جون برادلى: صاحب كتاب quot;مصر على شفا ثورةquot; لـ quot;إيلافquot;:
سقوط مصر في ايدى الإسلاميين يكتب نهاية الشرق الأوسط
محمد حميدة:
أكد الصحافي البريطاني والخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط quot; جون برادليquot; صاحب كتاب laquo;أرض الفراعنة على شفا الثورةraquo; الذي أثار الإعلان عنه حالة كبيرة من الجدل على الصعيدين المحلي والعالمي إن مصر تقترب من لحظة بالغة من الأهمية في تاريخها، مشيرًا إلى أن الهدف من كتابه هو مساعدة العالم الغربي على فهم ما يجري في مصر بشكل أفضل، وقال برادلى الذي سبق أن ألف كتابًا عن السعودية، وأثار حالة مماثلة من الجدل حمل عنوان quot;السعودية تحت المجهرquot; في حوار معه عن كتابه أن مصر تشهد موجة عاتية من الاضرابات واعمال العنف والشغب تعود اسبابها إلىالفقر المدقع والتعذيب والفساد المستشري، والقمع السياسي ومحاولات اغتيال الطبقة الوسطى، وسرقة ثروات البلاد الواسعة من جانب القطط السمان تحت مسميات الخصخصة وانفتاح الاقتصاد على الاستثمار الاجنبي، إضافة الى وجود نظام quot;مفلس quot; فكريًا وليس لديه رغبة على الإطلاق في حل أي من هذه المشاكل، وحول الاسباب التي دفعته لكتابه الجديد ورؤيته للمسرح السياسي المصري ومدى تأثيره على الساحة العربية وتوقعاته للأوضاع فى مصر في الفترة المقبلة نجدهافيالحوار الخاص بـ quot;إيلافquot;:
**ما الذي دفعك الى كتابة هذا الكتاب؟
*انا اقمت في مصر حوالى 10 سنوات، إقامة شبه دائمة، إضافة إلى سنتين ونصف في السعودية قبل أشهر من أحداث 11سبتمبر 2001. أنا اتحدث العربية باللهجة المصرية بطلاقة واعتبر القاهرة بيتي . وبعدما تركت السعودية نشرت كتابي عنها quot; السعودية تحت المجهرquot;، وبالغريزة شقيت طريق عودتي الى مصر مرة اخرى . واقترحت على الناشر تأليف كتاب عن السياسة المصرية المعاصرة والمجتمع المصري انطلاقًا من عدم وجود كتاب مشابه لذلك .. مصر بالإضافة الى أنها البلد العربي الأكثر ازدحامًا بالسكان ، فهي التاريخ وحليفة الولايات المتحدة الأهم في المنطقة، لذا فإنه من المهم جدًا ان يفهم الغربيون الظروف الداخلية فى هذا البلد بشكل أفضل -- وخصوصًا انها على ما يبدو تدخل في فترة خطرة من عدم الاستقرار.
مع عودتي في عام 2005 كان لدي إحساس قوي ، استنادًا الى ما رأيت وسمعت على ارض الواقع وعلى خلفية قراءتي الدقيقة عن تاريخ مصر الحديث ، ان البلاد تقترب من لحظة بالغة من الأهمية في تاريخها. وكانت مخاطرة من جانبي تسمية الكتاب quot;داخل مصر : أرض الفراعنة على شفا ثورةquot;. وإتضح انني كنت على حق عند ما وثقت في غرائزي.. الكتاب سينشر هذا الشهر ، في بلد هزته اخطر الاضطرابات منذ ثورة 1952.
** نعم ، كتابك جاء في الوقت المناسب. مصر تشهد حاليًا سلسلة لا نهاية لها من الاضرابات والمظاهرات وأعمال الشغب. ما هو السبب؟ وما هي فرص ان يؤدي ذلك الى عدم الاستقرار الخطر الذي تذكره ؟
*هناك العديد من الأسباب منها الفقر المدقع والتعذيب والفساد المستشري، والقمع السياسي ونزع أحشاء الطبقة الوسطى، وسرقة ثروات البلاد الواسعة من قبل القطط السمان تحت ستار الخصخصة وتحت مسمى انفتاح الاقتصاد على الاستثمار الاجنبي. ثم ان هناك نظامًا quot;مفلسًاquot; فكريًا وليس لديه رغبة على الإطلاق في حل أي من هذه المشاكل، وفي الواقع انه السبب الرئيس في كل ذلك .
