واشنطن: يُنظر للانتخابات الرئاسية الأميركية أواخر هذا العام (نوفمبر 2008)، على أنها ستكون نقطة محورية في التاريخ السياسي الأميركي، حيث تشهد، لأول مرة، منافسة أفريقي - أميركي (باراك أوباما) على منصب الرئيس، بعد فوزه على منافسته البيضاء (هيلاري كلينتون) في الانتخابات التمهيدية التي اتسمت بالشراسة منذ بدايتها في أوائل هذا العام على تسمية الحزب الديمقراطي، بعد استطاعته في أن يفوز بما يزيد عن عدد المندوبين المحدد للفوز بترشيح الحزب.
ضمان أصوات اليهود والبحث عن نائب
بعد الفوز الذي حققه السيناتور الديمقراطي ليكون مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، سعي أوباما إلى البحث عن حلول للعديد من المعوقات التي تواجه فرص فوزه بمنصب الرئيس. وقد بدأ التعامل مع تلك التحديات من المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأميركية ndash; الإسرائيلية (أبياك)؛ لكسب تأييد الجالية اليهودية الفاعلة في الانتخابات الأميركية، والمتوجسة من وصول رجل ذو خلفية إسلامية ورجل راغب في الحوار مع أعداء إسرائيل (حماس وحزب الله وإيران)، ألقي خلاله خطاباً حماسياً عاطفياً أكد فيه على التزامه بأمن إسرائيل، وكون القدس عاصمة لإسرائيل، ورغبته في الدخول في عملية السلام بما لا يُمثل تهديداً للمصالح الإسرائيلية.
كما تتطرق إلى أعداء إسرائيل بداية من إيران الساعية لامتلاك تكنولوجيا نووية - من وجهة النظر الأميركية ndash; والذي يُمثل إخلالاً بموازين القوي لغير صالح إسرائيل، وإن كانت مقاربة أوباما في السابق للأزمة النووية الإيرانية تختلف عن مقاربة نظيره الجمهوري جون ماكين ومنافسته السابقة هيلاري حين أعلن خلال مناظرة سابقة مع الأخيرة عن رغبته في الجلوس مع أعداء الولايات المتحدة بما فيهم إيران بدون شروط مسبقة ورفض قانون اعتبار الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية، إلا أن خطابه في أبياك اقترب بصورة شبة كبيرة من مقاربة منافسيه وكذلك إرضاء للجالية اليهودية وبالتبعية لتل أبيب، والتأكيد على منع تسلح حزب الله وحماس وعزلهما إقليميا وعالميا؛ انطلاقا من قناعاته بأنهما جماعات إرهابية.
وبعد الانتهاء وضمان أصوات اليهود تتجه الأنظار إلي البحث عن نائب له على بطاقة الترشيح ذو قدرة على ضمان أصوات البيض والطبقات العمالية وأصوات النساء والقاعدة الريفية التي لم تحسم أمرها بعد للتصويت للمرشح الأفريقي - الأميركي. ولهذا شكل باراك أوباما لجنة للتقصي من ثلاثة أعضاء تضم ابنة الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي. كارولين كينيدي للبحث عن أكثر الأسماء صلاحية لتكون نائباً له على بطاقة ترشيحه خلال المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي المقرر عقده في مدينة دينفر بولاية كولورادو ، ولعل أكثر المرشحين توقعاً لهذا المنصب منافسته quot;هيلاري كلينتونquot;، وتؤكد العديد من المؤشرات هذا التوجه، فضلاً عن تردد أسماء حكام بعض الولايات الريفية ليساعدونه في استقطاب أصوات البيض في ولايات أوهايو وكورادو وبنسلفانيا.
ومن تلك الأصوات الأكثر ترشيحاً حاكمة ولاية كنساس quot;كاثلين سيبليوس quot; وحاكم ولاية أوهايو quot;تيد ستريكلاند ، والذي رفض هذا المنصب مؤخراً. ومن المرشحين أيضاً الجنرال quot;جيمس جونز ، موفد وزيرة الخارجية الأميركية الخاص في الشرق الأوسط لشؤون الأمن، والذي شغل من قبل منصب عسكري بحلف الناتو . ويركز مستشاري أوباما على شخصية ذات خلفية في العمل العسكري لتفادي نقص خبرته العسكرية.
