واشنطن: إكتسبت الحملة الإنتخابية للمرشحين الديمقراطي quot;باراك أوباماquot; والجمهوري quot;جون ماكينquot; زخماً متصاعداً مع إنعقاد المؤتمر العام لحزبيهما، وقيام المندوبون في كلا الحزبين بإختيار باراك أوباما وجون ماكين ونائبيهما كمرشحين في الانتخابات الرئاسية القادمة (الرابع من نوفمبر المقبل)، بما تواكب مع قيام الرأي العام الأميركي ببلورة مواقف أكثر تحديداً تجاه كلا المرشحين اعتماداً علي ما تبثه وسائل الإعلام وما تتضمنه الدعاية الانتخابية للمرشحين.

ومن هذا المنطلق يسعي هذا التقرير لاستقصاء معالم رؤية الأميركيين للمرشح الجمهوري جون ماكين، لاسيما في بعد انتهاء فعاليات المؤتمر العام للحزب الجمهوري، وإقدام ماكين علي اختيار حاكمة ألاسكا سارة بالين كنائبة له، ومدي تأثير ذلك بالإيجاب أو السلب علي مواقف الأميركيين تجاههُ كمرشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، فضلا عن مدى التأييد الذي يحظي به برنامجه الانتخابي بأبعادهُ السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

هل يحظي ماكين بالقبول العام كمرشح للرئاسة

أشارت كافة استطلاعات الرأي التي أجرتها الصحف ومؤسسات الرأي العام الأمريكية إلي أن جون ماكين قد تحول إلي شخصية عامه تحظي بقبول واسع النطاق علي الساحة الأميركية من خلال ممارسة مهامهُ كسيناتور لولاية أريزونا بمجلس الشيوخ، حيث تحول ماكين من سياسي غير معروف علي الصعيد العام، فلم يسمع عنه حوالي 54% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة إن بي سي الإخبارية وصحيفة وال ستريت جونال في أبريل 1999 إلي مرشح يحظي بقبول مبدئي من جانب حوالي 59% من الأميركيين وفق الاستطلاع الذي أجراه مركز جالوب لاستطلاعات الرأي في 21 أغسطس 2008.

وفي المقابل أشارت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة سي بي اس الإخبارية في 31 أغسطس 2008 إلي أن شريحة مؤيدي ماكين في الرأي العام الأميركي قد وصلت إلي حوالي 35% من الأميركيين، بالتوازي مع رفض حوالي 34% لماكين بما مثل تقلصاً طفيفاً في نسبة مؤيدي ماكين عما كشفت عنه نتائج استطلاع الرأي الذي أجري في 18 مارس 2008 التي وصلت إلي حوالي 38% وهو ما يمكن تفسيرهُ بتصاعد حدة الصراع الانتخابي واتجاه فئة المترددين في الرأي العام الأمريكي لبلورة مواقفهم تجاه المرشحين كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية.

وفي السياق ذاته كشف استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة سي إن إن الإخبارية CNNبالتعاون مع مؤسسة أبحاث الرأي العام في 24 أغسطس 2008 عن قبول حوالي 61% من الأميركيين بشكل مبدئي لماكين كمرشح رئاسي، إلا أن ذلك لا يُعد مؤشراً ndash; بأي حال ndash; علي اتجاهاتهم التصويتية في الانتخابات، وإنما يُعد بمثابة مؤشر علي تقييم الأمريكيين لآداؤه كمرشح رئاسي وسيناتور بمجلس الشيوخ بشكل ايجابي.

ماكين ما بين الخبرة السياسية والتوجهات النمطية المحافظة

وبطبيعة الحال فإن المواقف المبدئية للرأي العام تجاه جون ماكين قد ارتبطت برؤيتهم لسماتهُ الشخصية التي تأثرت إلي حد كبير بعوامل من قبيل الخبرة السياسية لماكين وخلفيته العسكرية كأحد قدامي المحاربين، وقدرته من ثم علي اتخاذ قرارات حاسمة، وفي هذا الإطار أشار حوالي 60% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة سي إن إن الإخبارية CNN في 24 أغسطس 2008 إلي امتلاك ماكين للخبرة اللازمة لكي يكون رئيسا، ورأي حوالي 51% ممن شملهم ذات الاستطلاع أن ماكين سوف يكون قائد حاسم وقوي مقارنة بباراك أوباما، واكتملت معالم هذه الرؤية بتأكيد حوالي 78% علي أن ماكين يستطيع الاضطلاع بمهام القائد العام للقوات المسلحة بكفاءة.

