يتواكب الجدل الداخلي في الولايات المتحدة حول سياسات الرئيس باراكأوباما تجاه الأوضاع المتردية في العراق وأفغانستان مع مرور عام كامل على انتخابه كرئيس للولايات المتحدة في الرابع من تشرين الثاني\ نوفمبر 2008، وهو ما أثار تساؤلات مهمة حول مدى اتساق سياسات الرئيس أوباما على المستويين الداخلي والخارجي مع برنامجه المعلن خلال حملته في انتخابات الرئاسة الأميركية، ومدى تحقيقه لما إلتزم به أمام الرأي العام الأميركي والمجتمع الدولي على حدٍ سواء والتي كفلت له تأييدًا سياسيًّا قليلاً ما حظي به رئيس أميركي قبيل توليه للرئاسة.
واشنطن: يمثل نهج الرئيس الأميركي باراكأوباما الذي انتخب قبل عام من اليوم في التعاطي مع القضايا الرئيسة التي تجتذب اهتمام الرأي العام الأميركي والقضايا الخلافية على المستوى الدولي مؤشرًا رئيسًا على مدى اختلاف سياسته عن سلفه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، ومدى توافق مختلف قطاعات الرأي العام الأميركي حول سياسة إدارة أوباما. وفي هذا الصدد يمكن تأكيد أن سياسة الرئيس أوباما خلال الفترة الماضية قد اتسمت بقدر كبير من التفاوت في نجاحها في حسم القضايا الخلافية التي تجتذب اهتمام الرأي العام الأميركي بما انعكس على توجهات الرأي العام الأميركي وتقييمه لأداء الرئيس أوباما .
دور جديد للدولة في الاقتصاد الأميركي
لا تزال تداعيات الأزمة المالية العالمية القضية الأولى التي تأتي على رأس أجندة الرئيس أوباما والتي يوليها القدر الأكبر من الاهتمام. وعلى الرغم من جهود أوباما فإن أوضاع الاقتصاد الأميركي لا تزال غير مستقرة، حيث وصلت معدلات البطالة في الولايات المتحدة في شهر أكتوبر الجاري إلى أعلى مستوى لها في 26 عامًا متخطية نسبة 9.8% وأعلنت شركات صناعة السيارات الأميركية مثل شركة فورد وجنرال موتورز عن تقليص العمالة وإغلاق عدد من فروعها في الولايات المتحدة وهو ما تواكب مع تجاوز عجز الموازنة الأميركية لعام 2009 حوالى 1.8 تريليون دولار .
وفي مواجهة تداعيات الأزمة المالية آثر الرئيس أوباما اللجوء لآليات التدخل المباشر مثل الدعم المالي للشركات والبنوك المتعثرة ماليًّا أو قيامها بشراء الشركات والمؤسسات المالية التي تعلن إفلاسها بما أثار تحفظات وانتقادات التيار المحافظ في الولايات المتحدة بالنظر إلى تصاعد دور الدولة في تنظيم وإدارة الاقتصاد، وتجددت تلك الانتقادات مع إعلان أوباما عن تقدمه بمقترح تشريع للكونغرس لإنشاء مجلس تنظيمي للرقابة على البنوك والمؤسسات التمويلية ولاسيما ما يتعلق بأنشطة الإقراض والإيداع والاحتياطات المالية .
وعلى الرغم من الانتقادات التي يتعرض لها الرئيس فإن إدارته حققت نتائج إيجابية على مستوى المؤشرات الكلية لنمو الاقتصاد، ولا سيما على مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي عاود النمو خلال الربع الثالث لعام 2009 بمعدل 3.5 % منهيًا سلسلة من التراجعات على مدار عام كامل ولكن الأمر يتطلب نموًّا مستدامًا للناتج المحلي الإجمالي لفترة طويلة من أجل خفض نسبة البطالة بصورة ملحوظة .
