لم تشهد الساحة الباكستانية توافقًا أو quot;صبرًاquot; من جانب الجهات السياسية في تاريخها مثل ما جرى بعد الانتخابات الأخيرة لعام 2008، التي أدت إلى تولي حزب الشعب الباكستاني بقيادة آصف علي زرداري زمام الحكم في البلاد. وكان الانطباع السائد عقب الانتخابات أن نواز شريف سيتولى رئاسة البلاد بعد مغادرة مشرف للحكم. ولم يكن هذا الانطباع مبالغًا فيه؛ لأن حزب الرابطة بقيادة نواز شريف انضم إلى الحكومة الفدرالية بينما انضم حزب الشعب إلى حكومة حزب نواز شريف في إقليم البنجاب. وهاتان الحكومتان كانتا بمثابة quot; الجمع بين النار والماءquot; وقد رحب الشعب بفكرة وأد الانتقام السياسي بين أكبر حزبين في الساحة السياسية.
باكستان: تبخرت فكرة تقاسم السلطة اي ان يكون رئيس الوزراء من حزب الشعب، ورئيس الدولة من حزب نواز شريف، عندما رشح حزب الشعب رئيسه زرداري لتولي منصب رئيس الدولة خلال شهر سبتمبر 2008، بعد انتقال مشرف من قصر الرئاسة إلى قصر الجيش وتخليه عن رئاسة البلاد.
ولم يدم جو التوافق بين الحزبين طويلاً، إذ اضطر حزب نواز إلى الانسحاب من الحكومة المركزية بسبب نقض العهود من جانب الرئيس زرداري، وهي الصدمة الأولى للحكومة التي بدت quot;حكومة وحدة وطنيةquot;. وهكذا وضع زرداري الحجرة الأولى لعملية إعادة الخلافات إلى الساحة السياسية، على الرغم من ترديده لكلمة quot;المصالحة الوطنيةquot; وquot;الديمقراطية أحسن نوع للثأرquot;.
وتوسع الخلاف بين الجانبين بسبب تماطل الحكومة في إعادة القضاة المعزولين، على الرغم من أن رئيس الوزراء والرئيس نفسه أكدا مرارًا أنه ستتم إعادتهم في أقرب وقت؛ لكن بدأت الحكومة تلعب أوراقها وتعيد القضاة واحدا تلو الآخر تحت صفقات سرية، أو بعد أداء يمين جديدة. وأخيرًا، اضطر حزب نواز شريف لتنظيم مسيرة طويلة من لاهور إلى إسلام آباد، مما أدى إلى خضوع الحكومة لإعلان إعادة القضاة بعد منتصف الليل تحت ضغط من الجيش؛ لأن زرداري لم يكن يرغب في إعادة قاضي القضاة افتخار شودري.
وزاد الطين بلة عندما فرض زرداري الحكم المباشر في إقليم البنجاب، بعد صدور قرار بسحب الأهلية السياسية من شقيق نواز شريف ورئيس حكومة البنجاب شهباز شريف، على الرغم من أنه كان من الممكن لزرداري أن يسلك الطريق الدستوري، بأن يدعو حزب نواز شريف لاختيار رئيس حكومة جديد. وهذه كانت محاولة متعمدة من حزب الشعب للـ quot;سطوquot; على حكومة البنجاب حسبما يرى المحللون؛ إلا أن هذه الفكرة لم تتكلل بالنجاح بسبب إلغاء المحكمة للقرار الصادر على شهباز شريف، فعادت حكومته كما كانت وبذلك تلقى حزب الشعب لطمة سياسية قوية أخرى. كما وأن هذا الإجراء زاد تشويه صورة زرداري إذ ألقى الجميع اللوم عليه بدلاً من رئيس الوزراء، الذي دائمًا حاول التفاوض مع حزب نواز شريف.
وقد اجتمع بعد ذلك الرئيس زرداري ونواز شريف مرتين؛ إلا أن وعود زرداري لم تتحقق على أرض الواقع. وآل الأمر إلى أن أحد كبار زعماء حزب شريف أكد لـquot;إيلافquot;، quot; فقد حزب الشعب مصداقيته بسبب زرداري، ولو كانت بينظير على قيد الحياة لم يمكن لزرداري أن يحلم برئاسة البلاد، ولا يثق به حتى الطفل الصغير بسبب نقضه للعهود، والجميع يعرفون أن المصداقية هي كل شيء بالنسبة للقيادات السياسيةquot;.
