بيروت: كان الجميع يصر على أنها ليست حرباً أهلية ولكن ما أن أصابت قذيفة صاروخية الشقة السكنية المجاورة لنا وما أن أخذ المسلحون المقنعون يطلقون الرصاص في الطرقات مقسمين بيروت إلى مناطق سنية وشيعية، شعرنا حينها أنها تبدو فعلاً حرباً أهلية.
quot;من المستحيل أن يقوم الشيعة بإطلاق النار على السنّةquot; هذا ما أكده قائد عسكري من أمل، الحركة الشيعية المعارضة المتحالفة مع حزب الله الذي وصلت معركته السياسية مع الحكومة السنيّة يوم 8 مايو/أيار إلى أسوأ قتال عرفته بيروت منذ الحرب الأهلية (1975 ndash; 1990) والتي راح ضحيتها أكثر من 150,000 شخص.
وتساءل القائد الذي عرّف على نفسه باسم أبو علي فقط: quot;زوجتي سنية، فهل أقوم بقتل أنسبائي؟quot; ولكن سرعان ما قطعت كلماته أصوات الرشاشات التي كانت تُطلَق نيرانها من المنطقة السنيّة في حي المزرعة وسط بيروت عبر الطريق العام فينبعث منها الشرار والدخان.
أما الشبان خارج مكتب حركة أمل الذين رسم بعضهم الوشم على جسده ووضع الكثير منهم الأقنعة، فقد كانوا يندفعون خلف أقرب جدار لتحميل رشاشاتهم وبنادقهم الآلية بالذخائر.
ومن صندوق سيارة دفع رباعي سوداء، كان رجال أكبر في السن يفرغون قنابل صاروخية جديدة من أغطيتها البلاستيكية ويحملونها على منصات الصواريخ لإطلاقها على الحي السني الذي يبعد أمتاراً قليلة فقط على الجهة الأخرى من الشارع.
وقال أبو علي البالغ من العمر 50 عاماً: quot;لقد أحضرت ابنتيّ إلى هنا في وقت سابقquot; قال هذا وهو يشير إلى زاوية المبنى حيث كان مقاتلو حركته يستعدون لإطلاق النار. quot;لقد أحضرتهم إلى هنا ليريا بأم أعينهما من هو عدوهماquot;.
وكان 10 أشخاص على الأقل قد قتلوا وجُرح العشرات في هذه المعارك المستعرة التي يقودها مقاتلو أمل ضد مكاتب تيار المستقبل بقيادة زعيم الأغلبية النائب سعد الحريري.
quot;سنسيطر على بيروت عسكرياًquot;
وأشار قائد أمل ليلة 8 مايو /أيار إلى أن الحوار بين الطرفين أصبح خارج طاولة المفاوضات وأنذر بأن مقاتليه سيسيطرون على المناطق السنيّة في بيروت، حيث قال quot;بإذن الله سنسيطر على بيروت عسكرياً وعندها سنمسك بكل الخونة ونختار بعدها الرئيس والحكومةquot;.
وقد بقي لبنان بدون حكومة كاملة بعد أن استقال خمسة وزراء شيعة ووزير مسيحي متحالف معهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 عقب إعلان حزب الله عن quot;نصره الإلهيquot; في حربه مع إسرائيل في يونيو/تموز 2006.
وقد رفض رئيس حركة أمل ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري فتح أبواب البرلمان طالما أن الدولة لم تنتخب رئيساً لها عقب انتهاء ولاية الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود في نوفمبر/تشرين الثاني 2007. وقد اتهمت المعارضة المدعومة من سوريا وإيران الحكومة التي يدعمها الغرب بتجاهل مطالبها والعمل لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل في لبنان.
واستمرت الاشتباكات التي بدأت في حي المزرعة جنوب شرق بيروت طوال ساعات الليل وانتقلت من هذا الحي الذي ينقسم إلى منطقتين سنية وشيعية يفصل بينهما طريق عام إلى راس النبع والحمراء معقل السنة في بيروت الغربية.
