خلف خلف من رام الله: عند إلقاء نظرة على خيارات إسرائيل للتعامل مع حكم حركة حماس في قطاع غزة، وصواريخها محلية الصنع، يمكن تصور حدوث سيناريو من أربعة، أبرزها، بل أكثرها شعبية في صفوف الإسرائيليين وقادتهم في المرحلة الحالية تصعيد سياسة التوغلات المحدودة والاغتيالات المركزة، والاستمرار بتشديد الحصار الاقتصادي الكامل، وذلك كمحاولة لإضعاف شعبية حركة (حماس) في الشارع الفلسطيني ودفع الجماهير للخروج ضدها.

وهو ما سيقود أيضا بحسب التقديرات الإسرائيلية لتقليص وتيرة الصواريخ محلية الصنع التي تطلق من القطاع، ولكن هناك قيود أيضا تحد من فعالية هذه السياسية الإسرائيلية، أهمها: عدم وجود ضمان بتوقف الصواريخ المحلية، بل ربما تزداد وتيرة إطلاقها-كما دللت على ذلك التجارب السابقة-، وكذلك استطلاعات الرأي رغم الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة منذ شهور لا تشير لضعف كبير في شعبية حركة حماس.

ويضاف لما سبق الضغوطات المستمرة من العالم العربي على حركتي فتح وحماس من أجل أحداث تغيير سياسي عبر إعادة الوفاق والوحدة بينهما، كما أن إبلاء وسائل الإعلام العربية (الصحف والفضائيات) أهمية كبيرة لمعاناة سكان قطاع غزة والمتابعة المستمرة لأي حدث كانقطاع التيار الكهربائي عن القطاع، يضعف من موقف إسرائيل أمام العالم، والأسباب الواردة أعلاه بجلها تضعف وتمس مرتكزات وأسس الخيار السابق.

الخيار الثاني الذي تدرسه دوائر صناع القرار في تل أبيب، هو العملية العسكرية البرية واسعة النطاق للجيش الإسرائيلي في غزة، حتى أن الصحف ووسائل الإعلام العبرية على مدار الأسابيع الماضية نشرت بعض التصورات الممكنة لطبيعة المعارك البرية المتوقع حدوثها بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، وبدورها تعكف كتائب القسام الجناح العسكري لحركة (حماس) على إجراء مناورات وتدريبات في عدة مخيمات في قطاع غزة تحسباً إقدام إسرائيل على مثل هذا الخيار.

ولكن هنالك من يرى أن العديد من الكوابح تجعل إسرائيل مترددة في الإقدام على هذا السيناريو، وذلك لاعتبارات عديدة، أهمها: quot;العملية العسكرية قد تتكبد إسرائيل فيها خسائر كبيرة في أرواح جنودها، وبخاصة أن التقارير الاستخبارية الإسرائيلية تشير أن الأجنحة العسكرية الفلسطينية أقامت حفر على امتداد كافة خطوط سير الهجوم المحتملة على غزة، ويمكن للمرء الافتراض بأن هذه الأنفاق ملئت بالمتفجرات التي يمكن أن تلحق دماراً كبيراً، وتدمر الدبابات والمركبات المدرعة الإسرائيلية، وأيضا في حال طال القتال مخيمات اللاجئين، فإن كثافة السكان فيها وشوارعها الضيقة والعدد الكبير من مناصري حماس فيها يعني أن القتال سيكون ضارياً.

كذلك صواريخ (القسام) لا تشكل تهديداً خطيراً quot;وجودياًquot; على إسرائيل في الوقت الراهن، بشكل يستدعيها لخسارة العشرات من جنودها في قتال بري في غزة، فقد أطلق خلال السنوات السبع الأخيرة الآلاف من القذائف والصواريخ الفلسطينية محلية الصنع، ولكنها عملياً لم تلحق سوى إصابات طفيفة وأضرار في بعض المباني، وقتل 10 إسرائيليين فقط بواسطتها منذ العام 2004.

