أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: أفادت مصادر مطلعة أن سلسلة اللقاءات، التي تدخل في إطار ما يعرف بـ quot;الحوارquot; بين الدولة وشيوخ السلفية الجهادية، ما زالت مستمرة وشملت إلى حدود اليوم، إذ عقدت جلسات مطولة مع مجموعة من المعتقلين الإسلاميين في السجن المركزي في القنيطرة.

وذكرت المصادر أن اللقاء الذي جمع مولاي حفيظ بن هاشم، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والذي دام زهاء السبع ساعات، لم يكن الأخير، إذ أيام بعد ذلك عقد لقاء ثاني مع حسن الخطاب، زعيم خلية أنصار المهدي، التي تورط فيها رجال من الدرك والجيش.

وأبرزت المصادر أن الاجتماعات شملت أيضا معتقلين من السلفية الجهادية يقبعون في السجن المركزي في القنيطرة، مشيرة إلى أن الجهات المتحاورة آثرت على أن تستمر في هذه الخطوة بعيدا عن أضواء الإعلام، خاصة بعد أن وسائل إعلام أولى اللقاءات التي عقدت في هذا الإطار.

ويأتي هذا في وقت يستمر الاستماع إلى معتقلين إسلاميين آخرين حول بعض التواريخ والعمليات التي ترتبط بأحداث معينة، بعد أن تبين أن هناك حلقة مفقودة في ملف عبد القادر بليرج، الذي اتهم بتزعم خلية خططت لاختراق مؤسسات الدولة والأحزاب والمجتمع المدني واغتيال شخصيات مغربية وازنة.

ومن بين الذين خضعوا للتحقيق نور الدين نفيعا، الذي اتهم بالانتماء إلى الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، التي تشير التحقيقات إلى أنها تقف وراء اعتداءات 16 ماي الإرهابية في الدار البيضاء سنة 2003.
ودشنت الدولة، منذ أسابيع، quot;حوارهاquot; مع بعض من يسمون quot;شيوخ السلفية الجهاديةquot;، واستثني من الحوار الذين ثبت تورطهم في أعمال إرهابية.

وبدأ الحوار مع محمد الحدوشي، المعتقل في سجن تطوان في الشمال المغربي. ويعد هذا أحد منظري الفكر السلفي الذي تشبع به عدد من المعتقلين في ملفات الإرهاب في المغرب.
وجاءت هذه التطورات في وقت يفتخر المغرب بمواجهة موضوع ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بشجاعة نادرة في المنطقة، بإحداث quot;هيئة التحكيم المستقلةquot; ثم لاحقا quot;هيئة الإنصاف والمصالحةquot;، التي حققت في جرائم حقوق الإنسان المقترفة لنحو 43 سنة، وعرضتها على الرأي العام المحلي والأجنبي بكل جرأة ووضعت توصيات لجبر الضرر وتفادي عدم التكرار.

ولقد كان إحداث quot;الهيئة المستقلة للتحكيمquot; أواخر تسعينات القرن الماضي أولى لبنات هذا المسار الشامل لطي ماضي انتهاكات حقوق الإنسان وتحقيق المصالحة الشاملة التي تصب في تعزيز الانتقال الديمقراطي، والإصلاحات السياسية والاجتماعية التي باشرها المغرب بكل ثقة وعزم متطلعا إلى المستقبل، إذ اشتغلت على مئات الملفات المعروضة عليها وأقرت تعويضات تفوق 94 مليون دولار (ما يقارب مليار درهم) لحوالى أربعة آلاف ضحية.

وتزامن عمل الهيئة مع وجود دينامية كبرى في المجتمع المغربي لطي ملف ماضي انتهاكات حقوق الإنسان وترسيخ الانتقال الديمقراطي، ففي ذلك الوقت بالذات أقرت الدولة وجود ظاهرة الاختفاء القسري من خلال قرار غير مسبوق دوليا تمثل في إطلاق سراح أزيد من ثلاثمائة شخص ظلوا لسنوات طويلة في عداد المختفين، واعترفت بوفاة عشرات أثناء اختفائهم في معتقلات سرية، كما صدرت قرارات عفو ملكي استفاد منها مئات المعتقلين والمنفيين لأسباب سياسية.
ورافقت هذه الإجراءات وتلتها إصلاحات دستورية وتشريعية ومؤسساتية صبت كلها في اتجاه مزيد من الانفتاح السياسي وتوسيع التزامات المغرب من خلال المصادقة على عدة اتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان، كما ترجمت على أرض الواقع بمزيد من التوسع في حريات التعبير والتنظيم والتظاهر، وتنامي حركة الدفاع عن حقوق الإنسان، وبالخصوص جمعية الضحايا quot;المنتدى المغربي للحقيقة والإنصافquot;، التي كان يترأسها الراحل إدريس بنزكري، والتي كانت ترفع مطلب كشف حقيقة ماضي الانتهاكات وتحقيق الإنصاف والمصالحة.