحة إن لم تكن الغيبوبة، والأرجح أنها ستبقى في هذه الحالة حتى القمة العربية المقبلة في 28 آذار/ مارس المقبل من دون إعلان الفشل، مثلما بقيت اجتماعات الوزراء العرب مفتوحة من دون تحديد موعد لاجتماع جديد.