وعلي الصعيد ذاته أكدت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرتهُ صحيفة لوس أنجلوس تايمز بالتعاون مع مؤسسة بلومبرغ لاستطلاعات الرأي في 18 أغسطس 2008 علي أن حوالي 65% من الأميركيين لا يرون أن بلوغ ماكين عامهُ الثاني والسبعين قد يعوقه عن ممارسة مهامهُ كرئيس في حال فوزه في الانتخابات، واعتبر حوالي 80% أن هذا يعد عاملا ايجابيا يضمن تمتع ماكين بالخبرة اللازمة لإدارة مؤسسة الرئاسة، وهو ما توازي مع رؤية حوالي 84% ممن شملهم ذات الاستطلاع لماكين كشخصية تتسم بالوطنية والإخلاص.

ولقد تأكدت هذه الرؤية الايجابية لماكين من خلال نتائج الاستطلاع الذي أجرته شبكة سي إن إن CNN في 29 يوليو 2008 حيث أكد حوالي 66% علي رؤيتهم لجون ماكين كمرشح يتسم بالتواضع، وإشارة حوالي 81% أنه لم يتخطَ حدودهُ بأي حال كمرشح للرئاسة.

بيد أن ذلك لم يكن يعني أن ماكين قد استطاع اجتذاب تأييد غالبية الأميركيين نظرا لوجود عدة جوانب في شخصية ماكين تثير جدلاً علي الصعيد العام، إذ عبر حوالي 52% أن أوباما يمتلك قدرة أكبر علي توحيد البلاد في استطلاع مؤسسة أبحاث الرأي العام في 24 أغسطس 2008 مقارنةً بماكين الذي لم يحظ سوي بتأييد 37% في هذا الصدد

وأشار حوالي 54% أن أوباما يستطيع إحداث التغيير الذي يرغبهُ الأميركيون مقابل 36% لماكين وهو ما تواكب مع تعبير 48% ممن شملهم الاستطلاع عن تشاركهم مع المرتكزات القيمية لأوباما فيما يتعلق بقضايا الإجهاض وزواج المثليين مقارنةً بماكين الذي حصل علي تأييد حوالي 44% في هذا الصدد.

وفي السياق ذاته أكد حوالي 61% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجرتهُ مجلة التايم الأميركية في 4 أغسطس 2008 أن ماكين يُعد سياسياً نمطياً من الطراز الأول في مقابل رؤية حوالي 52% لأوباما كمرشح من نوع مختلف، وتأييد حوالي 61% لمقولةٍ مفادها أن أوباما يعد مرشحاً رئاسياً سوف يحدث تغييرا في السياسة الأميركية الحالية، مقابل 17% قد أكدوا أن ماكين قد يُحدث تغييراً مماثلاً ما إذا ما تولي رئاسة الولايات المتحدة.

ولقد أكدت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة سي بي اس الإخبارية في 31 أغسطس 2008 أن ماكين لن يستطيع الخروج عن الإطار العام لسياسات الرئيس جورج بوش وفق رؤية حوالي 48% ممن شملهم الاستطلاع مقابل تأكيد حوالي 20% أنه سوف يتبني سياسات أقل محافظةً من سابقه، بما مثل تغيراً حاداً في موقف الرأي العام عن نتائج الاستطلاع الذي أجرته ذات الشبكة في 15 أغسطس 2008 الذي أكد فيه حوالي 45% أن ماكين سوف يكون أقل اقتراباً من النهج المحافظ للرئيس بوش مقابل تأكيد حوالي 33% أن سياساتهُ سوف تكون أكثر محافظةً من جورج بوش ذاته.

