لندن: من خلال طرح هذا السؤال اللغز ومحاولة التصدي للإجابة عليه يحاول الكاتب بيتر ويلبي من خلال مقاله التحليلي المنشور في صحيفة الجارديان البريطانية الصادرة اليوم أن يرصد نبض وأجواء الإعلام البريطاني في تغطيته للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي خلال السنوات الخمس الماضية، متخذا من الهجوم الإسرائيلي الراهن على غزة مثالا ونموذجا. يقول ويلبي في مقاله إن تغطية وسائل الإعلام البريطانية لهذا الصراع قد تبدلت بشكل جوهري على مر الأعوام الخمسة الماضية، إذ تدرجت النبرة من التعاطف الواسع لصالح إسرائيل لتصبح مع مرور الأيام quot;نقديةquot;، لا بل quot;معاديةquot; للإسرائيليين.

ويدلل الكاتب على ما يذهب إليه بطريقة تغطية وسائل الإعلام البريطانية للهجوم الإسرائيلي الراهن على غزة، قائلا إن مثل هذه الروح النقدية، والمعادية أحيانا، تبدو جلية في أسلوب التعاطي مع القتال في القطاع، تماما كما كان عليه الأمر خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف عام 2006. يقول الكاتب: quot;إن المواقف الإعلامية تمليها بدرجة كبيرة الأمور التي تجعل من الأمر حالة تنضوي على عنصر التضارب العنيف بين القوى المتصارعة وتحوِّله إلى دراما. وفوق هذا كله، تأتي الصور التي تملي على الإعلام لغته.quot; ويضيف قائلا إن مقتل 700 شخص من جرَّاء أعمال العنف في ظرف أسبوع وسط المنازل والمدارس المهدَّمة، هو قصة أكبر وتسبب صدمة أقوى من قصة موت نفس العدد من البشر، لنقل في 30 أو 40 مناسبة أو حادثة منفصلة.

معاناة وحياد

ويذكِّر ويلبي برأي لروبرت فيسك، مراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية في منطقة الشرق الأوسط، عندما قال لـ بي بي سي مؤخرا: quot;إن عمل الصحفيين هو أن يكونوا حياديين وأن يقفوا إلى جانب أولئك الذين يعانون بشكل أكثر.quot; لكن الكاتب يعود ليدلو هو بدلوه في هذا المجال، ولربما باتجاه مغاير، إذ يقول: quot;لكن كما يعلم فيسك، فالأمر ليس كذلك: إن الصحافيين حياديون ويقفون إلى جانب من تتجلى معاناتهم بشكل دراماتيكي وتكون منظورة أكثر من معاناة غيرهم.quot;

يقول الكاتب إن عدد الضحايا في أوساط الفلسطينيين، مقارنة بعددها بين الإسرائيليين منذ بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، بلغ نسبة أربعة إلى واحد. لكن هذه الحقيقة تم تجاهلها أو التعتيم عليها لعدة سنوات بسبب الاهتمام والانتباه الذي أُولي لعمليات التفجيرات الانتحارية داخل إسرائيل، والتي بلغ عددها عام 2002 55 عملية.

علاقات عامة

ويمضي ويلبي إلى القول إنه يتعذر على أي محاولات لحشد الضغط أو العلاقات العامة أن تكون بمنأى عن حقيقة أن quot;الإسرائيليين لم يعودوا يبدون كضحايا.quot; ويدلل الكاتب على ذلك بما يقوله ستيفن جلوفر في صحيفة quot;ذا ميلquot;، إذ يصر، رغم تأييده تقريبا لكل الآراء وووجهات النظر التي تصب في صالح إسرائيل، على القول: quot;نحن لا نستطيع أن ندافع عمَّا يجري، فدرجة التفاوت (في موازين القوى وردود الفعل) كبيرة أكثر مما ينبغي.quot;