الرعاية الصحية . إخفاق محتمل
يمثل ملف الرعاية الصحية أحد أهم الأمثلة على الإشكاليات الداخلية التي تواجه الرئيس أوباما بعدما حاول التصدي لافتقاد 47 مليون أميركي للرعاية الصحية والزيادة المضطردة في تكلفتها والتي وصلت عام 2007 إلى حوالى 2.4 تريليون دولار من خلال خطة للإصلاح تتضمن إنشاء برنامج للتأمين الصحي ترعاه الحكومة الأميركية ويكون بوسع أي مواطن أميركي الانضمام له، ووضع قيود على شركات التأمين لإنهاء ممارستها التعسفية ضد الأميركيين.
وأثار نهج الرئيس أوباما في هذا الصدد جدلاً واسع النطاق في الولايات المتحدة حول الدور الذي ستلعبه الحكومة الفيدرالية في تنفيذ خطة أوباما واحتمالات زيادة عجز الميزانية الفيدرالية بنحو 293 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. وبدأ الجمهوريون واليمين المحافظ ووسائل الإعلام المرتبطة بهما في انتقاد أوباما وتنظيم مسيرات احتجاجية للاعتراض على مشروعه للرعاية الصحية بدعم من شركات التأمين الكبرى صاحبة المصلحة في إجهاض المشروع .
وعلى الرغم من دعوة الرئيس أوباما في خطابه أمام جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب بمبنى الكونغرس في 9 من سبتمبر الماضي بدعم مقترحاته لإصلاح نظام الرعاية الصحية وتجاوز الخلافات المحتدمة بين مؤيدي ومعارضي المشروع، فإن قضية الرعاية الصحية تظل على رأس قائمة القضايا الخلافية التي لم تتمكن إدارة أوباما من حسمها بصفة نهائية .
خسائر متصاعدة في حرب الضرورة الأفغانية
يمثل الجدل حول الخسائر الأميركية في أفغانستان واستراتيجية الإدارة الأميركية للتصدي لحركة طالبان في باكستان وأفغانستان، القضية الرئيسة على المستوى الخارجي التي تشغل الرأي العام الأميركي، لاسيما بعد تصاعد عدد القتلى من الجنود الأميركيين ليصل إلى أعلى مستوياته منذ بدء الحرب في أفغانستان قبل ثماني سنوات إذ قتل 54 جنديًّا خلال هذا الشهر ليصل إجمالي الخسائر البشرية في صفوف القوات الأميركية منذ بداية عام 2009 حوالي 277 جنديًّا .
ولقد استمر الرئيس أوباما في النهج الذي اتبعه سلفه الرئيس بوش المتمثل في زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان بصورة مضطردة حيث اتخذ قرارًا في يناير الماضي بإرسال حوالي 3.000 جندي إضافي إلى أفغانستان في الأيام الأولى من توليه منصب الرئاسة، وفي فبراير، ونزولاً على طلب القائد الميداني الأميركي، أمر أوباما بإرسال 17.000 جندي إضافي إلى أفغانستان، وبمعنى آخر فإن عدد القوات الأميركية في أفغانستان قد تضاعف ثلاث مرات خلال فترة لا تتجاوز 18 شهرًا .
ويعكف الرئيس أوباما حاليًّا على مراجعة الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان ولاسيما الجانب المتعلق بمطالبة قائد القوات الأميركية وقوات حلف الأطلسي (الناتو) في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال بإرسال 40 ألف جندي إضافي، وهو ما يعني زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان بنسبة 400 % خلال الفترة بين عامي 2008 و2009 وفق ما ذكره فريد ذكريا رئيس تحرير النسخة النسخة الدولية لمجلة النيوزويك في مقاله 29 من أكتوبر الذي انتقد فيه دعوة أقطاب التيار المحافظ في الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة لزيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان بصورة فورية وانتقاداتهم لما أسموه تباطؤ الرئيس أوباما في الاستجابة لمطالب الجنرال ما كريستال في هذا الصدد .
