هيأ العشاء الذي أقامه رئيس البرلمان الكويتي أمس لأعضاء الحكومة والبرلمان في دارته، الأجواء أمام تنقية النفوس، في محاولة لا تبدو مضمونة النتائج حتى الآن لحرف الأزمات السياسية المقبلة على الطريق قبل أيام قليلة من إفتتاح البرلمان، وسط تهديدات برلمانية بإشعال النيران تحت ثوب الحكومة الكويتية التي بدا رئيسها أمس خلال العشاء متمسّكًا بالأمل وبالتعاون مع البرلمان، داعيًا الى التفاؤل أيضًا، وهي إشارة توحي بأنّ تعبيدًا للطريق قد باشرته جهات حكومية وبرلمانية لفكفكة الأزمات الوشيكة، وهو الأمر الذي أظهرته التصريحات الوردية لأكثر من وزير وأكثر من نائب... فهل تسلم الجرة هذه المرة ؟

قبل نحو يومين من معادة البرلمان الكويتي الإنعقاد في دورة عادية جديدة يوم الثلاثاء المقبل وفقًا للدستور الكويتي، جاء التقليد السنوي الذي دأب عليه رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي بإقامة عشاء في دارته الخاصة المطلة على ساحل الخليج العربي يجمع أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية، ليشكل بارقة أمل نحو تهيئة الأجواء أمام علاقة عمل وتعاون واضحة ومباشرة بين السلطتين تشرف عليها طواقم حكومية وبرلمانية، تلغي أجواء التأزيم المرصودة في الإمارة الخليجية منذ صيف العام 2006 بين الحكومة والبرلمان، وتعبد الطريق الوعر، وكذلك تفتح الباب على مصراعيه أمام دورة برلمانية آمنة وسلسة تؤسس لتهج جديد في العلاقة المتشنجة والمتوترة أساسا تحت لافتات وعناوين كثيرة، إذ يستعد البرلمان الكويتي عبر كتل برلمانية فيه الى نزع صواعق التفجير في وجه وزارة الشيخ ناصر المحمد الصباح عبر توجيه سلسلة إستجوابات لأعضاء في وزارته، إلا أن الأخير يرفض رفضًا تامًا أن يجري أي تغييرات أو تبديلات على طاقم وزارته، إتقاءً للإستجوابات المقبلة، بل أبلغ زوارًا له أن حكومته جاهزة لجميع أنواع الإستجوابات في دور الإنعقاد الجديد، وسط إنطباع عام ساد العاصمة الكويتية خلال الساعات الماضية بأن لهجة التفاؤل التي إستخدمها الشيخ المحمد والخرافي بالتأكيد كمنت وراءها عناصر إيجابية.

ووفقًا للهجة الإيجابية التي طغت على أجواء العشاء الذي أراده المضيف الخرافي نقطة إنطلاق وتعاون بين السلطتين، فقد لوحظ خلال العشاء أن وزراء حكومة الشيخ المحمد ينشطون في كل الإتجاهات بين النواب لشرح بعض المسائل والقضايا لهم، لكن وزير المالية مصطفى الشمالي الأكثر تحركًا بين الجميع لوضع مسودة تفاهم بين الحكومة والنواب بشأن جلسة القروض المقبلة التي خصصت لمناقشة قضية إسقاط القروض وإيجاد حلول لأزمة المديونية الشعبية للبنوك، وحدد لها يوم السابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) موعدًا للمناقشة، إلا أن الشمالي وهو الأكثر تعرضًا لتهديدات إستجوابه قال وهو يهم بمغادرة دارة الخرافي إنّ قضية القروض في طريقها إلى الحل عبر التعاون على آلية محددة بين الحكومة والبرلمان، إلا أنه لم يكشف الكيفية التي ستدير بها الحكومة جلسة القروض، ومخارجها الآمنة لتلك الجلسة التي ستكون أول صدام حقيقي مع مجلس الأمة، بيد أن الخرافي تحدث عن توسيع صندوق أنشأته الحكومة لعلاج حالات المعسرين الكويتيين، دون أن يسترسل الخرافي في الشرح والتحليل لهذه المسألة المهمة والمقلقة لأكثر من 300 ألف كويتي يتردد أنهم عجزوا عن سداد أموال إقترضوها من مصارف محلية، الأمر الذي فاقم الفائدة المرتفعة أساسا.

وتأتي موجة التصريحات الوردية التفاؤلية في وقت غابت فيه كتلة العمل الشعبي البرلمانية المعارضة عن عشاء الخرافي، في ظل صورة إنطباعية تشير الى أن الكتلة البرلمانية غير مهتمة أبدًا بعقد صفقات مع الحكومة ووزرائها، بعيدًا عن قاعة المداولات داخل مجلس الأمة، وأن الكتلة البرلمانية المعارضة تتهيأ للتصويب على الحكومة الكويتية عبر ملفين شائكين هما ملف غير المقيمين بصورة قانونية، أو من أصطلح على تسميتهم بالبدون، وكذلك تسوية وحل ملف المديونيات للبنوك، وهي قضية تقول جهات برلمانية عدة أنها تحظى حتى الآن بموافقة 32 نائبًا من أصل 50 نائبًا مجموع عدد أعضاء مجلس الأمة الكويتي، بيد أن اللافت حتى الآن هو عدم إصدار عشرات النواب لمواقف واضحة ومباشرة من قضية إسقاط القروض والفوائد، وإعادة جدولة أصل القرض، دون أن يعرف بعد موقف الحكومة من عقد الجلسة ككل، ففي حين ترى جهات برلمانية أن الحكومة لن تحضر الجلسة البرلمانية المخصصة للقروض، الأمر الذي سيتسبب بحالة من الصدام المبكر مع البرلمان، ترى جهات برلمانية أخرى أن الحكومة ستحضر الجلسة مطمئنة الى سلامة خياراتها وبدائلها في التعاطي مع البرلمان.

وحتى الآن تقوم جهات داخل البرلمان بتحضير مسودات لقرارات شعبية من وجهة نظر الحكومة، للمطالبة بتنفيذها، إلا أن الحكومة قالت أكثر من مرة إنها لن تكون مضطرة لإجابة كل الرغبات غير الشعبية التي تصدر عن النواب، للتكسب من ورائها شعبيًا إذا ما تقررت إنتخابات برلمانية مبكرة، إذ يبدي النائب علي الراشد تمسكًا لافتًا بسيناريو حل مجلس الأمة في القريب العاجل إستنادًا الى قراءته الخاصة من أن الصدام واقع لا محالة بين الحكومة والبرلمان، بيد أن الراشد لا يسترسل البتة في الأسباب التي قد تدعو السلطتين الى إعلان الطلاق البائن بينونة كبرى.