الكويت:يشكل انخفاض المستوى المعيشي للاسر الكويتية في الاونة الاخيرة نتيجة الغلاء الفاحش احدى اهم القضايا المطروحة للنقاش على الساحة في انتخابات مجلس الامة 2008 بل تعد من القضايا الاكثر تحديا لدى للمرشحين اذ تعد من الامور الجوهرية التي تعكس هموم المواطن.

وبالرغم من ان الحكومة اقرت صرف علاوة غلاء معيشة بقيمة 120 دينارا لجميع العاملين في القطاع الحكومي والمستفيدين من برنامج القوى العاملة واعادة الهيكلة التي سيتم صرفها نهاية الشهر الجاري الا انه وفق التجارب التاريخية لاي زيادة في الرواتب فان مصيرها سيؤدي الى زيادة جديدة في الاسعار والعودة من جديد الى مربع الصفر للبحث عن حلول جوهرية لهذه الازمة الخانقة على معيشة الاسر الكويتية.

وكانت الحكومة قامت في عام 2005 بزيادة الرواتب بمقدار 50 دينارا على دخول المواطنين العاملين في المؤسسات الحكومية لتساهم في زيادة حدة التضخم من 75ر1 في المائة في عام 2005 الى نحو 5ر7 في المائة حتى نهاية شهر ديسمبر الماضي الامر الذي يؤكد ان سياسة زيادة الرواتب قد لا تكون وحدها كافية لكبح جماح ارتفاع الاسعار.

بالرغم من ذلك فان مجلس الامة في دورته الاخيرة حقق احد الانجازات عندما تصدى لارتفاع اسعار العقار واجارات الشقق السكنية التي شهدت ايضا ارتفاعا كبيرا في قيمتها الامر الذي القى بظلاله على مستوى معيشة الفرد لتزيد من ازمة الاسر التي تبحث عن حياة كريمة وسكن خاص يجمعها تحت سقف واحد دون معاناة.

ولمواجهة موجة ارتفاع اسعار العقار والسكن الخاص اقر مجلس الأمة في فبراير الماضي قانونا يحد من ارتفاع أسعار بيوت السكن الخاص وهو القانون 9 لسنة 2008 الذي يحظر على الشركات التجارية بيع وشراء القسائم أو البيوت المخصصة لاغراض السكن الخاص في أي موقع وضمن أي مشروع. ووفقا لهذا القرار فان بعض التقارير الاقتصادية اشارت الى تراجع اسعار السكن الخاص في الاونة الاخيرة التي كانت خلال السنوات الخمس الماضية قد شهدت ارتفاعا جنونيا في اسعارها بسبب المضاربة من قبل الشركات التي جنت ارباحا كبيرة على حساب معيشة المواطن.

وبطبيعة الحال فان ارتفاع الاسعار هي نتيجة طبيعية للدول التي تشهد بها مستويات عالية من النمو الاقتصادي لاسيما ان الكويت منذ عام 2003 شهدت انتعاشا في قطاعاتها الاقتصادية المختلفة مثل المالية والعقارية والخدمية وخلافه نتيجة زيادة الطلب على السلع والخدمات اللوجستية والنقل والعقار.

وسيجد المرشحون لانتخابات لمجلس الامة القادم التي ستعقد في 17 مايو المقبل تحديا صعبا لوضع حلول قد تكون غير شعبية او شعبية وغير اقتصادية اذ ان هناك عددا من المرشحين ينادون باهمية انتهاج سياسة مالية ونقدية متزنه تراعي عدم استنزاف المال العام والمصلحة العامة ومستقبل الاجيال القادمة في حين ينادي عدد اخر من المرشحين بزيادة الرواتب واسقاط فوائد القروض وتقنينها واعادة جدولتها زمنيا.

بيد ان الوضع المنقسم بين الناخبين والمرشحين سيظل على ما هو عليه لاسيما ان عملية ارتفاع الاسعار قد تواصل طريقها على حساب معيشة المواطن لان العوامل المسببة لها ما زالت قائمة. ويرجع هذا التطور في ارتفاع حدة الغلاء المعيشي في الكويت في الاونة الاخيرة الى عدة اسباب اهمها فروقات أسعار صرف الدينار الكويتي أمام العملات الاجنبية مثل اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني التي شهدت ارتفاعا في قيمتها أمام الدينار الكويتي الذي كان مرتبطا بالدولار خلال السنوات القليلة الماضية.

ولذلك اتخذت الكويت قرارا منفردا في مايو الماضي بفك ربط عملتها (الدينار) بالدولار بهدف احتواء آثار التكلفة المتزايدة على التضخم وساهم ذلك حتى الان بارتفاع سعر الدينار بنحو 7 في المائة امام الدولار الاميركي.