كما تخشى إسرائيل من دفع ثمناً سياسياً باهظاً، بمعنى، إن لم تتمكن بعمليتها العسكرية من إسقاط حكم (حماس) في غزة، فالنتائج الارتدادية ستقود لتعزيز شعبية الحركة في الشارع الفلسطيني والعربي، على نمط ما حصل مع منظمة حزب الله في لبنان، كما ترى محافل أمنية إسرائيلية أن عملية برية في غزة ستوحد الفلسطينيين سياسياً، وستكون حماس في موقع يُكسبها التأييد والتضامن الشعبي نتيجة للهجوم الإسرائيلي.

كما تتوقع أوساطاً سياسية إسرائيلية، رداً جماهيرياً قوياً في العالم العربي والإسلامي على أي عملية عسكرية شرسة ضد غزة، وقد يهدد ذلك العلاقات الرسمية التي تقيمها إسرائيل مع مصر والأردن، فضلاً عن تدمير العملية السلمية مع القيادة الفلسطينية في رام الله.كما أن المظاهرات التي ستنظمها جماعات المجتمع المدني في مختلف أنحاء أوروبا يمكن أن تؤثر في سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل. وبالإضافة لما سبق، ستؤدي عملية عسكرية واسعة لتعريض حياة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت المحتجز لدى ثلاث منظمات فلسطينية في غزة لخطر شديد، وقد يضطر أسروه لقتله، إذ شعروا بخطر على حياتهم أو قرب اكتشاف مكانه.

ما سبق يدفع إسرائيل لدراسة الخيار الثالث، والمتمثل بسيناريو quot;تخفيف الحصار الاقتصادي على قطاع غزةquot;، وأصحاب هذا التوجه، يستندون في رؤيتهم على أن سياسة الحصار أثبتت فشلها لغاية اللحظة، كذلك الحصار يمس المدنيين بشكل أساسي، وليس (حماس)، التي لا يبدو أنها تعاني من أزمات مالية، ويقول أصحاب هذه الرؤية إن الحصار كذلك أضر بشعبية القيادة الفلسطينية في رام الله، وأدى لإفقار الطبقة المتوسطة المعتدلة في قطاع غزة، ودفعها إلى حالة من اليأس، التي ستقودها في نهاية المطاف إلى الارتماء في أحضان حركة (حماس).

وتعتقد أوساط عديدة في إسرائيل أنه في حال خفف الحصار على غزة، وقدم ذلك كبادرة حسن نية للمفاوضات الجارية مع قيادة السلطة الفلسطينية، ستتحسن وتتعزز صورة رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) ورئيس حكومته د.سلام فياض في الشارع الغزاوي، وسيتمكنان من بناء قاعدة شعبية تزداد حجماً في مواجهة حركة (حماس)، ولكن لإسرائيل أيضا مخاوفها من هذا السيناريو، حيث ترى أنه في حال لم يرجع الجمهور والرأي العام تخفيف الحصار للعملية السلمية وللرئيس عباس، إنما للضغوط الدولية المفروضة على تل أبيب، سيعطي هذا الخيار نتائج سلبية، ويعزز حكم حماس في غزة.

وتتعالى أصوات في إسرائيل لتبني خيار رابع في التعامل مع حماس، والمتمثل في وقف إطلاق النار (الهدنة)، وهو ما ترسل حركة (حماس) أشارت حوله لإسرائيل منذ زمن بعيد، تقول فيها بأنها مهتمة بالتوصل لفترة هدنة طويلة المدى، ووقع يوم الأربعاء الماضي حاخام يهودي مع عضو من حركة (حماس) في بيت لحم على وثيقة لوقف إطلاق النار بين الجانبين، وأرسلت منها نسخة لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ومثلها لقيادة حماس في غزة، ولكن يبدو أنها أحبطت.

ويرى العديد من المحللين السياسيين الإسرائيليين في خيار الهدنة طويلة المدى خطورة على أمن إسرائيل المستقبلي، مشيرين إلى أن أي تهدئة ستؤدي لتعزيز حركة حماس وتعطيها فترة من الهدوء لبناء قوتها العسكرية، وطالما لم تقدم إسرائيل إجابات رسمية على هذا الخيار معلنة تمسكها بضرورة تطبيق حماس لشروط اللجنة الرباعية، يبقى هذا الخيار مشروعاً، لا أمل فيه.