باحث اقتصادي لإيلاف:بن علي اعترف بغياب الشفافية وخلل توازن التنمية
ارتياح في تونس بعيٌد إجراءات بن علي لفائدة 'قفصة'
إسماعيل دبارة من تونس:
توالت ردود الأفعال المرحّبة بإجراءات الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لفائدة متساكني محافظة قفصة الجنوبية التي تشهد منذ يناير الماضي احتجاجات اجتماعية عنيفة كردّ فعل على استشراء البطالة و الفقر و غلاء الأسعار و غياب الشفافية في انتدابات الشغل و خصوصا ما حصل مع شركة فسفات قفصة من محسوبية أوقدت فتيل الأزمة التي دامت شهورا طويلة.

متساكنو قفصة خرجوا فور إعلان الرئيس بن علي عن الإجراءات الجديدة في مسيرة حاشدة شاركت فيها جموع غفيرة من المواطنين و بإشراف من أعضاء التجمع الدستورى الديمقراطي (الحزب الحاكم) وممثلى مكونات المجتمع المدنى من مختلف معتمديات المحافظة للتعبير عن quot;مشاعر الامتنان والعرفان بالجميل للرئيس زين العابدين بن على لما اقره من إجراءات رائدة لفائدة هذه الولايةquot; على حدّ ما نقلت الصحف الرسمية و التلفزيون الرسمي.
وأكد أبناء ولاية قفصة خلال هذه المسيرة إكبارهم لـquot;هذه اللّفتة الرئاسية السامية وبالغ ارتياحهم وتقديرهم لما اقره رئيس الدولة من مشاريع وبرامج ذات أبعاد إستراتيجية شملت مختلف قطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعزيزا لما شهدته الجهة من مكاسب ساهمت في تحويل قفصة إلى قطب تنموي نشيط.

كما رفع المواطنون في المسيرة شعارات امتنان للرئيس بن علي و ناشدوه الاستجابة لنداءات التونسيين والترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 .
أحزاب الموالاة من جهتها أصدرت بيانات اعتبرت فيها قرارات بن علي الأخيرة حرصا منه على المضي قدما في quot; دفع مسار التنمية العادلة والمتوازنةquot;
و أكد حزب الخضر للتقدم إن القرارات تؤكد quot;العزم الراسخ على تمتيع كل أبناء هذا الوطن بقسطهم من الثروة الوطنية وتوفير أسباب العيش الكريم لجميع المواطنين دون إقصاء أو تهميشquot;.
وعبّر عن ارتياحه لمنهجية الحكم في تونس القائمة أساسا على الاستماع إلى مشاغل المواطن وانتظاراته ومطالبه والتفاعل الايجابي معها مجددا تمسكه بمبادئ الحوار الاجتماعي والتواصل السلمي باعتبارها الضامنة لحماية مكاسب البلاد ولتحقيق المزيد من النجاحات والانجازات .

أما الحزب الاجتماعي التحرري فقد اعتبر الإجراءات الرئاسية المعلنة quot;تأكيدا لمفهوم التنمية المتضامنة والمندمجة التي ميزت السياسة الاقتصادية والاجتماعية في تونس و أشار إلى أن القرارات المتخذة quot;كانت شاملة لمختلف أوجه النشاط الاقتصادي ومظاهر الحياة الاجتماعية للمواطنين بالمنطقة لا سيما فئة الشباب.quot;

من جهته أعرب حزب الوحدة الشعبية عن تفاعله الايجابي مع القرارات الرئاسية وثمنها باعتبارها تدفع باتجاه تنمية الجهة .
أما ما يسمى بأحزاب المعارضة الاحتجاجية أو الراديكالية فلم تعلق إلى حدّ إعداد التقرير رسميا على إجراءات الرئيس بن علي ، إلا أن مصادر مقربة أشارات إلى أن القرارات quot;لا تعدو كونها مسكّنات ظرفية من الصعب أن تحلّ مشكلة الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت في منطقة الحوض المنجمي ، ولم يخف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أهمية القرارات الرئاسية و إن اعتبرها 'متأخرة بعض الشيء'.
إيلاف التقت الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد فرحات حمّودي بشأن الإجراءات الأخيرة التي أعلن عنها الرئيس بن علي .

