واشنطن، وكالات: أكد البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جورج بوش سيتوجه إلى بكين خلال الألعاب الأولمبية رغم الحوادث في التيبت، لكن ذلك لم يمنع الحكومة الأميركية من التعبير عن quot;قلقهاquot; من الوضع وابلاغ الصين بذلك quot;مباشرةquot;. وقالت المتحدثة باسم الرئاسة الاميركية دانا بيرينو quot;نحن قلقون جدا لما يجري في التيبت وعبرنا عن هذا القلقquot;. وفي مؤشر على هذا القلق، اتصلت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس فور عودتها من موسكو الاربعاء بنظيرها الصيني يانغ جيشي لتبلغه quot;بشكل مباشرquot; بموقف الادارة الاميركية، حسبما اضافت بيرينو.
من جهته، قال وزير الخارجية الاميركي شون ماكورماك ان رايس دعت الوزير الصيني خلال الاتصال الهاتفي الذي استمر حوالى عشرين دقيقة، الى quot;ضبط النفسquot; في مواجهة الحركة الاحتجاجية. كما اكدت ان الادارة الاميركية ترى ضرورة ملاحة في ان تقبل الحكومة الصينية التحاور مع الدالاي لاما الزعيم الروحي للتيبتيين الذي يقيم في المنفى وتعتبره السلطات الصينية انفصاليا خطيرا. وقال ماكورماك quot;انها اللحظة المناسبة لاجراء هذا الحوار او لن يجرى ابداquot;.
والمؤشر الآخر الى الجدية التي تنظر فيها الادارة الاميركية الى القضية هو ان رايس اطلعت بوش على مضمون اتصالها الهاتفي مع نظيرها الصيني على فطور الخميس. لكن البيت الابيض والخارجية الاميركية امتنعا عن كشف رد الوزير الصيني. كما رفض ماكورماك التعليق على المعلومات التي نشرتها وسائل الاعلام حول اعمال العنف والاعتقالات. لكنه اوضح ان السلطات الصينية لم توافق حتى الآن على السماح لدبلوماسيين اميركيين بدخول المنطقة للاطلاع على وضع بانفسهم.
ومع ان الاضطرابات في التيبت تطرح مسألة الموقف الذي يجب تبنيه حيال الالعاب الاولمبية التي يفترض ان تنظم من الثامن الى الرابع والعشرين من آب/اغسطس المقبل في الصين، واصلت الحكومة الاميركية التمييز بين السياسة والرياضة. لكنها ذكرت الصين بان تنظيم الدورة الاولمبية يجعلها محط انظار. وقالت بيرينو ان حوادث التيبت لن تمنع الرئيس من حضور الالعاب الاولمبية لان موقفه يقضي بان هذه الدورة الرياضية quot;ليست حدثا سياسيا بل مناسبة للرياضيين للتنافس من اجل الوصول الى القمةquot;.
الا ان بيرينو اوضحت ان بوش قال عند تسلمه دعوة الحكومة الصينية لحضور دورة الالعاب الاولمبية لكن الحدث quot;سيسلط الاضواء على كل ما يتعلق بالصينquot;. واكدت الادارة الاميركية ان هذه الدورة ستشكل مناسبة للصين لاعطاء quot;صورة افضلquot; لها. وقالت بيرينو ان حضور بوش الالعاب الرياضية لن يمنعه من التطرق الى قضايا تثير غضب بكين في محادثات سيجريها مع نظيره الصيني هو جينتاو. واضافت ان بوش قال انه سيجعل خلال رحلة كهذه من لقاء القادة الوطنيين quot;اولويةquot; وسيتحدث quot;بصراحة كبيرة خلال اللقاءات الخاصةquot;.
وتعترف الولايات المتحدة بالتيبت جزءا لا يتجزأ من الاراضي الصينية لكن المسألة التيبتية تشكل موضوع خلاف جدي في العلاقات الحساسة بين البلدين. وتتهم السلطات الصينية الدالاي لاما بالوقوف وراء الاضطرابات التي بدأت بعد تظاهرات جرت في العاشر من آذار/مارس في لاسا، بهدف تخريب الالعاب الاولمبية. وقالت المتحدثة باسم البيت الابيض quot;نعتقد ان الدالاي لاما بطل سلام ولاعنفquot;.
