بيروت: مرة جديدة يُظهر لبنان quot;إنفصاماً في الشخصية المجتمعيةquot; أو إزدواجية بين توق أبنائه إلى الألفة والسلام وبين إستعدادهم للعودة إلى quot;لغّة السلاحquot;. ففي وقت كان يشهد قلب بيروت تطويب الأب يعقوب الحداد الكبوشي في لفتة خاصة من البابا بينيدكتوس السادس عشر الذي امر بإجراء رتبة التطويب للمرة الاولى خارج حاضرة الفاتيكان كتشديد على دور لبنان الرسالة والتلاقي بين الاديان، كانت طرابلس قلب الشمال تعيش مواجهات مسلحة هي الأعنف بين بعل محسن وباب التبانة منذ انتهاء احداث السابع من ايار، تستخدم فيها القذائف الصاروخية والهاون وتحصد اربعة قتلى وعشرات الجرحى. في هذا الوقت كانت مواقف بعض الاطراف السياسية امس تزيد من العقد الوزارية. ورغم هذا التخبط الذي تعيشه البلاد، يحصل لبنان على جرعة دعم معنوية ومادية في آن اليوم عبر مؤتمر الدول المانحة لإعادة إعمار نهر البارد في فيينا.

فقد حط مشروع الفتنة رحاله امس في عاصمة الشمال حيث اندلعت مواجهات بالاسلحة الرشاشة والصاروخية ومدافع الهاون منذ الصباح بين منطقتي بعل محسن العلوية وباب التبانة السنية، اوقعت المواجهات اربعة قتلى و40 جريحا على الاقل. وتحوّل شارع دمشق بين المنطقتين مرة جديدة الى خط تماس. وتفاقم الوضع سوءاً مع انتقال الاشتباكات الى احياء في القبة والملولة في طرابلس التي شهدت موجة نزوح للمواطنين.

وفيما تذرعت فاعليات في بعل محسن بأن مشايخ سلفيين هددوا اهل المنطقة باجلائهم الى سوريا، افادت معلومات لصحيفة quot;النهارquot; ان الهجمات التي شنت من بعل محسن على احياء التبانة والقبة والملولة عكست تحضيرات مسلحة وخططا لاستهداف المدينة وبعض قواها quot;بدرس مكمل لدروس بيروتquot;، على ما افاد معنيون بالاتصالات التي اجريت لاحتواء الموقف. وحذر هؤلاء من وجود نية مبيتة للضغط على قوى معينة في طرابلس بدليل ان الاسلحة الثقيلة التي استخدمت في بعل محسن كشفت انعدام التكافؤ في القوة المسلحة وقد شكلت الاضرار البشرية والمادية اثباتا واضحا لهوية الطرف الذي حضر نفسه لهذه المواجهة، باعتبار ان معظم الضحايا والجرحى سقطوا في احياء طرابلس وموجة النزوح لم تحصل في هذه الاحياء.

وقالت مصادر أمنية رفيعة لـصحيفة quot;الحياةquot; ان بوادر التوتر بدأت تهدد هذه المناطق منذ ثلاثة ايام عندما ألقي عدد من القنابل اليدوية من بعل محسن على باب التبانة، لكن الاتصالات ادت الى تهدئة الوضع ونجحت في استيعاب ردود الفعل من خلال الضغط على اهالي باب التبانة ومنعهم من الرد. وأكدت المصادر نفسها ان رئيس كتلة quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري تدخل ضاغطاً على اهالي باب التبانة داعياً إياهم الى ضبط النفس وعدم الرد، مشيرة ايضاً الى دور قيادتي الجيش وقوى الأمن الداخلي ومسؤولين في طرابلس، إضافة الى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار.