وقد دعا زرداري نواز شريف إلى مأدبة عشاء بداية هذا الشهر من أجل التفاوض معه حول مرسوم المصالحة الوطنية، المرسوم الذي أصدره مشرف لكسب ثقة حزب الشعب لإعادة انتخابه في 6 أكتوبر من عام 2007. مما يعني إلغاء القضايا المالية والجنائية ضد القادة السياسيين منذ عام 1985 إلى عام 2002، وكان زرداري بين أكبر المستفيدين من هذا المرسوم؛ إلا أن ذلك اللقاء لم يتمخض عن أي شيء.
وأخيرًا اضطرت الحكومة - بعد فشلها- لسحب المرسوم من البرلمان. والآن ينتظر السياسيون الفاسدون والمطلوبون لدى المحاكم افتتاح ملفاتهم مرة أخرى، في حين لن تفتح ملفات زرداري ما دام رئيسا للبلاد بسبب الحصانة الدستورية التي يحظى بها رئيس الدولة.
وهذا المرسوم قد أدى إلى نشوء خلافات قوية بين التحالف الحاكم أيضًا، إذ لم يؤيّد أي واحد من تلك الأحزاب الحكومة حول ذلك المرسوم، على الرغم من استفادة بعضها من المرسوم المزعوم. وبدأ الرئيس زرداري بعد ذلك محاولات حثيثة لترصيص صفوف التحالف؛ إلا أن المحللين يرون أن quot; العلاج التجميليquot; لن يكفي هذه المرة؛ لأن الحلفاء أيضًا يشكون من زرداري بسبب نقض عهوده وعدم تلبية مطالبهم.
وسبق ذلك جدل حول قانون كيري - لوغر، نشرت إيلاف تقريرًا مفصًّلاً عنه، والذي دفع الجيش الباكستاني ليبدي موقفه المعارض لذلك القانون، على الرغم من التأكيد وإعادة التأكيد من جانب زرداري على أن ذلك المشروع نجاح كبير للحكومة الديمقراطية. ويرى المراقبون أن هذا القانون تسبب في توسيع هوة الخلاف بين قصر الرئاسة والمقر العام لقيادة الجيش، وبناء عليه رفض قائد القوات المسلحة لقاء مباشرا مع الرئيس زرداري، في حين أشارت تقارير صحافية أخيرًا إلى بقاء ذلك الخلاف حتى الساعة.
وفي هذا الوضع بدا رئيس الوزراء وكأنه يأخذ زمام الأمور بيده بعيدًا من ظلال قصر الرئاسة، وهو يحظى بتأييد الأحزاب المعارضة أيضًا؛ لأنها ترى أن جيلاني أنزه من زرداري بكثير إضافة إلى أنه سياسي محنك يعرف مكانة المفاوضات بين الأحزاب والالتزام بها. ويدل على ذلك أنه كلما قام زرداري بإغضاب المعارضة بسلوكه، هرع جيلاني ليطمئن الجهة الغاضبة لتهدئتها.
وفي تلميح أخير إلى الوصولللوئام والتوافق بين الأحزاب السياسية، دعا جيلاني نواز شريف إلى لقاء معهيوم الخميس إلى قصر رئاسة الوزراء لبحث قضية الصفقة السياسية لإقليم بلوشستان، وتطبيق ميثاق الديموقراطية -الذي تراجع عنه زرداري- إضافة إلى مشروع للتعديلات الدستورية والتي تهدف إلى إعادة بعض الصلاحيات من رئيس الدولة إلى رئيس الوزراء، إلى جانب إلغاء البند الدستوري الذي يحظر تولي منصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة. وطبعًا سيكون نواز شريف هو المستفيد الوحيد من إلغاء هذه المادة، لأنه الوحيد الذي تولى هذا المنصب مرتين ويترقب المرة الثالثة.
ويعلق المراقبون أهمية خاصة على هذا اللقاء ويرونه منعطفًا مهمًّا في علاقات المعارضة والحكومة، إضافة إلى كونه دليلاً على انتقال المفاوضات من قصر الرئاسة إلى قصر رئاسة الوزراء. وهذا يعني أن الأمور بين جيلاني وأي جهة أخرى، لن تكون غامضة مثل مفاوضات زرداري مع المعارضة وحلفائه.
ويرى المحللون أن كل هذه الأمور تشير إلى أن العد التنازلي لزرداري قد بدأ، على الرغم من أنه لا يعرف أحد متى سيتم ترحيله من قصر الرئاسة، وقد طغى على الساحة السياسية الحديث عن quot; صيغة استبعاد الواحداquot;، وهي تعني إنقاذ حكومة حزب الشعب بتقديم زرداري كبشا للفداء.
التعليقات