و قسّم حمّودي خطاب الرئيس بن علي إلى قسمين اعتبرهما في رأيه حاملين لرسائل وجب التوقف عندها .
و استنادا إلى الباحث يحوي القسم الأول اعترافا من الرئيس التونسي بخللين أساسيين يفسران اندلاع الحركة الاحتجاجية بقفصة و المناطق المحيطة بها وهما غياب الشفافية عند الانتداب وخلل توازن التنمية .
أما المحور الثاني للخطاب فجاء كمجموعة من المشاريع الهامة المزمع انجازها في مجالات الصناعة والفلاحة والسياحة والبيئة والثقافة والرياضة بهدف الحد من البطالة وتحسين البنية الأساسية والنهوض بالاستثمار و بكلفة تقدّر ب1302 مليون دينار وهو ما يمثل 8,5 بالمائة من موازنة الدولة لسنة 2008 والتي قدّرت ب15342 م د .

كما تمثل كلفة هذه المشاريع 41,41 بالمائة من المصاريف العمومية المخصصة للتنمية والتي قدّرت ب3144 م د لذات السنة.
وطرح حمّودي عدد من التساؤلات بخصوص القرارات الرئاسية من قبيل ما مدى نجاعة هذه الإجراءات من الناحية الاقتصادية؟ إذ أن الاعتمادات التي سترصد للمشاريع المزمع انجازها تعتبر ضخمة ممّا قد يزيد في تعميق عجز الموازنة العامة والذي سيرتفع من 1248 م د إلى 2550 م د سنة 2008 مسجلا بذلك ارتفاعا بنسبة 176 بالمائة مقارنة بعجز الموازنة العامة سنة 2007 وهو ما سيزيد في حجم المديونية في ظرف يتسم بارتفاع مشط في أسعار المواد الأساسية مما يرفع في فالاعتمادات المرصودة لصندوق الدعم فهل سنشهد تخفيضا في حجم دعم المواد الأساسية ما يهدد الطاقة الشرائية للمواطن؟

و اعتبر حمّودي في تصريحاته لإيلاف أن تونس تمرّ بنهاية مرحلة اقتصادية و اجتماعية هامة من ملامحها حركات احتجاجية كبرى تفرض على الحكومة إجراءات قد تجرها إلى أزمة اقتصادية حقيقية.
و أضاف :quot; الحل الجذري لمعضلة التنمية اللامتوازنة لا يكون بالحلول الارتجالية ذات الصبغة الدعائية كالتي عمدت إليها الحكومة من خلال هذه الإجراءات ، بل يكون قطعا بانكباب كل الأحزاب على المشاركة في بناء التصورات ورسم الخيارات التنموية طويلة المدى.quot;

و للتذكير فإن الرئيس التونسي اتخذ جملة من الإجراءات في عدة مجالات لفائدة متساكني محافظة قفصة المتضررة من توزيع الثروة ومن ذلك تعزيز النشاط الفلاحي بالمنطقة من خلال بعث مشروع ثان بها للتنمية الفلاحية المندمجة بكلفة جملية تقدر بـ 25 مليون دينار دعما للمشروع الأول الذي تم انجازه خلال المخطط العاشر للتنمية فضلا عن انجاز دراسة لمشروع التنمية الفلاحية المندمجة بشمال محافظة قفصة لفائدة 28 منطقة ريفية يقطنها قرابة 168 ألف ساكن.
أما في مجال التنمية الصناعية والتكنولوجية فقد أمر بن على ببعث مركب صناعي وتكنولوجي متكامل العناصر والمكونات بسائر معتمديات الحوض المنجمى يمتد كل مركب منها على مساحة 25 هكتارا ويشتمل على فضاءات إدارية و خدماتية ومركز عمل عن بعد ومركز نداء ومحلات صناعية تمتد على مساحة 6000 متر مربع وقرية حرفية مع ربط كل مركب بالألياف البصرية.

كما رصد 300 مليون دينار لفائدة صندوق إعادة وتوجيه وتنمية المراكز المنجمية وشركة فسفات قفصة للمساهمة في رأس مال الشركات التي يتم إحداثها في مرحلة أولى لاستيعاب المزيد من طالبي الشغل ومن ذلك إحداث معمل للاسمنت بكلفة 300 مليون دينار من المرجح أن يوفّر 300 موطن شغل علاوة على الشراكة المزمع إنشاؤها بين مجموعة من أصحاب الأعمال التونسيين والأجانب لتحقيق انجازات بالحوض المنجمي في قطاعات الفلاحة والمواد الإنشائية والصناعات المعملية والخدمات.
وفي قطاعي الشباب والرياضة تقرر إحداث مركب شبابي متعدد الاختصاصات بمعتمدية المتلوّي بكلفة مليون و250 ألف دينار.

كما تم اتخاذ جملة من الإجراءات بهدف تحسين ظروف عيش المواطنين من خلال تزويد 2400 عائلة بقفصة الشمالية بالماء الصالح للشراب بكلفة تقدر بمليونين و 300 ألف دينار.