العراق وغوانتانامو . تعهدات قد لا يفي بها أوباما
وفي السياق ذاته، إستمرّت الأوضاع السياسية والأمنية في العراق غير مستقرة على الرغم مما بذلته إدارة الرئيس أوباما من جهود، حيث لا تزال الخلافات محتدمة بين التكتلات السياسية المختلفة في العراق حول تعديلات قانون الانتخابات البرلمانية، ومن ثم ربطت الولايات المتحدة سحب قواتها بصورة نهائية من العراق بإمكانية تأجيل الانتخابات العراقية على أثر الخلافات سالفة الذكر وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف موريل في تصريحاته في 30 أكتوبر بقوله quot;إن البنتاغون سيقيم الوضع الأمني في العراق والحاجة إلى إبقاء مستوى الوجود العسكري على حاله إذا ما تم تأجيل العملية الانتخابية. quot;
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أنه طبقًا للاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد، فإن الولايات المتحدة ستسحب جميع قواتها في العراق البالغ عددها 117 ألف جندي بنهاية عام 2011، كما حدد الرئيس الأميركي باراك أوباما نهاية أغسطس 2010 موعدًا نهائيا لنهاية المهام القتالية للقوات الأميركية في العراق، وذلك تمهيدًا لإعادة خمسين ألف جندي إلى الولايات المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة قد تتراجع عن تنفيذ تلك التعهدات في ظل عودة الأوضاع الأمنية في العراق للتردي من جديد وهو ما يستدل عليه بتفجيرات بغداد التي وقعت في 24 أكتوبر والتي أسفرت عن سقوط حوالي 135 قتيلا وحوالي 500 مصابًا وتبناها تنظيم دولة العراق الإسلامية التابع لتنظيم القاعدة .
وعلى مستوى تعهدات الرئيس أوباما بإغلاق معتقل جونتانامو ومنح المحتجزين به حق المثول أمام القضاء المدني متمتعين بكافة حقوقهم التي ينص عليها القانون الدولي، فيمكن القول إن تلك التعهدات لم تجد سبيلها للتطبيق الفعلي إلى الآن، فعلي الرغم من توقيع أوباما في 29 من أكتوبر على مذكرة قانون تعطي معتقلي غوانتانامو مزيدًا من الحقوق القانونية لاسيما حق الدفاع إلا أنها لم تتضمن ضرورة مثول المتهمين في جونتانامو أمام القضاء الفيدرالي المدني وأقرت صراحة باستمرار المحاكم العسكرية التي يعود إنشاؤها إلى عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في نظر قضايا سجناء غوانتانامو .
تراجع أوباما أمام الاستيطان ونتنياهو
وعلى مستوى القضية الفلسطينية لم تبدِ إدارة أوباما إلى الآن سوى مقاربة متحيزة استمرت من خلالها في تقديم الدعم العسكري والأمني والسياسي لإسرائيل، وعلى الرغم من تعهداتها بدفع عملية التسوية قدمًا والتزام الرئيس أوباما بدعم إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة فإن الإدارة الأميركية لم تحقق نجاح يذكر على هذا الصعيد وأخفقت في التقريب بين وجهات نظر الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للاتفاق على بيان ختامي للقائهما مع الرئيس أوباما على هامش دورة الانعقاد السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 من سبتمبر.
وإزاء تمسك إسرائيل بموقفها تراجع الرئيس أوباما عن موقفه الداعي لتجميد الاستيطان بصورة كاملة في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال لقائه مع الرئيس أبي مازن ونتنياهو في البيت الأبيض في 22 من سبتمبر، إذ حث أوباما إسرائيل على quot;ممارسة ضبط النفسquot; فيما يخص التوسع الاستيطاني في خطوة اعتبرت تراجعًا عن موقفه السابق الذي كان يعتبر وقف الاستيطان بشكل كامل شرطًا لاستئناف العملية السلمية ، كما ألمحت وزارة الخارجية الأميركية في 28 أغسطس عن إمكانية التخلي عن تجميد الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، quot; إن واشنطن لا تفرض أي شرط مسبق لاستئناف المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيليquot;.