هل كان اختيار سارة بالين قرارا صائبا؟

لقد كان اختيار جون ماكين لسارة بالين حاكمة ألاسكا، أحد أهم قرارات ماكين إثارةً للجدل علي صعيد تقييم الرأي العام الأميركي لمدي نجاح ماكين في اختياره، وإن كانت المؤشرات العامة تتراوح بين تأكيد أن هذا القرار كان موفق نسبياً من جانب، وأنه لن يؤثر إيجاباً أو سلباً في مدي التأييد الذي يحظي به ماكين من جانب آخر، حيث أكد حوالي 52% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجرتهُ مؤسسة أبحاث الرأي العام في 31 أغسطس 2008 أن اختيار بالين كنائبه للمرشح الجمهوري كان قراراً موفقاً، بينما أكد حوالي 58% أن هذا الاختيار لن يؤثر بأي حال علي اتجاهاتهم التصويتية تجاه ماكين وهو ما توافق مع تأكيد حوالي 67% ممن شملهم استطلاع مؤسسة جالوب أن اختيار ماكين لنائبه لن يؤثر علي موقفهم تجاه ماكين بغض النظر عن شخصية هذا النائب.

وعلي الرغم من اعتقاد حوالي 50% في إطار ذات الاستطلاع حول افتقاد بالين للخبرة اللازمة لشغل منصب نائب الرئيس، فإن حوالي 57% قد أكدوا أن وجودها إلي جانب ماكين سوف ينعكس إيجاباً علي قدرة ماكين علي صنع القرارات الرئاسية الهامة، إلا أن بالين لم تصل إلي مستوي التأييد الذي يحظي به جوزيف بايدن نائب المرشح الديمقراطي باراك أوباما، حيث أكد حوالي 54% أنهم يؤيدون بايدن كنائب للرئيس في مقابل 41% أعلنوا عن تأييدهم لبالين في الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة أبحاث الرأي العام في 31 أغسطس 2008.

وعلي صعيد أسباب إقدام ماكين علي اختيار سارة بالين كنائبه له فان حوالي 56% ممن شملهم الاستطلاع سالف الذكر قد رفضوا إرجاع ذلك إلي شعور ماكين بأن الوقت قد حان لترشيح سيدة لمنصب نائب الرئيس في مقابل اعتقاد حوالي 75% أن ماكين قد سعي لتعزيز احتمالات انتخابهُ كرئيس من خلال اجتذاب تأييد القطاع المؤيد لهيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.

السياسة الخارجية لماكين واستمرار التأييد للنهج المحافظ

لم يكن البرنامج الانتخابي لماكين أقل إثارة للجدل من اختياره لسارة بالين، وخاصة ما يتعلق برؤيتهُ للسياسة الخارجية الأميركية في حال وصوله إلى البيت الأبيض، وذلك علي الرغم من اعتقاد الأميركيين حول تقارب قدرة كلا المرشحين علي اتخاذ قرارات صائبة علي الصعيد الخارجي،إذ عبر حوالي 43% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة سي إن إن CNN في 27 أغسطس 2008 أن ماكين يستطيع اتخاذ قرارات صائبة في مجال السياسة الخارجية مقابل تأكيد 42% علي أن أوباما يستطيع القيام بذات الأمر.

وعلي الرغم من الجدل الحاد حول موقف ماكين من التواجد العسكري الأمريكي في العراق واعتراضهُ علي وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية بما تناقض مع الاتجاه العام السائد في أوساط الرأي العام الأمريكي، فقد أكد حوالي 49% ممن شملهم استطلاع للرأي في 24 أغسطس 2008 أجراهُ مركز هوت لاين لاستطلاعات الرأي علي أن ماكين قادر علي إدارة وضع القوات الأميركية في العراق بكفاءة في مقابل 40% لأوباما، وهو ما توافق مع نتائج استطلاع شبكة سي إن إن CNN الإخبارية في 29 يوليو 2008 بتأكيد حوالي 53% أن ماكين سوف يكون أداؤهُ متميزاً مقارنةً بأوباما علي صعيد ضبط الأوضاع الأمنية في العراق.

كما يحظي برنامج ماكين بتأييد شريحة تقدر بحوالي 60% - وفق ما أكده الاستطلاع سالف الذكر - فيما يتعلق برؤيته حول الحرب علي الإرهاب وحوالي 48% ممن شملهم استطلاع أجرته شبكة سي إن إن في 23 أغسطس 2008 فيما يتعلق بالنهج الصارم الذي تبناه ماكين لمحاربة الهجرة غير الشرعية.

