تفجير الثلاثاء يضاعف القلق من (حمام دماء)
انتحاريو القاعدة يضربون مجددا في الجزائر
كامل الشيرازي من الجزائر:أتى التفجير الانتحاري الذي شهدته الجزائر، الثلاثاء، ليمثل حلقة جديدة من هجمات انتحاريي القاعدة في الجزائر، ويثير قلقا متجددا لدى السكان المحليين من (حمام دماء) يتهدد جزائر 2008، ويتركها رهينة أعمال عنف من طراز أشرس وأخطر نوعية، ولعلّ مشهد المدرسة العليا للدرك الجزائري وقد جرفت معها عشرات الضحايا، يزيد من اتساع المخاوف إزاء ما يمكن أن تفعله فرق الموت خصوصا مع تصعيد إرهابي أشدّ وطأة من السابق، حيث صار الشارع المحلي منشغلا الآن بتساؤلات عما تخفيه المرحلة القادمة، خصوصا مع تحدث quot;عبد المالك دروكدالquot; المكنّى quot;أبو مصعبquot; أمير quot;قاعدة بلاد المغربquot; عن طوابير من الانتحاريين تنتظر بدء عملياتها، ويبحث مراقبون عن خلفيات تصعيد الاعتداءات الإرهابية في بلد اعتاد على التشويش منذ تسعينيات القرن الماضي، برغم جزم السلطات الجزائرية بأنّ التهديد الإرهابي للأشخاص والممتلكات أصبح محدود التأثير.الجزائر: مؤسس quot;الجماعة السلفيةquot; يدعو المتمردين إلى التوبة
وبتنفيذها اعتداء الأمس بالجزائر، بواسطة حزام ناسف وسيارة محشوة بقنبلة ndash;وهو أسلوب مزدوج لم تستخدمه القاعدة قبلا-، يكون التنظيم المتمرد الأكثر دموية في الجزائر قد دشن مرحلة جديدة في خططه لتلغيم الساحة المحلية، بعدما وظف أساليب عديدة كان آخرها مهاجمته قافلة عسكرية بواسطة دراجة نارية ببلدة الأخضرية الشهر الماضي ما خلّف 13 جريحا، بجانب ما راج عن محاولته استهداف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة غداة زيارته لمدينة البويرة في الفترة ذاتها.
ويلاحظ خبراء أمنيون تحدثوا لـquot;إيلافquot; فإنّ الـ60 عملية منفذة خلال الأشهر المنقضية، تؤشر على تشكل ما صار يطلق عليه quot;مثلث الموت الجديدquot; بمنطقة القبائل الكبرى، فغالبية الهجمات كانت ولايات بومرداس- تيزي وزو والبويرة مسرحا لها، وهو ما يفسره متابعون برغبة زعامات القاعدة في كسب رهان الإبقاء على هامش حراكها في أكبر معاقلها شرقي العاصمة، والمواصلة في تحقيق اختراقات على مستوى الجدار الأمني المضروب على مستوى مثلث الموت المذكور.
ويقرأ محللو الشأن الأمني، ما حمله هجوم الأمس، بمبدأ ثابت في حسابات القاعدة وتصميمها على استخدام مفتوح ومتجدد لكل الوسائل المتاحة لديها، بعدما شاع الاعتقاد أنّ تنفيذ هجمات باستخدام سيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة quot;أصبح شبه مستحيلquot; تبعا للتحصينات الموجودة هنا وهناك، فارتضى هؤلاء تحوير إستراتيجيتهم السابقة والجنوح إلى توظيف تقنيات غير متعوّد عليها، في منعرج يروم التغطية على الخسائر الفادحة التي مني بها المتمردون في معاقلهم التقليدية، وإعطاء انطباع مفاده quot;محافظة المسلحين على قدرة عملياتية كاملةquot; رغم التضييق الذي يفرضه الجيش على أكثر من صعيد، وهو ما يعني أنّ طرق المواجهة صارت تنحصر في سياق (التحدي المباشر) للقوى الأمنية.
وحتى وإن جزم خبراء إنّ أسلوب quot;التمويهquot; المتبّع من طرف القوى الأمنية، أخلط أوراق المتمردين، حيث لم يعد بوسع هؤلاء استهداف مسؤولين حكوميين تبعا لما أصبح يغلّف خرجاتهم الميدانية، فإنّ الأمن الجزائري الذي انتصر في ''حرب تقليدية'' على المتمردين ونجح في تحييد خمسمائة مسلح، واسترجاع ستة آلاف قطعة سلاح ، مدعو لخوض جولة حاسمة بأدوات جديدة، طالما أنّ الخطة الأمنية المتبعة في الفترة الماضية كشفت محدوديتها، مع توالي الاختراقات الكبرى منذ تفجيرات 11 أبريل/نيسان 2007 الدامية، وهو ما يزيد من اتساع رقعة المخاوف، إذا لم تتحرك أجهزة الأمن بسرعة لصدّ خطر تصعيد محتمل، لذا يرى محللون، بحساسية انتصار السلطات لتكتيكات مغايرة، بهذا الصدد، يلّح معلقون على أنّ الأجهزة الأمنية مدعوة لتحصيل معلومات ميدانية تتعلق بنشاط فرق الموت، والتحرك السريع لصدّ خطر تصعيد محتمل، من خلال إقرار إجراءات تفتيشية مشددة لأصحاب الشاحنات والسيارات النفعية وحتى صهاريج المياه.
ويرى المختص في الشأن الأمني الجزائري quot;فيصل أوقاسيquot;، إنّ تفجير القاعدة يمثل رسالة من ناشطي القاعدة، بأنّ تنظيمهم لا يزال يشكّل quot;خطرا دائماquot; وأنها quot;تستطيع الضرب بقوة متى شاءت وحيثما شاءتquot;، ويلاحظ أوقاسي إنّ المسلحين باتوا يراهنون على عاملي الاستعراض والهجمات الخاطفة المتكررة، التي لا تكتفي بالضرب في محيط العاصمة فحسب في منطقة القبائل الكبرى، فضلا عن باقي محافظات البلاد، كما تعتمد على تنفيذ عمليات متفرقة في المناطق الحساسة تمهيدا لاختراقات متجددة لعاصمة البلد، بغرض تحقيق دوي أكبر من خلال اصطناع quot;صدى إعلاميquot; لعملياتها.
ويذهب مراقبون إلى أنّ القاعدة وبعد مجازرها المدوية في الجزائر خلال العام الماضي، تريد حربا ''على الطريقة الإيرلندية'' تعتمد على طول المدى واللامتناهيات، رغم علمها بأنّ ذلك لن يعينها لا على إنتاج دولة (إسلامية) ولا على احتواء الجماهير التي يتضاعف كرهها لهذه القاعدة التي جعلت من الترويع والهمجية عنوانا له.
ويسجل خبراء أمنيون، إنّ التنظيم الدموي يسعى إلى تحدي السلطات، التي أعلنت غداة التفجير الانتحاري المزدوج في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إنّ بحوزتها جهازا جديدا لتحديد هوية السيارات الانتحارية، وأنّها اعتمدت نظاما الكترونيا لصدّ أي عمليات انتحارية كبيرة الحجم في الجزائر، لذا ردت القاعدة وفق مخطط مدروس يمعن في إدامة ''استراتيجية الخطر الدائم''، بينما تثور تساؤلات ملحة في الجزائر، عن مدى نجاعة الخطط الأمنية المتبّعة، خصوصا بعد سلسلة تغييرات طالت الأجهزة الأمنية، واستبعاد العناصر التي قيل أنها أثبتت تهاونا في محاربة الإرهاب.
التعليقات