وفي السياق ذاته تعهدت الإدارة الأميركية باستخدام حق النقد الفيتو في مجلس الأمن لمنع إقرار تقرير الأمم المتحدة حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وانتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إيان كيلي التقرير في 18 من سبتمبر قائلاً إنه quot;على الرغم من أن التقرير يتناول كل أطراف الصراع، فإنه يركز بشكل كبير على ما قامت به إسرائيل فإنه يغفل - ما يسميه كيلي - الأمور المؤسفة التي قامت بها حماس التي لم يتناولها التقرير سوى عبر ملاحظات quot;عامة وخجولة quot; ومن ثم يمكن القول إن تعنت الموقف الإسرائيلي تجاه عملية التسوية لم يؤدِ لقيام إدارة أوباما التي أدعت تبني مقاربة مختلفة وأكثر حيادًا تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط، بالضغط على إسرائيل عبر تجميد جانب من دعمها العسكري أو الأمني أو السياسي وبدا أن عملية التسوية والدعم الأميركي لإسرائيل مسارين منفصلين بالنسبة للإدارة الأميركية
انحسار مضطرد لشعبية أوباما
لم تؤد سياسات الرئيس أوباما على المستويين الداخلي والخارجي لاستمرار الدعم الشعبي منقطع النظير الذي تمتع به إبان توليه للرئاسة في يناير 2009، وبعد مرور عام على انتخابه كرئيس تراجعت شعبيته بصورة كبيره نتيجة للانتقادات الداخلية التي يتعرض لها ولتشابه سياساته تجاه عدد كبير من القضايا مع سياسات سلفه الرئيس جورج بوش، حيث كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب Gallupالأميركية في 19 من أكتوبر أن شعبية الرئيس أوباما قد تراجعت لتصل إلى حوالى 55 % ممن شملهم الاستطلاع في مقابل 78% في استطلاع أجرته ذات المؤسسة قبيل أيام من توليه الرئاسة الأميركية في يناير 2009 .
وفي السياق ذاته أكد حوالى 61 % ممن شملهم الاستطلاع سالف الذكر الذي أجري في 19 أكتوبر على أن الرئيس أوباما لا يستحق الحصول على جائزة نوبل للسلام في مقابل رؤية 34% لاستحقاق أوباما للجائزة، وفي السياق ذاته كشف استطلاع أجرته شبكة سي إن إن الإخبارية CNNفي 16 من أكتوبر أن حوالى 51 % من الأميركيين يعارضون سياسات الرئيس أوباما حيال القضايا الرئيسة بالنسبة للولايات المتحدة وعارض حوالى 49 % اعتزام الإدارة الأميركية زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان في مقابل تأييد حوالي 47 % لرؤية أوباما في هذا الصدد.
وفي المقابل تصاعدت نسبة معارضي سياسة الرئيس أوباما في العراق وأفغانستان وفق نتائج الاستطلاع الذي أجرته صحيفة وول استريت جورنالWall Street Journal وشبكة ان بي سي الإخبارية NBC News في25 من أكتوبر، حيث عارض حوالى 47 % إدارة الرئيس أوباما للأوضاع العسكرية في العراق وأفغانستان في مقابل تأييد حوالى 45 % لسياسته.
وعلى مستوى موقف الرأي العام الأميركي من السياسات الاقتصادية لأوباما تراجع تأييد الأميركيين لها إلى ما لا يتجاوز 48 % في استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة سي بي إس نيوز الإخبارية CBS News في يوليو بالمقارنة بحوالى 56 % في الاستطلاع الذي أجري في إبريل الماضي .
ومن ثم يمكن القول تراجع شعبية الرئيس أوباما تعود في المقام الأول لإغفاله لتطلعات الشعب الأميركي لجعل شعار حملته الانتخابية quot; التغيير الذي نؤمن به quot; حقيقة واقعة، وتبنيه لسياسات مشابهة للنهج الذي اتبعه سلفه الرئيس بوش لاسيما تجاه أوضاع القوات الأميركية في العراق وأفغانستان وهو ما يضع الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما في مأزق سياسي قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ويجعل مراجعة السياسات الأميركية على المستوى الخارجي أحد أهم الإجراءات التي ينبغي على إدارة أوباما الاضطلاع بها .
تقرير واشنطن
التعليقات