ما بعد قمة دمشق لبنانيًا وسوريًا
هواء قليل في البلدين
بلال خبيز من بيروت: رأى نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام في مقابلة تلفزيونية بثتها إحدى المحطات التلفزيونية اللبنانية أن النظام السوري الذي أصبح رهينة بيد ايران، حوّل سوريا من لاعب أقليمي إلى ساحة للتلاعب فيها. وتاليًا وبحسب المدرسة السورية في استخدام الساحات، والتي أرساها نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، تتحول سوريا في هذا الحال إلى عجل مسمن يتم التضحية به ساعة يحين أوان التضحية.
كلام نائب الرئيس السوري السابق، كلام رجل خبير في هذا الشأن خصوصًا وأنه من صناع الدور السوري المشار إليه. والمدقق في ما يجري اليوم في المشهد السياسي العربي لا بد وأن يلاحظ حجم الهجوم الذي بدأ النظام السوري يتعرض له منذ إنتهاء القمة. الأمر الذي يذكر في شدته باللحظة التي اعقبت التمديد للرئيس اميل لحود في منصب رئيس الجمهورية اللبنانية في أواخر العام 2004 وما تبعها من قرارات دولية متلاحقة وهجوم منسق ادى إلى اخراج الجيش السوري من لبنان ربيع العام 2005. وعلى النحو نفسه ثمة معلومات تفيد عن تحرك فرنسي أميركي مشترك لإصدار بيان رئاسي من مجلس الأمن يتناول الازمة الرئاسية اللبنانية، مما يعيد مجلس الأمن إلى العمل في الشأن اللبناني مجددًا، هذا فضلاً عن تسارع الخطوات على مسار تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والجدير ملاحظته في هذا السياق هذا الإصرار الروسي على التأكيد المتكرر على ضرورة قيام المحكمة والمساهمة المالية في تمويلها، مما يعني أن الإجماع الدولي يكاد يكون حاصلاً في ما يخص الأزمة اللبنانية ومسؤولية النظام السوري عن احتدامها. وإذا ما اضفنا إلى المساهمة الروسية في تمويل المحكمة الدولية ما اشيع عن تسريب معلومات صينية عن البرنامج النووي الإيراني إلى وكالة الطاقة الذرية، يتضح ان النظام السوري اليوم اصبح بلا منفذ دولي على الإطلاق.
هذا، وعلى الصعيد العربي لا يبدو الوضع السوري أكثر انفراجًا، إذ تشهد عواصم القرار العربي منذ انتهاء اعمال القمة العربية في دمشق نشاطات مكثفة وتحركات دبلوماسية لا تصب في مصلحة النظام السوري بطبيعة الحال. ولنا ان نتذكر ان توقيت اطلالات نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام التلفزيونية كانت على الدوام تترافق مع تصاعد الهجوم العربي، السعودي تحديدًا، على النظام السوري وأداءه في لبنان وفلسطين والعراق. هذا فضلاً عن تزايد الأخبار الواردة من الداخل السوري التي تفيد أن ثمة ما يجري داخل النظام وهو خطر جدًا. حيث تتناقل بعض وسائل الإعلام اخبارًا عن احتمال تنحية اللواء آصف شوكت عن مهامه، تمهيدًا لمحاصرة طموحاته أو التضحية به. وهذا ما أعلنه نائب الرئيس السوري السابق صراحة وجهرًا، مدعيًا أن الخلاف بين شوكت والرئيس السوري بشار الأسد بلغ ذروته، وان القرار بحق شوكت قد اتخذ ولم يعد ثمة غير ايجاد التخريجة المناسبة ليظهر أثر القرار على الملأ.
هذا ما يجري على المستوى السوري. لكن الأمور في لبنان تبدو مختلفة بعض الشيء. ذلك ان قسمًا راجحًا ووازنًا من الموالاة يعتبر ان قدرة الموالاة على الصمود تتضاءل يومًا بعد يوم، فيما تقوى شوكة المعارضة على نحو واضح، ولا يبدو الرد العربي على التلاعب السوري بلبنان قادراً على لجمه او التخفيف من آثاره، فضلاً عن اليأس من قدرة التحرك الدولي على مد الموالاة بهواء جديد. بل ان بعض التحركات الدولية التي هدفت إلى دعم الموالاة اثمرت نتائج في غير مصلحتها. لذا يرى بعض هذا الفريق ألا مفر من تلقف المبادرة التي اطلقها الرئيس نبيه بري، املاً في تحقيق بعض المكاسب او كسب بعض الوقت.
على خط مواز ينشط الرئيس بري في التحضير لمبادرته. ويجري اتصالات دولية ومحلية وعربية، ويشجعه على ذلك محليًا موافقة بعض اركان الموالاة على المبادرة والتي أبلغت إليه مباشرة. وقد كان لافتًا إعلان بعض اركان المعارضة التخفيف من الشروط التعجيزية التي كانت المعارضة قد وضعتها لتنفيذ المبادرة العربية، مما يسمح مجددًا بعودة امين عام الجامعة العربية عمرو موسى إلى لبنان بناء على هذه المعطيات الجديدة.
الأرجح ان النظام السوري وامام حدة الضغوط التي يواجهها عربيًا ودوليًا بات في موقع المستعد لإبداء بعض الليونة في المواقف، عله يفتح بعض الأبواب العربية والدولية المقفلة في وجهه. لكن سوريا التي تتقن الصبر، ولا تتقن غيره، سرعان ما تعود إلى سيرتها لاولى بعدما يتسنى لها تنشق بعض الهواء.
التعليقات