كما يقتبس ويلبي مما كتبه بيتر هيتشينز في صحيفة quot;ذا ميل أون صندايquot;، وذلك على الرغم من وصفه لنفسه بأنه مؤيد دائم ومتعصب لإسرائيل، إذ يقول: quot;ليس هنالك من طريقة يمكننا فيها إيجاد فرق بين قصف إسرائيل (لغزة) وقتل العرب للنساء والأطفال الإسرائيليين.quot;

وعودة إلى حديث الصور، يقول الكاتب إن الصورة التي أرفقتها صحيفة الديلي تلجراف مع تقرير مراسلها في القدس، تيم بوتشر، ويظهر فيها طفل فلسطيني يهرول مذعورا بعيدا عن منزل عائلته الذي تعرَّض لتوه للقصف، لربما كان لها أثر أكبر على القراء من عنوان لخبر رئيسي جاء فيه كلام على لسان أحد القادة السياسيين يقول فيه: quot;السلام في غزة في أيدي حماسquot;.

يقول الكاتب إن الصحف التي يملكها قطب الإعلام روبرت مردوخ وحدها التي سعت لإظهار إسرائيل بطريقة أكثر إيجابية، لكنها هي الأخرى صارعت جاهدة في مسعاها ذاك، إذ أُرغمت شيئا فشيئا على ركوب موجة إظهار ما يجري على أرض الواقع كما هو، تماشيا مع ما تفعله وسائل الإعلام الأخرى.

لغة الصور

وكدليل على قوة لغة الصور في القتال الدائر حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يضعنا الكاتب في موقف من يقارن بين صورتين اثنتين ظهرتا في إحدى صحف مردوخ تلك:

الأولى جاءت مرفقة بتحقيق من داخل إسرائيل بعنوان quot;شعرت بوقوع انفجار عندما راحت الصواريخ تتساقط على منازل الإسرائيليينquot;، ويظهر في الصورة رجل في منتصف العمر وقد وقف في منطقة يبدو أنها مشروع توسيع لفناء دار غادرها البناؤون لتوهم.

أما الصورة الثانية، فتظهر على الصفحة المقابلة من الصحيفة وهي ليست مرفقة بتحقيق، ويبدو فيها أب من قطاع غزة وقد راح ينتحب فوق جثث أبنائه الثلاثة الذين سقطوا قتلى لتوهم من جرَّاء القصف الإسرائيلي. ويتساءل الكاتب عن الفرق الكبير بين الأثر الذي يمكن أن تكون قد تركته كل من الصورتين على القارئ، ناهيك عن الفرق بين المفعول الكبير للصورتين وبين الوقع العادي لعنوان التحقيق.

ويختم الكاتب القول: quot;كما يعلم أي صحفي، إن محاولات أحدنا أن يكون نزيها وحياديا ومتوازنا في منطقة الشرق الأوسط أمر محكوم عليه بالإخفاق والفشل. فربما كان السماح لدرامية الأحداث المرئية بأن تملي نفسها على التغطية هو السبيل الأفضل في نهاية المطاف.quot; التحقيقات والتحليلات التي تناولت الأحداث في غزة تنوعت في صحف اليوم أيضا، كما الأيام التي توالت منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع والعشرين من الشهر الماضي.

صحفي نازح

إلا أن تحقيقا في صحيفة الإندبندنت كان ملفتا للانتباه هذه المرة، لأن موضوع تحقيق مراسل الصحيفة في مدينة غزة، فارس أكرم، لم يكن بعيدا عن نفسه وعن أسرته الذين أصبحوا بدورهم مشردين نتيجة القصف الإسرائيلي على منطقتهم في مدينة غزة. يقول التحقيق، الذي جاء بعنوان quot;قريبا لن يكون أمامنا مكان نهرب إليه، فلم يعد هناك من مكان آمن في غزةquot;، إن مراسل الصحيفة قد أُرغم على الفرار من وجه القوات الإسرائيلية المهاجمة.