ليس هناك ما يشير الى ان موجة الاضرابات وأعمال الشغب الأخيرة سوف تطيح بالنظام. هناك 1،4 مليون عضو فوات الأمن المصرية لمواجهة المعارضة وضرب المتظاهرين في الشوارع.

وأرى أن المعارضة المنظمة لا يمكن التنبؤ من خلالها بما سوف بحدث في المستقبل القريب الذي قد يشهد الشرارة التي ستشعل النار في البلد بأسره.. ويمكن أيضا ان تندلع انتفاضة على نطاق واسع عند الإعلان عن جمال مبارك رئيسًا كما هو متوقعًا. إن معارضة توريث جمال للسلطة هي الشيء الوحيد الذي يجمع كل جماعات المعارضة المصرية : العلمانيون واليساريون ، والإسلاميون والمسيحيون والمسلمون ، وكتلة من السكان لا تشارك بنشاط في السياسة ولكن ذاقوا ذرعًا من حكم الطائفة الحاكمة.
شيء واحد سيحدث بالتأكيد : تزايد حدة التوتر في الأشهر الـ 18 المقبلة ، وعندها الأمور ستتحول الى ما هو أسوأ بكثير . وان تغرق البلد في حالة من الفوضى سيكون هناك مكمن الخطر الحقيقي .. والخوف من وقوع انقلاب عسكري لا سيما إذا حاول الإخوان المسلمون التقدم للاستيلاء على السلطة.
** ما مدى شعبية الاخوان المسلمين في مصر؟ وما هو رأيك في تقرّب واشنطن من مجموعة إسلامية لجعلها معتدلة او ديمقراطية ؟
*جماعة الاخوان المسلمين ليست شعبية في مصر. فضح اسطوره شعبية الجماعة-التي اكتسبت الانتشار الواسع في الغرب - هو أحد الأهداف الرئيسية للكتاب. ان أعضاء الجماعة يبلغون حوالى 500 ألف من السكان البالغ عددهم 78 مليون نسمة . وهناك مليون أو ربما أكثر من المصريين يتعاطفون مع أهدافها ، أو يدعمونها من باب الاعتقاد ان اي جماعة أخرى ستكون أفضل من النظام الراهن. يمكن القول ان الجماعة تحظى على الأقصى بتأييد نحو 2 ٪ من عدد السكان.
وهناك أسباب واضحة، على عدم صدى quot;تفسيراتها الأصولية للإسلامquot; بين عامة المصريين منها ان نوع الإسلام الذي يمارسه المسلمون في مصر هو خليط غير متجانس من السنية والشيعية والتقاليد الصوفية.
على سبيل المثال هناك ما لا يقل عن ستة ملايين من السكان في مصر - ما يقرب من ثلث البالغين الذكور من المسلمين - أعضاء في واحدة من الجماعات الصوفية وعلى الاقل ضعف هذا العدد من الرجال، إضافة الى ملايين لا تحصى من النساء والأطفال يشاركون في مهرجانات الصوفية تحت مسمى الموالد . ان هذه الأرقام -التي هي على الأرجح لمفاجأة للغرب - هي دليل على ان تغطية مصر في وسائل الإعلام الغربية تميل الى تحليل التطورات لصالح جماعة الأخوان بصورة حصرية ، على حساب غيرها من تيارات إسلامية رئيسة أكثر اعتدالاً.
إن الجماعة تدين quot;الموالدquot; وتصفها بأنها غير إسلامية ، وهذا سبب من ضمن عدد من الأسباب التي تفسر تضاءل عدد أعضاءها. فالجماعة تنظر الى الصلاة الى الأولياء وحتى الاحتفال بعيد ميلاد النبي محمد quot;صquot; كطقوس وثنية .
أضف الى ذلك إن حوالى 10 ٪ من عدد السكان مسيحيون ، وغيرها من الجماعات العرقية الكبيرة مثل البدو والنوبيين ، الى جانب العلمانيين والسنة المعتدلين وبعض القبائل فى صعيد مصر ، ومن هنا ليس صعبًا فهم سبب عدم حصول الجماعة على الدعم الجماهيري ولن تحصل أبدا . ان معظم المصريين يعيشون في رعب من حكم المتشددين الإسلاميين .