لماذا هيلاري كلينتون
ورغم تعدد الأسماء المطروحة لمنصب نائب الرئيس على بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي إلا أن الكثير من المؤشرات والتحليلات تدعم فرص هيلاري لتفوز بهذا المنصب بعد خسارتها في الانتخابات التمهيدية، لاسيما في الوقت الذي يحتاج فيه المرشح الديمقراطي باراك أوباما إلى أصوات النساء والعامل والمنحدرين من أصول دول أمريكا اللاتينية.
وفي تجمع أمام الآلاف من مؤيديها أعلنت هيلاري تأييدها لفوز أوباما، وتعهدت بالعمل بكل ما أوتيت من وقوة لمساعدة أوباما في الفوز على مرشحه في السباق إلى البيت الأبيض هذا العام. وتُشير العديد من التحليلات والآراء إلى أن إعلان هيلاري دعمها لبارك أوباما هو بمثابة طلب خفي منها لأوباما لكي يُرشحها لتكون نائبته في الانتخابات الرئاسية وفي المكتب الأبيض في حال فوزه.
ما يُؤيد من فرص هيلاري لتكون المرشحة لمنصب نائب الرئيس النتائج والمنافسة المحتدمة التي كانت تحققها في مواجهة أوباما على بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي. فمع كل فوز كان يتوقع أن هيلاري سوف تفوز ببطاقة الحزب. كما أنها نالت إعجاب وتقدير الفائز الديمقراطي باراك أوباما في العديد من خطاباته الانتخابية سواء أثناء احتدام المعركة الانتخابية أو بعدها، وتأكيد باراك على خبرتها بالعمل السياسي.
يطرح البعض هيلاري كنائب للرئيس حتى لا يخسر أوباما الثمانية عشر مليون صوت التي حصدتها خلال حملتها الانتخابية، ومعظمها من النساء والعمال البيض متوسطي العمر، والذين يُشكلون شريحة مهمة في الولايات المتأرجحة مثل فلوريدا وأوهايو ذات الثقل في الانتخابات الرئاسية.
ويرون أنه في حال عدم ترشيح أوباما لهيلاري لمنصب نائب الرئيس، فإن العديد من أنصارها قد يصوت للمرشح الجمهوري، أو أنهم قد لا يذهبون إلى الانتخابات في نوفمبر القادم للتصويت للمرشح الأفريقي ndash; الأميركي، الذي هو في أمس الحاجة إلى أصوات مؤيدي هيلاري في الانتخابات القادمة.
وهناك العديد من الأصوات الضاغطة لأن تحتل هيلاري المنصب الثاني مع أوباما في الانتخابات القادمة ومن تلك الأصوات quot;لاني ديفيس quot;، المحامي بإدارة الرئيس بيل كلينتون، وquot;بوب جونسونquot; مؤسس تلفزيون quot;بلاك انترتيمنتquot; الترفيهي ، الذي كتب رسائل لزعماء أميركيين من أصل أفريقي في الكونجرس يطالبهم بتسمية كلينتون نائبة لأوباما.
يري العديد أن ترشيح هيلاري سوف يعمل على توحيد صفوف الحزب الديمقراطي لاسيما الطبقة النسائية البيضاء الغاضبة لخروج هيلاري من السباق على منصب الرئيس، ويرون أن هذا أيضاً سيعمل على إنهاء مؤتمر الحزب الديمقراطي المقرر عقده في مدينة دينفر بسلام بدون متابع وعقبات.
هيلاري تبدد حلم الديمقراطيين بالبيت الأبيض
رغم تعدد المؤشرات والآراء الدافعة بهيلاري لأن تكون مرشحة لمنصب نائب الرئيس لباراك أوباما على بطاقة الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة، إلا أن الكثيرين يرون أن ترشيح هيلاري على بطاقة الحزب لن يعمل على تعزيز فرص أوباما للفوز بمنصب الرئيس. حيث أن ترشيح أوباما لهيلاري كنائب له يُعد خروجا عن شعار حملة أوباما quot;التغيير الذي نستطيع أن نؤمن به:quot;. فالكثيرين ينظرون إلى هيلاري على أنها جزء من الماضي الذي يجب العمل على تغيره. فهيلاري وزوجها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون يستطيعون تعبئة عدد من الشخصيات السياسية لاسيما الديمقراطية ولكنهما ليسا قادرين على جذب القيادات الجمهورية والمستقلة.
