فالحاج أبو محمود حرب القاطن في مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس في الضفة الغربية يسرد لأحفاده وأبنائه ذكرياته طفولته في قريته quot;مسكةquot; التي هجر منها عام 1948 والواقعة على بعد 15 كيلومترا جنوب غرب مدينة طولكرم شمال الضفة، وتحدها شمالا مدينة الطيرة داخل الخط الأخضر. وما زال أبو محمود يحتفظ بمفتاح بيته، رغم مرور السنين، ويأمل باليوم الذي يتمكن خلاله من زيارة قريته أو ما تبقى منها.
ويشير في حديث لـquot;إيلافquot; بأن الهوية الفلسطينية تعرضت للتشويه على مدار الستين العام الماضية، قائلا: quot;أنا مثلاً من مواليد قرية مسكة، بينما أبنائي وأحفادي مواليد مخيم بلاطة، فكيف يمكن تفسير ذلك سوى أنه محاولة لتشويه التاريخ وقلب الحقائق؟quot;.
وحال أبو محمود ينطبق على نحو 750 ألف مواطناً فلسطينيًا هجروا من منازلهم عام 1948، بالإضافة إلى 350 ألفًا انضموا إليهم عام 1967، ليبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في كافة أنحاء العالم هذه الأيام قرابة خمسة ملايين نسمة، يتركز معظمهم في مخيمات منتشرة في الأردن ولبنان وسوريا، وفي بعض الدول العربية والغربية، والأميركيتين.
وتشكل قضية اللاجئين الفلسطينيين معضلة أساسية في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ بدأت قبل نحو عقدين. حيث تتمسك تل أبيب برفض السماح بعودة اللاجئين، متذرعة بالعديد من الأسباب منها، ضرورة المحافظة على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، فهي تعرف نفسها بأنها دولة لجميع مواطنيها، وهو ما يتطلب أغلبية يهودية وسيطرة علي الأراضي.
والحجة الأبرز في إسرائيل أمام معارضي حق العودة للفلسطينيين تتركز في موضوع الميزان السكاني بين اليهود وبين العرب غربي نهر الأردن. حيث يشيرون أنه في ضوء نسبة الولادة الأعلى في أوساط السكان العرب مقابل السكان اليهود فان من الواضح انه ستتحقق مساواة عددية في المستقبل القريب جدا. ونتائج مثل هذا السيناريو هي حاسمة لمجرد وجود إسرائيل.
وتستند إسرائيل في معارضتها لحق العودة على القانون الدولي، مشيرة إلى أن القوانين الدولية تشترط بأن تكون العودة إلى بلاد كان اللاجئ مواطنا فيها. ولما كان القانون الدولي قائما على أساس سيادة الدولة، فان حق العودة يفترض مسبقا وجود بلاد يمكن للشخص أن يعود إليها. وبما أن الفلسطينيين لم يكونوا أبداً رعايا إسرائيل، فليس لهم حق عودة إلى إسرائيل. حسبما يشير الكتاب السنوي الإسرائيلي لحقوق الإنسان الصادر عام 1986 والمعنون بـquot;حق العودة في القانون الدولي، مع تطرق خاص للاجئين الفلسطينيينquot;، وأعداه روت لبيدوت.
وتطعن إسرائيل في القرارات الدولية الخاصة بعودة اللاجئين، فالكاتب الإسرائيلي عتاليا بن مئير في دراسة صدرت عن مركز اريئيل للدراسات السياسية. العدد 4 - 5، أيلول 2000 يشير إلى أن المادة رقم (2) في قرار 194 الذي صادقت عليه الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ في 11 كانون الأول 1948 تقول إن quot;اللاجئين الراغبين في العودة إلى منازلهم والعيش بسلام مع جيرانهم سيسمح لهم بذلك في اقرب وقت ممكن، وستدفع التعويضات لقاء أملاك أولئك الذين لا يختارون العودةquot;.
وبحسب بن مئير فأن القرار 194 بالتالي لم يمنح quot;حق العودةquot; بل اشترط العودة إلى الوطن بصراحة بالتطلع إلى العيش بسلام مع جيرانهمquot;. وبحسبه يفهم من صيغة القرار أن الأمم المتحدة تعترف بأنه لا ينبغي التوقع من اسرائيل ان تعيد سكانا معادين من شأنهم أن يعرضوا أمنها للخطر. ويقول بن مئير: quot;ولم يعترف القرار بحق العودة، بل كان مثابة توصية لان يعود اللاجئون، يهودا وعربا، إلى منازلهم ويعيشون بسلامquot;.
ويعرج الكاتب الإسرائيلي على قرار 237 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 14 حزيران 1967، وبحسبه فأن القرار يدعو إسرائيل فقط إلى quot;التسهيل على العودةquot;، ولكنه لم يمنح quot;الحقquot; في العودة إلى السكان، الذين هجروا. وفيما يخص قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي اتخذ في تشرين الثاني 1967 فأنه يؤكد بحسب بن مئير فقط على الحاجة إلى تحقيق quot;تسوية عادلة لمشكلة اللاجئينquot;. وامتنع عن أي ذكر للفلسطينيين وألمح بالتحفظات على مطالبهم الإقليمية.
ولتعطيل جميع القوانين والمبادرات العربية والدولية الداعية لحل قضية اللاجئين، قامت إسرائيل بإصدار العديد من القوانين التي تعيق هذه الإمكانية، منها، مطالبة اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين الذين يطالبون بالعودة إثبات تواجدهم في إسرائيل في أو بعد 14 تموز 1952، كما أن الكنيست صادقت بتاريخ 17 أيار 2000 على قرار يحظر توطن لاجئين فلسطينيين في نطاق إسرائيل قبل العام 1967. وجاء ذلك خشية من إقدام الفلسطينيين حينذاك على إعلان دولة مستقلة من جانب واحد، وبحسب القانون الدولي فأن هذه الدولة سيكون من حقها منح حق المواطنة لكل فلسطيني يرغب في ذلك.
ولحل قضية اللاجئين طرحت العديد من الخيارات والبدائل، منها التعويض، وكذلك إمكانية عودة بعض اللاجئين فقط لأراضي السلطة الفلسطينية. وهو حل طرح من زمن، ففي عام 1995 أستبعد الباحث الإسرائيلي شلومو غازيت في تمييزه بين إسرائيل نفسها ومناطق فلسطين الانتدابية، عودة اللاجئين إلى إسرائيل نفسها.
ويقرر غازيت بشكل قاطع في دراسة له بعنوان quot;مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، تل أبيبquot; نشرها معهد يافي للدراسات الإستراتيجية أن عودة لاجئين فلسطينيين بعدد كبير إلى إسرائيل سيشكل quot;تهديدا على الطابع اليهودي للدولةquot;. وفضلا عن ذلك، فان عودة اللاجئين ستخل بشكل كبير بالميزان الدقيق (بين السكان اليهود والعرب في داخل إسرائيل)، وسيعمق التهديد بين المتطرفين وسيعرض للخطر حدود العام 1967 لإسرائيلquot;.
وعلى الرغم من اعترافه بالمخاطر الديمغرافية، ليس لشلومو غازيت أي اعتراض على إقامة دولة فلسطينية مع quot;قانون عودةquot; يضمن لكل فلسطيني في المنفى حق العودة إذا ما رغب في ذلك. وحسب وجهة نظره، فان غمر الدولة الفلسطينية بمئات آلاف اللاجئين العائدين لن يخلق مشكلة إلا للمستوطنين. فتجمع ملايين الفلسطينيين على الحدود الشرقية لإسرائيل لا يعد في نظره خطرا.
التعليقات