الولايات المتحدة تدعو الى تحقيق دولي
ودعت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى فتح تحقيق دولي في اعمال العنف، مؤكدة في الوقت نفسه انها لا تطالب بمقاطعة الالعاب الاولمبية في الصين. وقالت بيلوسي في دارامسالا، مقر حكومة التيبت في المنفى quot;ندعو المجتمع الدولي الى فتح تحقيق دولي خارجي في الاتهامات التي وجهتها الصين الى الدالاي لاما بانه حرض على اعمال العنف في التيبتquot;. كما قالت انها quot;لا تدعو الى اي مقاطعة للالعاب الاولمبيةquot;، مكررة ما قاله الدالاي لاما الذي نفى ضلوعه في تنظيم التمرد المستمر منذ اسبوعين في التيبت. واضافت بيلوسي quot;لكن العالم يراقبquot; الاحداث في الصين. وتعتبر بيلوسي من اقسى منتقدي سجل بكين في مجال حقوق الانسان، وهي تجري حاليا الزيارة الاولى للدالاي لاما على مستوى رفيع منذ اندلاع اعمال العنف في التيبت.
رايس تحث الصين على الحوار مع الدلاي لاما
بدورها قالت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس انها قلقة من الوضع في التبت وحثت الصين على التحلي بضبط النفس مع المحتجين هناك والحوار مع الدلاي لاما. وقالت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) مساء الخميس ان الشرطة اطلقت الرصاص فاصابت اربعة محتجين هذا الاسبوع في الجزء الذي به كثافة عالية من التبتيين باقليم سيشوان المضطرب بجنوب الصين.
وأثارت هذه الاضطرابات انزعاج الصين التي تحرص على تقديم أفضل صورة عنها في الفترة السابقة على دورة الالعاب الاولمبية التي ستقام في بكين في الفترة من الثامن الى الرابع والعشرين من اغسطس اب حيث تأمل في ان تظهر للعالم انها أصبحت قوة عالمية. وقالت السلطات انها اعتقلت عشرات الاشخاص الذين شاركوا في احتجاجات التبت.
وقالت رايس للصحفيين في بدء اجتماعها مع وزير الخارجية التايلاندي نوبادوم باتاما يوم الخميس quot;اننا نشعر قطعا بالقلق على الوضع في التبت وقد تحدثت مع نظيري وزير الخارجية يانج (جييتشي) و(اني) احث على ضبط النفس.quot; وأضافت قولها quot;اننا ندعو منذ سنوات طويلة ان تدخل الصين في حوار مع الدلاي لاما وهو شخصية ذات نفوذ يعارض العنف ويساند ايضا الحكم الذاتي الثقافي لشعب التبت لكنه اوضح بجلاء انه لا يؤيد الاستقلال.quot; وقالت رايس quot;اعتقد ان هذا سيكون اساسا يمكن للصين ان تقيم عليه حوارا مع .. شخصية ذات نفوذ من أجل السلام ولذا فاننا نشجع على ذلك. وارجو ان تتحلي الصين بضبط النفس ولكن من المهم ايضا ان تمتنع كل الاطراف عن العنف.quot;
التبتيون ينفون عدم وقوع وفيات
وقال التبتيون انهم يعتقدون انه سقط كثير من القتلى في اعمال الشغب في نفي لمزاعم رسمية بعدم وقوع وفيات. ومازالت التوترات عالية في التبت وسيشوان ومناطق مجاورة اخرى ارسلت الحكومة اليها قوات من الجيش بأعداد كبيرة. وكانجدينج وهي بلدة بها كثافة كبيرة من التبتيين في اقليم سيشوان تزدحم بالقوات التي يشاهد بعضها في دوريات حراسة والبعض الاخر وهم يمارسون بصوت عال حركات الفنون الحربية في ميدان البلدة.
والطلبة الذين يدرسون في مدرسة محلية تتم الدراسة فيها بلغة التبت لا يسمح لهم بمغادرتها اذا لم يكن لديهم تصريح مغادرة. وقال سائقون انهم غير راغبين في السفر الى البلدات الجبلية التي تسودها الاضطرابات. وقال سائق في كانجدينج quot;انني اقوم بهذا العمل للحصول على بعض المال لكن أيا كان المبلغ الذي تدفعه فانني لن اسير في هذا الطريق.quot; وقل اثنان من سكان منطقة ابا التي بدأت فيها الاضطرابات يوم الاحد لرويترز انهما يعتقدان ان عدة اشخاص قتلوا عندما أطلقت الشرطة النار على محتجين هاجموا مسؤولين ومباني حكومية.