ويعارض البعض ما ذهبت إليه الأصوات المستندة إلى أن ترشيح هيلاري كنائب سوف يساعد أوباما على كسب أصوات النساء والطبقات العمالية والبيض والمنحدرين من أصول دول أمريكا اللاتينية. فمن يعارضون هذا التحليل يرون أن الناخبين في الانتخابات النهاية يصوت للرئيس وليس للنائب، ويرفضون ما ذهب إليه البعض من أن يظل الناخب الأمريكي المؤيد لهيلاري في البيت إذا لم تكن هيلاري على بطاقة الحزب كنائب للرئيس، وبذلك قد يفقدون أن يكون هناك مرشح ديمقراطي في البيت الأبيض، وموافقين على أن يكون هناك جمهوري يُتمم الفترة الثالثة لبوش.
انقسام الرأي العام حول ترشيح هيلاري
تُشير استطلاعات الرأي إلى أن لهيلاري مكانة لدي الديمقراطيين، ولعل هذا كان جلي في معظم جولات الانتخابات التمهيدية، ولكن العديد من استطلاعات التي أجرت مؤخراً تشير إلى أن الأمر ليس على هذا الحال بين الجمهوريين، والمحافظين بشقيهما السياسي والديني، والمستقلين، وهي الفئات التي يسعي أوباما مؤخراً إلى جذبها للتصويت له في انتخابات نوفمبر المقبل، في ظل الإشارات إلى انصرافها عن تأييد المرشح الجمهوري جون ماكين.
مستقبل هيلارى كلينتون فى إعلام أميركا
وفي خطاب اقل ما يوصف انه مؤثر وعاطفى إلى حد كبير أعلنت كلينتون والمتنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطى للرئاسة عن تعليق حملتها الانتخابية ndash; التى وصفتها وسائل الإعلام الأمريكية بالتاريخية ndash; ودعمها الكامل لأوباما ، كما دعت أنصارها ومؤيدها إلى ضرورة دعمه فى الانتخابات الرئاسية.
وبإعلانها هذا ثارت العديد من التساؤلات المتعلقة بمستقبلها السياسى بعد الأداء الرائع الذى ظهرت به فى حملتها الانتخابية فهل سيختارها أوباما لتكون معه فى مواجهة المرشح الجمهورى كنائبة للرئيس؟ أم أنها ستتجه وجهة أخرى غير العمل السياسى؟
هيلارى وفترة سلام مع النفس
نظمت صحيفة الواشنطن بوست حلقة نقاشية حول مستقبل المرشحة السابقة لتمثيل الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية الأميركية نهاية هذا العام. وفى البداية أشارت الصحيفة إلى أن الحياة العملية الحافلة التى عاشتها هيلارى كلينتون من كونها محامية مشهورة ثم مساعدتها زوجها بيل كلينتون على الوصول إلى البيت الأبيض ، نهاية بحملتها الانتخابية التاريخية للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى للانتخابات الرئاسية فى مواجهة السيناتور باراك أوباما الذى فاز بترشيح الديمقراطيين. ومن ناحيتها أكدت الصحيفة أنه الآن هو الوقت المناسب لها لكى تقرر ما الذى يجب عليها فعله فى الفترة القادمة ، فبعد الأضواء والشهرة التى عاشتها والتجمعات الجماهيرية التى كانت هى بطلها الأول والوحيد ، فانه من الملائم لها ndash; كما تقول الصحيفة ndash; أن تخلد إلى الراحة والصمت لبعض الوقت وان تنسحب لفترة من الحياة العامة ، وتقترح الصحيفة مكانا هادئا فى الولايات المتحدة يسمى بافانا وهى منطقة تقع فى ولاية ويست فيرجينيا ، وميزة هذا المكان أنها يمكن أن تستغله فى الراحة والاستجمام وتصفية الذهن من جميع المشاكل ، وتركز على القيام ببعض الطقوس الروحية مثل الصلاة أو الغناء ، فهذه الفترة تمثل عامل مهم من اجل أن تعيد اكتشاف قوة إيمانها وتعميق هذه القوة.
ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن هيلارى كلينتون يمكن أن تخرج من هذه التجربة أكثر سعادة وأكثر التصاقا بالواقع المعاش ، لذلك لن يكون من العجيب أن نجدها بعد هذه الفترة أن تذهب إلى الهند أو أفريقيا وتسخر جهودها لمكافحة مرض الايدز ، أو ربما يكون من الأفضل لها أن تظل عضوا فى الكونجرس الأميركى وتسخر جهودها لمساعدة هؤلاء المرضى الموجودون فى الولايات المتحدة الأميركية. وأكدت الحلقة النقاشية انه مهما كانت الوجهة التى ستسير فيها سيناتور نيويورك فان هذه الوجهة يجب أن تعطيها الشعور بالسلام والانجاز.