وفي السياق ذاته أكد حوالي 53% ممن شملهم استطلاع للرأي أجرته شبكة سي إن إن الإخبارية CNN في 29 أغسطس 2008 علي أن ماكين أكثر قدرة علي التعامل مع الأوضاع في أفغانستان وهو ما اتسق مع تعبير حوالي 52% عن تأييدهم لموقف ماكين تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط والتعامل مع طموحات إيران النووية بحسم.

رؤية ماكين للاقتصاد الأميركي.. نقطة ضعف

وعلي صعيد رؤية الأميركيين للجانب الاقتصادي في برنامج جون ماكين الانتخابي فيمكن القول أن إرث الفكر المحافظ الذي دفع جون ماكين لتبني الركائز المحورية لسياسته الاقتصادية قد أضحي بمثابة عبء لا يمكن لماكين تحملهُ انطلاقاً من تفضيل غالبية الأمريكيين للرؤى البديلة التي يطرحها باراك أوباما بعد أن أكد حوالي 51% في استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة أبحاث الرأي العام في 24 أغسطس 2008 علي تأييدهم للسياسات الاقتصادية التي طرحها أوباما في برنامجه الانتخابي مقابل تأييد 43% للجانب الاقتصادي في برنامج ماكين.

من يمول حملة ماكين؟

يشهد الحزب الجمهوري حالة من التأهب القصوى، في محاولة لحشد كافة طاقته وموارده لدعم ماكين. وتأتي على قمة أولويات مسؤولي حملة ماكين ضخ مزيد من التبرعات لسد احتياجات الدعاية الانتخابية خلال الشهرين المقبلين. خاصة في الوقت الذي جمع فيه مرشح الحزب الديمقراطي السيناتور باراك أوباما 340 مليون دولار في حين جمع ماكين 160 مليون دولار حسب الإحصائيات التي نشرتها لجنة الانتخابات الفيدرالية مؤخرا .

الفارق بين ماكين وأوباما فيما يخص عملية التمويل بات مصدر قلق دائم داخل الحزب الجمهوري الذي تشهد كواليسه تربيطات اللحظة الأخيرة، وذلك بعكس أوباما الذي أعتمد على جهاز جمع التبرعات الخاص به ولم يعتمد على اللجان السياسية المنوطة بجمع التبرعات في الحزب الديمقراطي حتى الآن.

ويعاني ماكين ، منذ أن أعلن عن ترشيح نفسه، من أزمات متكررة في عملية إدارة وجمع التبرعات. مما جعله يمر بالعديد من الانتكاسات أخرها كان استقالة مسئول إدارة وجمع التبرعات في حملته توم لويفلر ، خاصة أن إستراتجياته في جمع التبرعات اعتمدت منذ بداية حملته في الانتخابات التمهيدية على كبار الممولين ndash;فوق 200 دولار- وليس صغار الممولين الذين يمثلون الحصان الأسود في هذه الانتخابات.

هذا إلي جانب أن ماكين استخدم بعض الثغرات في القانون لتأجيل موقفه فيما يخص التمويل الفيدرالي مما أحدث له العديد من الأزمات، يتوقع العديد من الخبراء في واشنطن أن تكون محور السجال بينه وبين المرشح الديمقراطي باراك أوباما في الفترة القادمة.

الأزمات التي صاحبت حملة ماكين فيما يتعلق بالتبرعات انعكست على قراراته التي بدت مترددة في العديد من الموضوعات، وعلى رأسها مسألة التمويل الفيدرالي والذي يواجه ماكين بسببه أزمة قانونية تحقق فيها لجنة الانتخابات الفيدرالية في الوقت الحالي، ويتوقع أن يصدر قرار عنها بمجرد أن يكتمل نصابها الذي يتكون من ستة أعضاء، في الوقت الذي ينتظر أن يقر الكونجرس الموافقة على 3 أعضاء جدد للإنظام للجنة خلال الـ60 يوم القادم.

النشأة في كنف عائلة عسكرية

ولد ماكين في 29 أغسطس عام 1936 لأسرة عسكرية، فجده قاد أسطول الحاملات ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية. ووالده كان قائداً لغواصة من الطراز الأول في الحرب العالمية الثانية، وقائد قوات الهادئ في حرب فيتنام.

كان لتلك الخلفية العسكرية جل التأثير عليه، فماكين طيار سابق بالبحرية الأميركية، وأستاذ بكلياتها. لكنه رفض الاستمرار في التدريس وفضل المشاركة في حرب فيتنام، وتعرض خلال تلك الحرب لأكثر من مخاطرة كادت تودي بحياته بعد أن تم أسره لمدة خمس سنوات ونصف، قضي منهم عامين في الحبس الانفرادي.

