بطلان تعديلات السماح للنساء بإرتداء الحجاب
حرب دستورية في تركيا حول العلاقة بين الإسلام والسياسة
عطية صالح الأوجلي: فيما كان رجب الطيب أردوغان رئيس الوزراء التركي و رفاقه في حزب العدالة والتنمية يناقشون الخيارات المتاحة أمامهم في حال أصدرت المحكمة الدستورية قرارا بحل حزبهم فاجأهم قرارها القاضي ببطلان التعديلات الدستورية والتي تبنتها حكومتهم وأدت إلى السماح للنساء بارتداء الحجاب داخل الجامعات. فالمحكمة الدستورية التركية أصدرت قرارا بغالبية أعضائها (تسعة ضد إثنين) يقضي بعدم دستورية التعديلات التي إقترحتها الحكومة ووافق عليها البرلمان.
وكانت الحكومة التركية التي يرأسها حزب العدالة والتنمية تمكنت في فبراير الماضي من إدخال تعديلين دستوريين ينص أولهما على معاملة مؤسسات الدولة للمواطنين على قدم المساواة، بينما ينص الثاني على حق الجميع في التعليم. ورغم أن صياغة القرارين تجنبت الإشارة إلى قضية الحجاب بشكل صريح تفاديا للصراع مع القوى المحافظة (الجيش والعلمانيين) إلا أن هذا لم يحل دون تحول الحجاب إلى إيقونة للصراع حول هوية تركيا وخيارات مستقبلها وحول العلاقة بين الإسلام والسياسة والدولة. ويبدو أن هذه الأزمة مرشحة لمزيد من التصعيد إذا ما اختارت المحكمة حل الحزب الحاكم ومنع قيادييه من مزاولة العمل السياسي. وخطورة قرار المحكمة هذا يكمن في انه:
-يمثل اعتداء على الحريات الشخصية للمواطنين و على حقهم في ممارسة شعائر دينهم.
-يصبغ الشرعية على التمييز والتفرقة في المعاملات أمام مؤسسات الدولة.
-يحرم قطاعات من الشعب التركي من حقها التعليم الجامعي.
-يضرب العملية الديمقراطية في تركيا ويعتدي على اختصاصات البرلمان الذي يمثل الأمة ويملك حق التشريع.
-يؤجج حالة عدم الاستقرار السياسي ويؤثر سلبافي التطور الاقتصادي الذي عاشته أنقرة في السنوات الأخيرة.
-يزيد حجم الاحتقان في المجتمع التركي ويعظم الشعور لدى قطاعات واسعة من الأتراك بأن المنافذ الشرعية في وجه العمل السياسي الإسلامي قد أغلقت و يدفعها للبحث عن خيارات قد تجر تركيا نحو مصير لا يختلف عن جاراتها.
والجدير بالذكر أن قرار المحكمة الدستورية التركية قد صدر بعد يوم واحد من قرار للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اعتبرت فيه أن منع مدرستين من العمل لارتدائهما الحجاب لا يعد انتهاكا لحقوق الإنسان وحرياته. ويأتي هذا القرار وسط تزايد الإحساس لدى الأتراك بعدم جدوى الخيار الأوروبي وعدم قابلية حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي للتطبيق ويعمق هذا الإحساس الطريقة المهينة التي يتعامل بها بعض المسؤولين الأوروبيين مع الملف التركي والتصريحات التي يصدرونها بين الحين والآخر.
فالرئيس الفرنسي على سبيل المثال لا يترك مناسبة إلا ويغتنمها للتأكيد على استحالة هذا الانضمام. وفي انتظار ما سيسفر عنه القرار من تداعيات ستزداد حدة التوتر في المنطقة وستشعر منطقة الشرق الأوسط مجددا بأن حتى الخيارات الديمقراطية القليلة المتاحة أمامها آخذة بالتلاشي وأن شبح العنف والتمزق يطل عليها من كل الزوايا.
التعليقات