ولهذه الأسباب جميعًا وأعداد أخرى ، انا مستاء جدا من سياسة واشنطن الخارجية التى تشجع الحوار مع الاخوان كوسيلة لإيجاد بديل لنظام مبارك.. الأخوان بالطبع هم الجماعة السياسية الرئيسة المعارضة، ولكن كم عدد المصريين المهتمين بالسياسة ؟.. أقل من 2% أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة. كما ان الجماعة صنعها النظام نفسه , للاعتماد عليها quot;كفزاعةquot; سياسية لتخويف واشنطن من خطورة استيلاء التيار الإسلامي على السلطة إذا تمت الإطاحة به . ان خبراء السياسة الغربيين الذين يروجون للإخوان المسلمين يفعلون ذلك لصالح النظام من غير قصد وما يقومون به يعد بمثابة إساءة كبيرة إلى الشعب المصري.
** الكتاب يرسم صورة قاتمة عن مصر... تعذيب وفقر وفساد. ترى كيف وصلت الأمور إلى هذه النقطة؟
* كتاب quot;داخل مصرquot; يدل على ان جميع المشاكل فى البلاد تعود بشكل مباشر او غير مباشر الى انقلاب 1952 الذي أطاح بالحكم الملكي المدعوم من بريطانيا وتقدم جمال عبد الناصر والضباط الأحرار للسلطة. قبل الانقلاب كان هناك نظام ملكي دستوري و برلمان ديمقراطي ؛ بعد الانقلاب حظر ناصر جميع الأحزاب المعارضة. قبل الانقلاب كانت هناك وسائل إعلام حرة نابضة بالحياة ؛ بعد الانقلاب قام ناصر بتأميم الصحف وعين خدمه رؤساء تحرير. قبل الانقلاب كانت القاهرة بلادًا عالمية مثيرة للإعجاب ؛ بعد الانقلاب طرد ناصر الأجانب . ثم ظهرت بعد ذلك لعنة العروبة وتبخر الحلم مع مواجهة الواقع، ولم يجلب الى الشعب المصري لا شيء غير الهزيمة واليأس.
الاستعمار دائمًا سيئ ، وأنا لا أدافع عن فترة الاستعمار البريطاني في كتابي. بل أشير فقط الى ان الضباط الأحرار ورثوا الثروة والفساد عن الحكم الملكي المطرود ، تخلص من كل شيء كان جيدًا واستعاض عن كل ما كان سيئًا بما هو أسوأ. مصر الحديثة لها تاريخ طويل مع الاحتلال الأجنبي , من جانب الفرنسيين والعثمانيين والبريطانيين. وارى في كتابي ان مصر احتلت على نحو فعال من قبل العسكريين منذ عام 1952. العسكرية خلقت نظام ظالم لا هدف من وراءه الا : إدامة الحكم وزيادة الثروة والمنفعة وحتى يتحقق ذلك يجب إجبار الشعب على التبعية من خلال التعذيب المنهجي وغيرها من إشكال التخويف.
**ما هي فرص سقوط النظام المصري؟.. وإذا نجح الإسلاميون فى الاستيلاء على السلطة ، هل يخسر الشرق الأوسط ؟
*إذا قررت واشنطن الاستماع الى أصوات محللين السياسات وتنقلب على مبارك او خليفته من اجل الأخوان المسلمين ، فأنها لن تحقق quot;انتصارا للإسلامquot; ولكنها ستكتب نهاية مصر ومبادئ الديمقراطية والتعددية بالإضافة الى عواقب وخيمة على المنطقة تمتد على اوسع نطاق.. ان مصر هي الدولة الوحيدة التي يمكن ان تبقى بمثابة الجدار العازل أمام سيطرة الإسلاميين على الساحة السياسية.
ان جدول اعمال الإسلاميين لا يشمل فقط احتضان الديمقراطية ولكنها في الواقع تأخذه الى مستوى أعلى من المشاركة الشعبية الحقيقية.. الديمقراطيات الغربية تضمن المشاركة السياسية لجميع المواطنين بغض النظر عن الايديولوجيه أو الرأي أو الدين ولكن جماعة الأخوان المسلمين تجعل المشاركة السياسية للأفراد في المجتمع تخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية. في الغرب، الفروع التشريعية والقضائية للحكومة تراقب الإجراءات التي تتخذها الدولة لضمان مطابقتها لقواعد الديمقراطية : السلطات الثلاث تراقب كل متهم. لكن في البناء الإسلامي الإجراءات التي تتخذها الدولة تراقبها جماعة الإخوان المسلمين لضمان مطابقتها لقواعد الشريعة الإسلامية أو بمعنى آخر الإسلاميين يراقبون أنفسهم فقط.