يروي المراسل، الذي تنشر له الصحيفة صورة مع زوجته آلاء، قصة نزوحه عن منزله بقوله: quot;لقد غادرنا منزلنا. فقد أخذنا، مثلنا مثل الـ 60 ألف شخص من سكان غزة، متعلقاتنا الشخصية وفرَّينا هاربين من المدينة. لقد أصبحنا نازحين مرة أخرى.quot; ويعرج المراسل quot;النازحquot; على ذكر التفاصيل التي سبقت قراره بمغادرة منزله بعد أن اشتد القصف الإسرائيلي على المنطقة واقترات الدبابات والمدرعات المهاجمة صبيحة يوم السبت الماضي.

يقول المراسل: quot;كان تفكيري طوال الليل يدور حول زوجتى آلاء، فاتصلت بها عند الفجر. إنها حامل في شهرها التاسع، وكنا قد نقلناها الأسبوع الماضي إلى منزل أهلها في الجزء الغربي من المدينة. وكما كنت أتوقع، فقد كانت في حال من الذعر.quot; ويصف المراسل مشهد النازحين الذين فروا من المدينة مع خيوط الفجر الأولى إذ يقول:

quot;نظرت من النافذة في السادسة صباحا، فرأيت جميع أهل الحي راحلين. فمن المجمَّع السكني باتجاه الغرب، كانوا جميعا يغادرون المكان، حاملين معهم حقائبهم وأفرشتهم وبطانياتهم ومتعلقاتهم الشخصية الأخرى. كانت السيارت مكدَّسة بالأمتعة وكان الكل يندفع مسرعا، لأن صوت القصف كان يلفنا جميعا.quot;

معركة المظاهرات في لندن

ومن غزة إلى لندن، ومع التايمز هذه المرة لتصور لنا نوعا آخر من الحروب التي تنلع هذه الأيام بين أنصار الفلسطينيين والإسرائيليين في عاصمة الضباب: إنها حرب المظاهرت والمظاهرات المضادة. فتحت عنوان quot;الآلاف يحتشدون في ساحة الطرف الأغر للاحتجاج بشأن غزةquot;، تنشر التايمز تحقيقا ترفقه بصورة كبيرة جاء في التعليق تحتها: quot;أنصار الإسرائيليين يصيحون على أنصار الفلسطينيين خلال الحشد.quot;

يرصد التحقيق أجواء المظاهرات التي يخرج فيها يوميا آلاف المحتجين من مؤيدي الجانبين إلى الميادين العامة في العاصمة البريطانية للتعبير عن وجهات نظرهم ومواقفهم مما يجري الآن في غزة. أما الجارديان، فترصد في تحقيقها عن الموضوع جانبا آخر من المظاهرات التي تشهدها العاصمة البريطانية، فتعنون: quot;آلاف اليهود في تظاهرة ضد حماسquot;.

يقفز بنا تحقيق الصحيفة فجأة لنقرأ كتابة طُبعت على جبين الطفل اليهودي عزرا وايزينبرغ، الذي يبلغ من العمر عشرة أشهر فقط وقد حملته أمه آن على صدرها ليشاركا معا في المظاهرة المؤيدة لإسرائيل في ميدان الطرف الأغر. تنقل لنا الصحيفة ما جاء في تلك الكتابة: quot;لا تختبئ ورائي يا جيش الدفاع الإسرائيلي! أوقف انتهاك حماس للأطفال واستخدامهم كدروع بشرية.quot; وعلى الجانب الآخر من ميدان الطرف الأغر، حيث تجمَّع حشد آخر مؤيد للفلسطينيين، تقول الصحيفة إن امرأة في منتصف عمرها خرجت تصرخ قائلة: quot;عار عليك يا إسرائيل.quot;

إبعاد عراقيين

وعن الشأن العراقي، تطالعنا الجارديان بتحقيق بعنوان quot;محامون يتساؤلون عن سبب ترحيل عراقيين متهمين بقتل جنود بريطانيينquot;. يقول التحقيق، الذي أعده مراسل الصحيفة ريتشارد نورتن-تايلر، إن محامين بريطانيين سيقاضون حكومة بلادهم اليوم على خلفية قرارها بترحيل رجلين عراقيين للمحاكمة في العاصمة العراقية بغداد، وذلك على الرغم من كل المناشدات التي طالبت بإبقائهما معتقلين في بريطانيا.