والسبب الثاني للتضخم يأتي من ارتفاع أسعار السلع المستوردة اذ ان أسعار النفط في الاونة الاخيرة ساهمت في رفع التكلفة الانتاجية على المنتجات الصناعية والاستهلاكية في دول الاتحاد الاوروبي واليابان وهي دول صناعية كبرى تأثرت صناعاتها من ارتفاع أسعار النفط لاسيما التي شهدت طلبا متزايدا هنا في أسواق المنطقة مثل مواد البناء التي تدخل في عمليات الاعمار والبنية التحتيةالامر الذي ساهم في رفع مستوى اسعار العقار والسكن الخاص والمشاريع العقارية الاستثمارية والتجارية.

كما ساهمت سياسة الانفاق الحكومي التي شهدت ارتفاعا في الاونة الاخيرة بسبب ارتفاع مستوى الايرادات النفطية نتيجة ارتفاع اسعار النفط في رفع حدة التضخم النقدي فيما لعب القطاع المصرفي في رفع مستوى اسعار السوق بسبب تسهيلاتها في منح القروض الاستهلاكية والمقسطة والتي بلغت قيمتها حتى نهاية العام الماضي نحو 5ر4 مليار دينار كويتي موزعة على 460 الف قرض.

وكان مستوى التضخم السعري في الاونة الاخيرة قد شهد ارتفاعا ليصل حتى نهاية العام الماضي 5ر7 في المائة ليسجل بذلك اعلى مستوى له منذ تحرير الكويت بالرغم من ان مستوياتها اقل من دول مجاورة مثل قطر والامارات التي تشهد اسواقها ارتفاعا قياسيا في اسعار سلعها وعقاراتها وخلافه.

ولذا فان معركة الغلاء المعيشي تعد من القضايا الاكثر تشابكا وعقدا لدى مرشحي انتخابات مجلس الامة 2008 اذ ان المواطن لن يقبل باي حلول ترقيعية وانه لن يكون ايضا ضحية لبعض الاطروحات التي تهدف فقط لدغدغة مشاعره خلال فترة الانتخابات فقط لاسيما وان بعض نواب المجلس الذين نجحوا في دورات سابقة قد رفعوا شعار اسقاط القروض الا ان الحكومة وعددا من نواب المجلس قد رفضوا مرارا هذه الطرح بسبب تكلفته المالية العالية على ميزانية الدولة وعدم عدالته.

وكان مجلس الامة قد رفض في جلسته التكميلية المنعقدة في تاريخ 19 ديسمبر من عام 2006 جميع المقترحات النيابية التي طالبت باسقاط القروض الاستهلاكية والاسكانية معللين ذلك بانها تضر بالمال العام وانها غير دستورية.

ويرى بعض الخبراء ان عملية ايجاد حلول عملية تتضمن زيادة اجور ورواتب العاملين في الدولة قد تكون حلا لرفع مستوى المعييشة لاسيما فيما يتعلق بالفئات الاجتماعية ذات الدخل المتوسط التي تعاني من تدهور مستوى معيشتها لتلامس خط الفقر.

ووفقا لدراسة سابقة لوزارة التخطيط تفيد بان خط الفقر لاسرة قوامها 6 افراد يبلغ دخلها فقط نحو 720 دينارا كويتيا في حين يتراوح دخل الاسر ذات الدخل المتوسط المتدني مابين 720 و1440 دينارا كويتيا والاسر ذات الدخل المتوسط العادي مابين 1440 و2160 دينارا والمرتفع مابين 2160 دينارا و2880 دينارا .

ويجمع الكثير من المراقبين للشان الكويتي على انه يجب الاهتمام برفع المستوى المعيشي لهذه الفئات ليس برفع دخلها بل ايضا عن طريق الاهتمام برفع مستوى كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية والرعاية السكنية وخدمات البنية التحتية مثل الكهرباء والماء والاتصالات ودعم بعض السلع الاستراتيجية والهامة مرحليا بغرض تخفيف حدة الغلاء على بعض السلع.

كما انه يجب تحديد عدد من الاهداف وهي حماية الاسر ذات الدخل المتوسط من خلال تطوير مستواها المعيشي عبر خلق فرص لتراكم الثروات لهذه الاسر مثل تشجيعها في الاستثمار في مجال برامج الاكتتابات العامة وانشاء مشاريع صغيرة مدعومة من الدولة لضمان الحراك الاجتماعي الايجابي بين فئات المجتمع واستمرارية تطبيق الاهداف عبر الاجيال القادمة.