جماعة الإخوان المسلمين تضمن حرية المعتقد فقط لإتباع الديانات السماوية الثلاث الإسلامية واليهودية والمسيحية. كما ان حرية تكوين الجمعيات التي تتمتع بها المنظمات الأهلية والمدنية في ظل نظام ديمقراطي في النظام الاسلامي يشترط انضمامها على أساس تمسكها بقيود الشريعة الإسلامية. ان الجماعة تعارض فكرة وجود دولة تقوم حصرًا على المؤسسات الديمقراطية المرتكزة على النمط الغربي: الحكومة الإسلامية تقوم على نظام الشورى والتبجيل للقائد والمرشد الأعلى.

وعندما وضعت جماعة الإخوان المسلمين أول برنامج سياسي مفصل في أكتوبر 2007 ، فانها كشفت ألوانها لحقيقية. تمنع المرأة والمسيحيين من تقلد منصب الرئيس ، ويقوم مجلس من رجال الدين الإسلامي بمراقبة الحكومة في خطوة لاحظ كثير من المراقبين انها تذكر بشكل مرعب بنموذج الدولة الإسلامية الإيرانية. الرئيس لا يمكن ان يكون امرأة ، لأن الواجبات الدينية والعسكرية لمنصب الرئيس تتنافى مع طبيعتها وغيرها من الأدوار الإنسانية والاجتماعية . المدهش ان قضايا المرأة نوقشت في إطار فصل quot;مسائل ومشاكلquot;، جنبًا الى جنب مع غيرها من مشاكل مثل البطالة وعمالة الأطفال. وبينما تم التأكيد على quot;المساواة بين الرجل والمرأة من حيث الكرامة الإنسانية، حذر من إثقال كاهل المرأة بواجبات ضد طبيعتها او ضد دورها في الأسرة.
دعنا لا ننسى أيضًا أن الجماعة تريد إحياء الخلافة. وإسقاط النظام المصري أمر حاسم لتحقيق هذا الهدف.والسؤال : كيف ستستطيع واشنطن العمل مع مجموعة من المتطرفين ؟ ولماذا يجب ان يعانى الشعب المصري من حملة الجماعة الحتمية لقتل التعبير الثقافي ، من الأدب الى مسابقات الجمال بدعاوى التكفير ؟
** هل يجب على واشنطن الاستمرار في دعم نظام مبارك؟ او ينبغي ان تستخدم ان أموال المعونة الأميركية quot;2 بليون دولارquot; المقدمة لمصر سنويًا لتشجيع قدر اكبر من الديمقراطية والإصلاح؟ وما هي مشورتكم للسياسة الأميركية تجاه مصر؟
* بالطبع أموال المعونة يجب ان يتم ربطها بالتقدم في عملية الإصلاح ويجب ان تضمن واشنطن قيام القاهرة بتحويل هذه الأموال الى مشاريع على مستوى القاعدة الشعبية لضمان الديمقراطية والإصلاح... يجب ان تحصل واشنطن على شيء مقابل أموالها. ان نظام مبارك لا يحتمل تسليم السلطة الى الأخوان. ومن بين المصريين لن يكون سعيدًا بصفع النظام ؟
إقليميًا، تأثير مصر قل بشكل كبير. من فلسطين الى العراق ولبنان الى سوريا وإيران. إنها الآن السعودية وليس هناك حليف أكثر ثقة لواشنطن في العالم العربي من آل سعود. وفي ظل ممارسة الضغوط، فإن النظام المصري لن يكون له إي خيار آخر سوى إدخال إصلاحات ذات معنى وحتى لو كان ذلك ببطء الا ان التحرك الى الإمام أفضل من أي تحرك على الإطلاق.
ان المصريين فى الوقت الحالي حلفاء لواشنطن. وبالنسبة إلى واشنطن التخلي عن الشعب المصري بترك الأمور تتفاقم، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر تقدم جماعة الأخوان المسلمين الى السلطة، كما لو أن الشعب المصري لا يستحق من الدنيا شيئًا أفضل، وأود ان أؤكد مرة أخرى، ان لو حدث ذلك سيعلن وفاة الديمقراطية والتعددية في جميع أنحاء المنطقة.
باختصار، يجب ان تفكر واشنطن على المدى الطويل وببطء في إعادة تقييم دعمها للنظام المصري في الوقت ذاته يجب أن تبذل قصارى جهدها من أجل حل القضية الفلسطينية التي يستغلها النظام لتحويل الانتباه عن أوجه القصور عنده . وينبغي ان تعترف ان جماعة الإخوان المسلمين مهمة حقًا كحركة سياسية لكن لديها دعمًا محدودًأ للغاية في أوساط الجماهير المصرية.