وابن ماكين جندي ضمن القوات الأميركية في العراق. ولطالما دافع سناتور أريزونا عن الحرب في العراق، رغم انتقاده طريقة إدارتها. فقد عارض بشكل مباشر وزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد، وطالب باستقالته ويقول ساخرا quot;على الجيش الأميركي أن يبقى في العراق 100 عام إذا اقتضى الأمرquot;.

خدمة عسكرية محفوفة بالمخاطر

كانت حياة ماكين العسكرية حاملة باللحظات الخطيرة، فقد تعرض للموت عدة مرات، منها خلال تواجده في قاعدة فورستيل الأميركية بخليج تونكين فبينما كان طاقم البحرية يستعد لشن عدداً من الهجمات أُطلق صاروخ من طراز زوني من طائرة فانتوم عن طريق الخطأ الذي اصطدم بطائرته بينما كانت تستعد للإنطاق، وقد أدي ذلك إلي تدمير مخزن الوقود بالطائرة مما أدي إلي إسقاط الطائرة لقنبلتين، غير أن ماكين تمكن من الهروب من الطائرة. وبعد 90 ثانية انفجرت احدي القنبلتين تحت الطائرة مما أدي إلي إصابة ماكين في قدمه وصدره واشتعال النيران لتقضي على 132 جنديا من المارينز وإصابة 62 آخرين وتدمر مالا يقل عن 20 طائرة.

وبعد يومين من الحادث قال ماكين لصحيفة نيويورك تايمز quot;من الصعب أن أروي ما حدث ولكني الآن وقد رأيت الدمار الذي أحدثته القنبلة فإنني لست متأكدا من إنني أريد أن أسقط تلك القنابل علي فيتنام الشماليةquot;.

ويقول في مذكراته التي تحمل عنوان quot; إيمان آبائيquot; عن أحد المواقف التي تعرض لها خلال مهمته الـ 23 في شمال فيتنام في 26 أكتوبر 1967، عندما كان يحلق وسط نيران مدفعية كثيفة فوق هانوي، وهو على وشك إلقاء قنبلة على أحد الأهداف، سمع إشارة بأن صاروخاً أطلقته القوات الفيتنامية الشمالية سيصطدم بطائرته: إنه كان يجدر به أن ينطلق مسرعا لتفادي الصاروخ، لكنه انطلق مباشرة، مدفوعاً بعناده أو بنوع جنوني من الشجاعة، وضغط على زر القنبلة في الوقت الذي نسف فيه الصاروخ الجناح الأيمن من الطائرة وبسبب قوة القذف من طائرته المترنحة، كسرت ساقه اليمنى وذراعاهquot;. وبعدما هبط بالمظلة في بحيرة وسط هانوي، كسر أحد عناصر الحرس الفيتنامي الشمالي كتفه بعقب بندقية وطعن كاحله وفخذه بحربة.

وعلي الرغم من أن إصابته كانت شديدة إلا أن الفيتناميين رفضوا معالجته حتى يعطيهم معلومات عسكرية، وتعرض لتعذيب شديد من قبل الحرس الفيتنامي، لعدم إعطائهم إلا اسمه ورقمه وتاريخ ميلاده ورتبته. وبعدما علموا أنه ابن قائد العمليات العسكرية الأمريكية ضدهم، تعرض للضرب المستمر من الحراس في محاولة منهم لجعله ينهار.

وجراء شدة التعذيب الذي أوصله إلي اليأس، حاول ماكين الانتحار، حيث صعد على سلة المهملات في زنزانته وحاول أن يشنق نفسه بربط قميصه بمصراع النافذة ولفه حول عنقه. وقبل أن يركل السلة، أوقفه الحراس. ولكنه عاد مرة أخرى وحاول الانتحار ولكن بطريقة أقل حماسة.

وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات باريس للسلام في 27 يناير 1973 لتنهي الحرب الأميركية في فيتنام، أخذت عملية عودة الأسرى وقتاً طويلاً وأطلق سراحه من الأسر في 15 مارس من نفس العام

حياة زوجية متذبذبة

اتسمت حياة ماكين الزوجية بالتذبذب، فقد تعددت حالات الارتباط والطلاق، ففي عام 1964 كان ماكين علي علاقة مع عارضة أزياء من فلادليفيا تُدعى كارول شيب وكان كلاهما قد عرف الأخر في أنابوليس، لكنها تزوجت من أحد زملاءه ثم طلقت منه وتزوجها في 3 يوليو عام 1965 وتبنى أبناءها الاثنين دوج وإندي ثم رزق ماكين وكارول بطفلة اسماها سيندي في سبتمبر 1966. لكن لم يصمد زواجه الأول أمام الشعور بالغربة والإجهاد اللذين ظهرا عليه عند عودته من الأسر فعاش ماكين مع زوجته وأولاده رغم انفصاله عن زوجته. وفي 1979 وخلال حفل استقبال له في هاواي قابل سيندي لوي وريثة شركة للجعة وتزوجها في 17 مايو عام 1980. وحاليا هو أب لسبعة أولاد ثلاثة منهم بالتبني.

حرب الشائعات

في الانتخابات الرئاسية التمهيدية عام 2000 شن مجموعة من الجمهوريين الذين أرادوا وقفه عن حملته للتفرغ لدعم الرئيس بوش حملة شائعات ضده. فقد شاعوا أن الجنون أصابه لأنه أمضي فترة غير قليلة في الأسر تعرض خلالها للتعذيب، وذلك بسبب غضبه السريع.

ورداً علي تلك الشائعات عرضت حملة ماكين الانتخابية وقتها على الملأ سجلاته الطبية التي أظهرت أنه أصيب بتضخم البروستاتا، وأنه كان يجد صعوبة في رفع ذراعيه اللذين تعرضا مرارا للكسر خلال الأسر، لكن مجموعة من الأطباء النفسيين في البحرية الأميركية الذين أخضعوه للفحوص طوال سنوات بعد الإفراج عنه، اعتبروا أن عقله سليم جداً. وسبق لماكين أن فاز عام 2000 بالانتخابات التمهيدية في نيوهامشير قبل أن يخسر بعد ذلك أمام جورج بوش.

بوش يرد الجميل

ورداً للجميل أعلن بوش تأييده لماكين قبل نهاية السباق الجمهوري علي بطاقة الحزب لانتخابات الرئاسية ووصفه بأنه quot;محافظ حقيقيquot;، وقال عنه quot;إنه صلب جداً في مواضيع الدفاع الوطني، ومتشدد في مجال الضرائب، ومقتنع بأن خفض الضرائب يجب أن يتواصل، وهو معارض للإجهاضquot;.

وفي انتخابات 2004 عرض جون كيري المنافس الديمقراطي لبوش في انتخابات الرئاسة علي ماكين ، الذي يُعد من أشهر الساسة الأميركيين وأكثرهم نفوذاً، أن يكون مرشحه لمنصب نائب الرئيس بسبب ما اكتسبه من احترام الكثير من الديمقراطيين والمستقلين في مواجهة جورج بوش وديك تشيني ، ولكن ماكين رفض عرض كيري، وأعلن دعمه الكامل لبوش ؛ مما دفع كيري للتحول إلى جون إدواردز الذي انسحب من السباق الرئاسي مؤخراً بسبب النتائج المتواضعة التي حققها.

ماكين يفقد تأييد المحافظين

بالرغم من تأييده الثابت لسياسة الرئيس الحالي جورج بوش بشأن العراق ولاسيما إستراتيجية إرسال تعزيزات عسكرية إلى هذا البلد التي بدأ تنفيذها في يناير 2007، ومواقفه المحافظة في المواضيع الاجتماعية كالإجهاض وزواج الشواذ جنسياً، إلا أن ماكين لا يحظى بتأييد الجناح الأكثر تطرفاً بين محافظي حزبه. فتأخذ عليه القاعدة الجمهورية، ولاسيما الإنجيليين ومراقبين محافظين نافذين هذا quot;الابتعادquot; عن خط الحزب.

وماكين معارض قوي لحق الإجهاض لكن تقاعسه عن تأييد التعديل الدستوري الذي يحظر زواج الشواذ جنسيا وتأييده لأبحاث الخلايا الجذعية المأخوذة من أجنة، من بين الهرطقيات السياسية التي لا يستطيع بعض المحافظين الإنجيليين أن يغفروها له.