يقول تحقيق الجارديان إن فيصل السعدون وخلف المفضي، المتهمين بقتل الرقيب البريطاني سايمون كولينجوورث وزميله سابير لوك ألسوب بُعيد غزو العراق عام 2003، قد سُلِّما إلى السلطات الإسرائيلية في اليوم الأخير من السنة المنصرمة، وذلك على الرغم من صدور حكم عن محكمة أوروبية لحقوق الإنسان يقضي بأن عملية التسليم ليست قانونية.

صحف اليوم اهتمت أيضا بتطورات قضية استخدام الأمير هاري، حفيد ملكة بريطانيا، لمفردات وألفاظ اعتُبرت مسيئة بحق بعض أفراد فصيلته العسكرية في الجيش البريطاني. ففي تحقيق تنشره التايمز بعنوان quot;الأمير هاري في مأزق بشأن استخدامه للفظة باكي (أسم التصغير لباكستاني)quot;، تقول الصحيفة إنه تم استدعاء الأمير الشاب إلى quot;مقابة توبيخ بدون قهوةquot; أمام قادته العسكريين، وذلك على خلفية سلوكه المذكور.

تقول الصحيفة إن استخدام الأمير هاري لتعبير quot;صديقنا الصغير باكيquot;، الذي يُعتبر مسيئا في بريطانيا، وعبارة quot;الرأس الخرقةquot;، التي تُستخدم عادة للإساءة للعرب الخليجيين والأفغان الذين يستخدمون غطاء الرأس كجزء من أزيائهم الوطنيةquot;، قد تدفع بقادته العسكريين إما إلى فرض غرامة بحقه أو تكسير (تخفيض) رتبته العسكرية.

وتشير الصحيفة إلى أن أن الأمير هاري، وهو الآن برتبة مقدم في الجيش البريطاني، ياتي بالترتيب الثالث لولاية العرش البريطاني بعد أبيه ولي العهد الأمير تشارلز وشقيقه الأمير وليام. وقد نشرت الصحف البريطانية عددا من المقالات النقدية والتحليلية التي تناولت تصريحات الأمير هاري وسلَّطت الضوء عليها وعلى مدلولاتها وانعكاساتها عليه وعلى صورة الأسرة المالكة في بريطانيا.

ومن بين تلك المقالات واحدة في صحيفة الإندبندنت لياسمين البهائي-براون بعنوان quot;هاري: أنت لا تستطيع أن تقول ما تريدquot;. تقول الكاتبة في مقالها: quot;أنا أشعر ببعض التعاطف مع الأمير، ففي عمر من الاندفاع اللفظي، يمكن لأي شيء أن يبدر عن المرء.quot; لكنها تعود للتذكير بأن quot;هناك حدودا لحرية التعبير أمام أي منا، لكن يبدو أن الأمير هاري لا يعي هذه الحدود.quot;

أما مراد أحمد، فيكتب في التايمز مقالا عن الموضوع ذاته يحاول أن يجيب من خلاله على سؤال يقول: لماذا تُعتبر كلمة quot;باكيquot; غير مقبولة بينما لا نرى الأمر نفسه في كلمة بريت (اسم التصغير لبريطاني)؟ ويسارع الكاتب إلى التبرع بالإجابة إذ يقول: quot;إن السبب هو التاريخ العنصري المر لبريطانيا.quot;

تشخيص التوحُّد

ومع الجارديان نختم بخبر علمي قيل إنه يُعد بمثابة كشف طبي كبير أفضى إليه بحث أجراه علماء في جامعة كامبردج البريطانية وتوصلوا من خلاله إلى نتيجة مفادها أن تشخيص مرض التوحُّد قد بات واقعا قريب المنال. وتسلِّط الصحيفة الضوء على الجدل الأخلاقي الذي يمكن أن تثيره النتائج التي أفضى إليها البحث الجديد، لطالما قد تمكن الحوامل في المستقبل من إجهاض الأجنة التي تظهر عليها الاختبارات في الرحم أنها قد تحمل الجين أو العامل المسبب لحالة التوحُّد عن الطفل بعد الولادة.