البحث عن وسيلة لتوحيد الديمقراطيين
وعلى صعيد آخر أشار ديباك شوبرا - مؤسس مركز واحد المتخصصين فى طب العقل والجسد واحد الحاضرين فى هذه الحلقة النقاشية - إلى أن الحزب الديمقراطى لم يعد كما كان هذا الحزب الموحد الذى يعرفه الشعب الأمريكى ، فبعد موسم طويل وشاق من الانتخابات التمهيدية ، والذى تخلله صراع محموم بين المرشحين كلينتون وأوباما ، فالحزب الآن فى حاجة إلى عدة أشياء مهمة ، خصوصا تخطى الآثار السلبية للصراع بينها وبين أوباما. فالحزب وأن يوحد قواه مرة أخرى خلف المرشح المختار ، كما ان عليها أن تعيد الأرواح الشرير ndash; على حد وصف شوبرا ndash; التى أطلقتها فى موسم الانتخابات. فأنصارها اندمجوا متأخرين جدا فى الحزب وسوف يواجه الحزب صعوبات كثيرة فى كسب تأييدهم لأوباما حتى لو كانت دعتهم هيلارى نفسها صوب هذا الاتجاه.
كما لفتت هذه الحلقة الانتباه إلى أن الولايات المتحدة فى حاجة إلى رؤية جديدة تستطيع التغلب على ثوابت الماضى العقيمة ، خصوصا مع تحول كل حديث عن المثالية والقيم إلى حديث عن الأعمال والأموال ، ورأب الصدوع الثقافية التى بدأت مع صعود اليمين فى عهد إدارة الرئيس الأميركى الأسبق نيكسون، وأوباما هو المرشح الوحيد الذى وعى هذه المشاكل بصورة كبيرة منذ البداية ولم يكن ليعتمد عليها فى حملته الانتخابية ، وان على هيلارى كلينتون أن تنضم إليه وأكثر من ذلك أن تقنع الناخبين والمؤيدين لها أن مثالية أوباما قد أثرت كثيرا على شخصيتها.
مستقبل واعد فى انتظار هيلارى
أما تونى روبنز فقد أشار إلى أن هيلارى كلينتون قد حققت عدد من الانجازات الغير مسبوقة خلال حملتها الانتخابية والتى لم يكن هناك أحداً يتصور انه يمكن تحقيقها ، فقد أثبتت أن المرأة يمكن أن تشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة وتنجح فيه ، كما أنها قد جمعت بين عدد من الأشياء المهمة منها الشغف الكبير لوضع رؤية مختلفة لمستقبل الأمة الأمريكية ، وأولت اهتماما كبيراً بتلك الفئات المنسية فى المجتمع ، فضلا عن إرادتها المدهشة التى لا تقهر والتى بثت روحا جديدا فى أفراد الشعب الأميركى والتى تدفعهم نحو مستقبل أفضل. ويمكن لها أن تستخدم هذه الوسائل من اجل إعادة توحيد الحزب الديمقراطى وخلق قوة دفع وزخم جديد للمرشح باراك أوباما. لذلك فان الكثير من المحللين والناخبين يروا أن يتم اختيارها كنائبة للرئيس مع أوباما فى الانتخابات الرئاسية ، الأمر الذى سوف يكون ذو تأثير كبير على مستقبلهما السياسى ، فكلاهما قائدين عظيمين. وأكد روبنز أن تاريخ هيلارى بدأ من الآن كعضو وقائد فى مجلس الشيوخ وكصوت للشعب الأميركي ، فهى تستطيع أن تستمر فى قيادة مسيرة التقدم الأميركى ، وفى المدى البعيد سيتجاوز تأثيرها الحدود السياسية.
ومن جانبه أكد إيد كوك عضو الكونجرس الأميركى وعمدة نيويورك السابق - أن هيلارى كلينتون قضت سنوات كثيرة من عمرها فى خدمة الولايات المتحدة وهى المرشح الأبرز لخلافة السيناتور هارى ريد زعيم الأغلبية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ بل إنها سوف تقوم بهذه المهمة بأسلوب مختلف تماما ومميز.
التعليقات