وقال ساكن من أهل التبت quot;الجميع هنا يعتقدون ان شعبنا يموت وربما عشرة اشخاص أو أكثر.quot; وقال وهو يشير الى غالبية سكان الصين من الهان quot;انني لا اؤيد العنف واعترض على مهاجمة الناس لمجرد انهم من الهان.quot; وقال رجل اخر من سكان التبت انه اختبأ في منزله اثناء الاضطرابات. وقال في محادثة تليفونية قصيرة quot;انني واثق من سقوط قتلى. جميعنا يعرف ذلك.quot; واضاف quot;اننا لا نجروء على الخروج. فهم يعتقلون الكثير من الناس بعد ما حدث.quot;
وطلب الرجلان عدم نشر اسميهما خوفا من العقاب لانهما تحدثا الى الصحفيين. ورفض سكان اخرون قول اي شيء. واقامت قوات الجيش وشرطة مكافحة الشغب حواجز على الطرق ومنعت دخول الاجانب. وقال راديو اسيا الحرة وهو اذاعة تمولها الولايات المتحدة يوم الخميس ان ما يصل الى 2000 راهب بوذي ومواطن عادي واصلوا الاحتجاجات في منطقة هوانان باقليم سيشوان. ولم يتسن التحقق من هذا التقرير.
وقالت السلطات انها اعتقلت عشرات الاشخاص الذين شاركوا في احتجاجات التبت. وقال التقرير ان أكثر من 170 شخصا سلموا انفسهم واذاع رقم هاتف للسكان المحليين لكي يبلغوا عن الاشخاص الذين يشتبهون في انهم شاركوا في الاحتجاجات مقابل السرية والحصول على مكافأة. واستمر تلفزيون التبت الحكومي في عرض لقطات لاعمال الشغب التي وقعت في الأسبوع الماضي ومن بينها مشاهد لرهبان يلقون حجارة على الشرطة ومحتجين يقتحمون واجهات متاجر وأعمدة دخان اسود تتصاعد من سيارات محترقة في لاسا عاصمة اقليم التبت.
وتنشر مجموعات مؤيدة للتيبتيين منذ عدة ايام صور تظاهرات واعمال قمع تؤكد انها تلتها وبعض هذه الصور يتسم بعنف لا يحتمل. وتتهم السلطات الصينية مثلما تفعل في اغلب الاحيان وسائل الاعلام الاجنبية بتشويه الحقيقة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كين غانغ الخميس ان quot;بعض المقالات غير مطابق للوقائع (..) نتمنى على الصحافيين التحلي بالموضوعيةquot;.
غير انه يحظر على الصحافيين الدخول الى التيبت ولا يمكنهم عمليا التوجه الى المناطق التيبتية في محافظات سيشوان وغانسو وكينغاي التي تبقى مفتوحة في الظروف العادية. وقالت مسؤولة في شرطة نغاوا في اتصال هاتفي جرى معها الجمعة انها quot;لا تقبل باجراء مقابلاتquot;. اما الصحافيين القلائل الذين تمكنوا من اختراق حواجز الشرطة فيفيدون عن انتشار قوات ودوريات في المدن والقرى بدون ان يتمكنوا من العمل بحرية.
ويتحدث شهود عن عمليات تمشيط واعتقالات تقوم بها قوات الامن في احياء لاسا التيبتية بدون ان يعرف ما يحل بالموقوفين لاحقا. ويبقى السؤال مطروحا: هل يمكن ان نعرف او هل سنعرف يوما عدد القتلى في موجة العنف الجديدة هذه التي حلت بالمنطقة؟ ويرد نيكولا بيكولان quot;كنت اود لو ان لدي شيء اخر اقوله، لكنني اعتقد للاسف ان الجواب هو لاquot;. وذكرت مشاهد التظاهرات في الذكرى التاسعة والاربعين لانتفاضة لاسا على السلطة الصينية بتمرد آذار/مارس 1989 في المنطقة التي كان يحكمها آنذاك الرئيس الصيني الحالي هو جينتاو.
ونعتت الصحافة المتظاهرين آنذاك بquot;المشاغبينquot; فيما اتهمت quot;عصابة الدالاي لاماquot; منذ ذلك الوقت بتدبير مؤامرة. ولم تتعد الحصيلة الرسمية للاحداث 11 قتيلا وهو رقم نقضه التيبتيون. وبعد بضعة اسابيع اندلعت الحركة المطالبة بالديموقراطية في بكين وانتهت بالدم في ساحة تيان انمين ليل الثالث الى الرابع من حزيران مسفرة عن 200 الى 300 قتيل بحسب السلطات. ومثلما تعذر التحقق من عدد القتلى الحقيقي آنذاك، سيبقى الغموض يلف الحصيلة الحقيقية لاحداث التيبت.
التعليقات