أمل تسيطر على الوضع
ووفقاً لتقارير محلية من أحياء بيروت، تسيطر حركة أمل التي يبدو أن حزب الله أوكل إليها مهمة القيام بمعظم أعمال القتال، على كل المناطق الرئيسية في الأحياء المسلمة غرب وجنوب بيروت وهي تقوم بتسليمها للجيش. أما الأحياء الشرقية المسيحية فقد شهدت القليل من الاضطرابات إذ لا يبدو أن الكتلة المسيحية الوحيدة المتحالفة مع حزب الله وهي كتلة التغيير والإصلاح بقيادة العماد ميشيل عون تلعب دوراً في التصعيد العسكري الذي تقوم به المقاومة.
كما قام المقاتلون الشيعة بتفتيش دقيق لمكاتب تلفزيون المستقبل الموالي للحكومة والصحيفة التابعة له مما أجبر القناة على إيقاف بثها. وقال شهود عيان من منطقة الطريق الجديدة، آخر معقل لمقاومة تيار المستقبل، أن المسلحين السنّة كانوا يسلمون أسلحتهم للجيش ويستسلمون.
وكانت السجالات حول وضع حزب الله كمجموعة مسلحة داخل لبنان قد اشتدت هذا الأسبوع عندما طلبت الحكومة من الجيش فك شبكة الاتصالات التابعة للحزب ووصفتها بأنها تهديد للأمن القومي. أما حزب الله فقال أن الشبكة عنصر أساسي في حربه ضد إسرائيل لأنها تسمح لمقاتليه بالاتصال ببعضهم البعض دون الخوف من التجسس على مكالماتهم.
كما قامت الحكومة بتنحية رئيس جهاز أمن المطار الشيعي العميد وفيق شقير بدعوي أنه سمح لحزب الله بنصب كاميرات تجسس داخل المطار لمراقبة حركة الطائرات.
الخطاب الذي أشعل فتيل الأزمة
وفي الخطاب الذي ألقاه في 8 مايو/أيار وأشعل به فتيل الأزمة، قال زعيم حزب الله حسن نصر الله أن المقاومة لن تعود إلى طاولة المفاوضات إلا إذا عاد شقير إلى منصبه وتركت الحكومة موضوع الشبكة الهاتفية وشأنه. وقد اتهم نصر الله التحالف الحاكم برغبته في تحويل المطار الذي أغلق ليوم الثالث في 8 مايو/أيار إلى قاعدة للموساد [الإسرائيلي] وجهاز الاستخبارات الأمريكي السي آي آيهquot;.
وفي تغيير جذري في مبدأ حزب الله الذي طالما كان يقول أن سلاحه لن يوجه أبداً ضد اللبنانيين، قال نصر الله في خطابه أن الحكومة أعلنت quot;الحرب على المقاومةquot;.
وأضاف متوعداً quot;سنستخدم السلاح في الداخل للدفاع عن سلاحنا... فالصراع هو بين المقاومة الوطنية الشريفة...وبين مناصري المشروع الأميركيquot;. وتوجه للحكومة قائلاً: quot;أنتم تجاوزتم الخطوط الحمر فلم يعد لدينا خطوطاً حمراًquot;.
ولكن لا يبدو أن المقاتلين الشيعة الذين تجمعوا خلف جدران إحدى الشقق السكنية في كورنيش المزرعة راغبين بترك أسلحتهم، حيث قال أحد مقاتلي أمل المقنعين بينما كان يلوّح بسلاحه مهدداً: quot;عندما حاربنا إسرائيل في يوليو 2006 اتهمتنا الحكومة بأننا نخوض مغامرة حمقاء... واليوم هم يحاولون نزع أسلحتنا ونحن نقول إنها مغامرتهم الحمقاءquot;.
المصدر: شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)
التعليقات