عبد الخالق همدرد من كراتشي: بعد غياب كامل عن الساحة لمدة خمس سنوات أخيرا انكشف الغبار عن فقدان الدكتورة عافية صديقي من كراتشي عام 2003 ، إذ أقرت السلطات الأميركية باعتقالها من أفغانستان ونقلتها إلى نيويورك لتمثل أمام محكمة، قد تدينها بالسجن لـ 40 سنة إذا ثبتت الاتهامات الأميركية ضدها.

والقصة تقول إن السلطات الأفغانية اعتقلتها في ولاية غزني وسط أفغانستان خلال شهر يوليو المنصرم. وقد عثرت على مواد كيماوية وصور تشرح معالم نيويورك إضافة إلى بعض وصفات لتصنيع أسلحة كيماوية. فتم تسليمها إلى القوات الأميركية لإجراء التحقيق معها.

وتواصل القصة بأن عناصر القوات الأميركية عندما بدأوا التحقيق معها quot; تنمرتquot; عافية وسلبت بندقية من إحدى الجنود وأطلقت رصاصتين على ضابط برتبة نقيب؛ إلا أنها هي التي أصيبت برصاصتين لجندي آخر كان هناك. وبذلك ارتكبت quot;جريمة الهجوم على جندي أميركيquot;. وهذا اتهام جديد أضيف إلى محضر الاتهامات إلى جانب اتهامات علاقاتها مع القاعدة؛ بيد أن الغموض والشبهات تحوم حول ذلك الادعاء؛ لأن المعتقلين لا يكونون في وضع يقدرون على استلاب بندقية من يد جندي متيقظ ومراقب لمجرم خطير من درجة عافية صديقي.

وإذا ما سلمنا تلك القصة، فإن اعتقال الدكتورة عافية تثير أسئلة كثيرة على الصعيد الداخلي والدولي في آن واحد؛ لأن هناك المئات من المواطنين الباكستانيين مفقودون منذ بداية quot; الحرب على الإرهابquot; وليس لدى ذويهم أي خبر عن مواقع تواجدهم أو احتجازهم. وترى منظمات حقوقية أن كل أولئك راحوا ضحية الحملة الاعتقالية في إطار الحرب على الإرهاب.

وقد اعترف العام الماضي باعتقال الكثير من المواطنين الباكستانيين بعض كبار المسؤولين الباكستانيين بمن فيهم الجنرال مشرف العام الماضي مبررين بأن اعتقالهم كان ضروريا للقضاء على الإرهاب الإقليمي، في حين تشدد المنظمات الحقوقية وذووا المعتقلين على محاكمتهم في المحاكم بدلا من وضعهم في المعتقلات المجهولة وإرغامهم على الاعتراف بالتورط في الإرهاب.

والحقيقة أن اعتقال الدكتورة عافية عام 2003 في وضع غامض تذكّر بمعتقلات وكالة التحقيقات المركزية الأمريكية غير المشروعة في بعض دول العالم. كما أنه يشير إلى انتهاك حقوق الإنسان ونقل المعتلقين إلى دول آخرى دون اتباع الطرق المشروعة، وإلا كيف تم اعتقالها في غزني وهي غابت في كراتشي قبل خمس سنين مع ثلاثة من أطفالها.

وقد أشارت مفوضية حقوق الإنسان لمنطقة آسيا إلى تواجد 52 معتقلا غير مشروع على الأراضي الباكستانية؛ إلا أنه لم يكن من الواضح هل كان فيها معتقلات تشرف عليها الـ سي آي أيه؛ لأن المعطيات لم تشر إلى تواجد معتقلاتها على التراب الباكستاني حتى عام 2007؛ لكن رغم ذلك هناك اعتقاد بأن باكستان تقوم بتسليم المعتقلين إلى الولايات المتحدة. وإن قصة عافية صديقي تشير إلى مدى ضلوع باكستان في نقل المعتقلين خارج البلاد.

ومن ناحية أخرى فإن محاكمة عافية صديقي في نيويورك أيضا محل نظر، إذ أعلنت الخارجية الباكستانية فور مثولها أمام المحكمة بأن السفارة الباكستانية في واشنطن تحاول للتوصل إليها ونقلها إلى باكستان؛ بيد أن الولايات المتحدة ترغب في إبقائها على أراضيها بسبب احتمال علاقاتها مع القاعدة وهجمات 9/11. والسؤال الأهم هنا: من له حق محاكمة عافية؟ وقد يؤدي الخلاف في هذا الصدد إلى توتر دبلوماسي بين باكستان والولايات المتحدة. وذلك ما سيكشف مدى التعاون بين باكستان والولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب وتسليم المتهمين دون انتهاك لحقوق الإنسان.

أضف إلى ذلك أن باكستان في حاجة إلى إعادة القضاة المقالين إلى مناصبهم في هذا المنعطف الخطر أكثر من أي وقت مضى؛ لأن الدكتورة عافية دليل على نقل المعتقلين الباكستانيين خارج البلاد، بينما تمت إقالة القضاة بعد أن وضعوا علامات استفهام أمام دور الأجهزة الأمنية وأبدوا عن رغبتهم في استدعاء كبار ضباطها للكشف عن الحقائق حول المواطنين المفقودين. كما أن المحاكم استطاعت إطلاق سراح العديد من المفقودين من المعتقلات المجهولة.

ومن الجدير بالذكر أن الجنرال مشرف قد برر لإقالة القضاة وفرض حالة الطوارئ في البلاد في 3 نوفمبر بأن المحكمة بدأت تتجاوز حدودها وقد أطلقت سراح quot; إرهابيين quot; اعتقلتهم الحكومة.

أما على الصعيد الدولي فإن محاكمة الدكتورة عافية تثير أسئلة كثيرة إزاء التعامل القانوني مع المعتقلين باتهام الإرهاب على المستوى الدولي؛ لأنها مواطنة باكستانية وقد اعتقلت في أفغانستان وبدأت محاكمته في الولايات المتحدة، علما أن الولايات المتحدة لا تزال تدافع عن موقفها عن محاكمة الإرهابيين المتهمين في محاكم عسكرية وحرمانهم من حق محاكمتهم في المحاكم المدنية، مبررة بأنه تم اعتقالهم من ساحة الحرب في أوضاع لا يمكن الحصول على دلائل ضدهم تقتنع بها المحاكم المدنية.