ورغم مسارعة فاعليات المدينة الى عقد اكثر من اجتماع في منزل مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار، بالاضافة الى اجتماع في ثكنة الجيش اللبناني في القبة اتفق خلاله على quot;ميثاق شرفquot; لاحتواء الموقف المتفجر، وعلى تسليم الجيش مهمة حفظ الامن وقمع المظاهر المسلحة، الا ان الاشتباكات تجددت بعنف ليلا وتساقطت القذائف الصاروخية على مناطق التبانة والبقار والقبة ومحيط المسجد المنصوري الكبير في وسط طرابلس. وظلت الاجتماعات مفتوحة في دارة المفتي الشعار. وعلمت quot;النهارquot; أن الاخير اجرى اتصالا هاتفيا ليلا بالرئيس سليمان الذي كان يواكب هذه الاجتماعات واطلعه على نتائجها وطلب منه اجراء اتصالات حثيثة من اجل حل المشكلة وتطبيق بنود الوثيقة التي تم الاتفاق عليها. ورد سليمان مؤكدا ان الجيش على اهبة الاستعداد لفرض الامن والهدوء في جميع المناطق في الشمال.

وكان quot;ميثاق الشرفquot; الذي وقعه الافرقاء الطرابلسيون وممثلون لمنطقة جبل محسن والذي انتهك قبل ان يجفّ حبره، تضمن جملة بنود منها quot;وقف نار شامل ابتداء من التاسعة ليل الاحد، وسحب جميع المسلحين من الشوارع وخصوصا من نقاط الاحتكاك بين مناطق القبة والبقار والتبانة وجبل محسن، ورفع الغطاء عن كل مخل بالامن، ودعوة الجيش والقوى الامنية الى ممارسة دورهما في حماية المواطنين ومنع الاخلال بالامن وفضح كل المحرضين والمندسين والمساهمين في توتير الاجواء. ودعوة الجيش الى مصادرة مستودعات السلاح حيثما وجدت دون اي اعتبار للسقف السياسي الذي يغطيها، وتشكيل لجنة متابعة برئاسة المفتي الشعارquot;.

وقد حمّل عضو quot;تيار المستقبلquot; النائب سمير الجسر العماد ميشال عون وquot;حزب اللهquot; مسؤولية الاشتباكات التي حصلت امس في طرابلس. وقال ان تصريحات عون عن وجود عمليات تسلح في المدينة اعقبها تحذير لـquot;حزب اللهquot; من خطورة هذا التسلح وترت الاوضاع وتسببت بالاشتباكات. ودعا الجيش الى فرض الامن، وقال: quot;نحن اعتقدنا بعد اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس جديد ان صفحة المشاكل قد طويت ولكن على ما يبدو اننا مخطئون في هذا التقديرquot;. كذلك اتهم عضو التكتل الطرابلسي النائب محمد كبارة quot;حزب اللهquot; بنقل معركته بعد اجتياح بيروت الى البقاع، والآن جاء دور عاصمة الشمال التي يريدون الانتقام منها وتطويعهاquot;. واعتبر احداث طرابلس quot;ترجمة للتهديدات السافرة الى حد الوقاحة التي سمعناها من احد مسؤولي quot;حزب اللهquot; ... ومحاولة لاسقاط اتفاق الدوحة بالتزامن مع استمرارهم في تعطيل تشكيل الحكومةquot;.

وقالت اوساط مطلعة لـquot;النهارquot; ان الوضع المتفجر في طرابلس، بعد البقاع الاوسط، سيشكل بندا ساخنا اضافيا على جدول اعمال القمة الروحية المقرر عقدها غدا في قصر بعبدا والتي اراد الرئيس سليمان من الدعوة اليها اطارا دينيا وروحياً جامعا لاحتواء الفتنة المذهبية والدفع نحو مصالحة وطنية عامة وحافزا للقوى السياسية نحو تسهيل تشكيل الحكومة والانطلاق بالحوار السياسي في قصر بعبدا. وحذرت هذه الاوساط من ان يكون هدف الفتنة المتنقلة احباط جهود رئيس الجمهورية وزيادة العقد في وجه تأليف الحكومة لاهداف قد تتجاوز البعد الداخلي الى ابعاد اقليمية وخارجية بدأ يتكشف بعضها في الايام الاخيرة مع تصاعد الحديث عن ملفات اقليمية منها المفاوضات السورية - الاسرائيلية والملف النووي الايراني وما بينهما ملف مزارع شبعا.

واشارت صحيفة quot;السفيرquot; الى انه بينما كانت قوى المعارضة تستعد للطلب من الجانب القطري واللجنة الوزارية العربية التدخل لإنقاذ اتفاق الدوحة، في موازاة مبادرة تكتل التغيير والإصلاح الى التقدم، اليوم، باقتراح قانون معجل مكرر الى الأمانة العامة لمجلس النواب حول تقسيم الدوائر الانتخابية استناداً الى اتفاق الدوحة، بدا أن الجميع بدأ يتكيف مع واقع أن البلد دخل في أزمة مفتوحة ولو أنه لا يريد أن يقر بذلك علناً.

هذا، واحتدم السجال السياسي امس خصوصا بين العماد عون ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي قال لجريدة quot;در ستاندردquot; النمساوية قبل سفره الى فيينا، إن عون quot;يريد وزارة سيادية لتكتله وهو يعتبر أنه يمثل المسيحيين في لبنان بدلاً من الرئيس اللبناني أو غيره ويظن أنه بما أنه لم يصبح رئيساً يجب أن يحصل على التعويض عن خسارتهquot;. ورأى السنيورة أن quot;حزب اللهquot; quot;يعتبر عون درعاً بما أنه يعطيه تمثيلاً أوسع في البلادquot;. وكان ردّ عون عبر صحيفة quot;الاخبارquot; فاشار الى ان السنيورة لا يزال، كما وصفه في الاستشارات النيابية، quot;مشروع حربquot;. وقال إن السنيورة يؤكد يوماً بعد آخر أنه كذلك. وطالب عون رئيس الجمهورية بـquot;مبادرة استثنائية بالدعوة الى استشارات نيابية جديدة لتسمية رئيس مكلف جديد لأن السنيورة فشل. وفي وسع الرئيس الدعوة إليها بعدما تبيّن تعذر تأليف حكومة جديدة. السنيورة، كجماعته، لا يريد حكومة جديدةquot;.

من جهته، قال الرئيس بري لصحيفة quot;السفيرquot; إن الأمور لا تحتمل أن تستمر على ما هي عليه على صعيد التأليف الحكومي وقد كان يفترض أن تؤلف الحكومة في الأسبوع الأول من التكليف لكن مع الأسف لم يحصل ذلك، وأصبحنا نسمع الآن حديثاً عن مهلة مفتوحةquot;، وتابع quot;في أي حال، فإن كل الكلام الذي قلته يوم الأربعاء الماضي من القصر الجمهوري، ما يزال صالحاً بكل مفرداته وكلماته اليوم وربما غداًquot;.

وفيما لم تتوقف الاتصالات والمشاورات بين بري والنائب سعد الحريري، بينما كانت متوقفة نهائياً بين عون والسنيورة، برز اقتراح لافت للانتباه، مصدره عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب حسن فضل الله، الذي سأل، عبر شاشة quot;نيو تي فيquot; فريق الموالاة والرئيس المكلف أن يعطي رأيه في مخرج مزدوج الاتجاه، ويتمثل في إعطاء منصب نائب رئيس مجلس الوزراء لممثل quot;التيار الوطني الحرquot; عصام ابو جمرة (أرثوذكسي)، على أن تسند حقيبة الاتصالات الى أحد وزراء quot;التكتلquot; اذا افترضنا أنهم لن يتنازلوا له عن حقيبة سيادية. وفيما رفض مصدر بارز في تيار quot;المستقبلquot; التعليق على الاقتراح عبر quot;السفيرquot;، رفض أحد أعضاء quot;تكتل التغييرquot; التعليق أيضا، لكنه أكد استمرار تمسك العماد عون بالحقيبة السيادية. وقال مصدر قيادي بارز في المعارضة لـquot;السفيرquot; إننا دخلنا عملياً في قلب المنطقة الحمراء وربما تكون قد انتهت فترة السماح للسنيورة وهناك مطالبة من جانب المعارضة للفريق القطري الذي رعى ووقع وضمن اتفاق الدوحة، بالتدخل لحماية الاتفاق، في ظل عجز الرئيس المكلف عن تقديم اقتراحات.