يُستكمل اليوم في كوبنهاغن المؤتمر الذي تجري خلاله محادثات ماراثونيّة تاريخيّة بشأن التغيّر المناخي وسط تحذيرات قاتمة حول مستقبل كوكب الأرض نتيجة الاحتباس الحراري، اذا لم ينجح قادة العالم في التوصل إلى معاهدة طموحة لمعالجة هذه الظاهرة المناخيّة. وتهدف قمّة المناخ التي ستعقد في 18 كانون الاول/ديسمبر إلى صياغة إتفاق جديد لمعالجة الإنبعاثات الضارة للبيئة بعد إنتهاء العمل ببروتوكول كيوتو في عام 2012، وسيشارك في القمة عدد من قادة العالم ومن بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما.

كوبنهاغن: تبدأ المباحثات في اطار مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ التي انطلقت الاثنين في كوبنهاغن في اجواء من التفاؤل، الثلاثاء، التطرق الى القضايا الشائكة وبينها بالخصوص مسألة تقاسم الجهد في عملية خفض حتمية لانبعاثات الغازات المسببة بالاحتباس الحراري.

ويجتمع في اطار هذه القمة ممثلون عن 193 بلدًا في العاصمة الدنماركيّة حتى 18 كانون الاول/ديسمبر من اجل التوصّل الى اتفاق عالمي حول مكافحة التغير المناخي مع هدف تتفق الغالبية بشأنه وهو المتمثل في خفض درجة حرارة الارض بدرجتين مئويّتين مقارنة بمستويات ما قبل التصنيع. وسيتم العمل في مجموعات ضيقة بهدف وضع مشروع اتفاق جديد من خلال سلسلة من القرارات ذات الطبيعة التقنية تتعلق مثلاً بمكافحة تراجع مساحات الغابات وذلك قبل وصول الوزراء نهاية الاسبوع المقبل ثم القادة في 17 كانون الاول/ديسمبر.

ومن النقاط الشائكة التي يجري بحثها التمويلات التي ستخصص على الامدين القصير والمتوسط، لمساعدة البلدان الاكثر تعرّضًا للتغير المناخي على التأقلم مع بدء ارتفاع درجات حرارة الارض. وفيما يبدو ان فكرة تقديم تمويل عاجل بقيمة 10 مليارات دولار سنويا حتى 2012 تتجه نحو التحقق، تطالب البلدان النامية بإلتزامات أكبر بكثير.

وأعلنت الوكالة الاميركية لحماية البيئة الاثنين ان انبعاثات غازات الدفيئة المسؤولة عن الاحتباس الحراري تشكل تهديدا للصحة العامة، ما يفتح الطريق امام ضبط هذه الانبعاثات. وقالت مسؤولة الوكالة ليزا جاكسون انه بموجب هذا الاعلان اصبحت الوكالة quot;مخوّلة الآن وملزمة بالقيام بالجهود المنطقيةquot; لخفض انبعاثات غاز الدفيئة.

واضافت انه quot;بموجب هذه النتائج التي طال انتظارها سيدرج عام 2009 في التاريخ على انه العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة في معالجة تحدي التلوث الناجم عن غازات الدفيئة واغتنام فرصة اصلاح الطاقة النظيفةquot;. وفيما اجتمعت الوفود في العاصمة الدنماركية، أطلقت صحف من 45 بلدًا نداءً مشتركًا غير مسبوق لقادة العالم قالت فيه إن امامهم اسبوعين لانقاذ كوكب الارض من تبعات ظاهرة التغير المناخي.

ويتعين على المحادثات التي تستمر 12 يومًا وتختتم بقمة يحضرها 105 من زعماء العالم من بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تتغلب على انعدام الثقة بين الدول الغنية والفقيرة بشأن تقاسم عبء عملية الحد المكلفة من انبعاثات الغازات الحابسة للحرارة، وتأثير الحضور المزمع للزعماء والتعهدات للحد من الانبعاثات من قبل كبريات الدول المتسببة في الانبعاثات بقيادة الصين والولايات المتحدة وروسيا والهند في التوصل لاتفاق في هذا الشأن بعد المفاوضات المتعثرة في العامين الماضيين.

وأضافت جنوب إفريقيا زخمًا جديدًا عشية الحدث، إذ قالت إنها ستخفض انبعاثات الكربون بنسبة تصل إلى 34 في المئة وهو حد أحسن من المستويات المتوقعة عام 2020 ولكن بشرط تقديم الدول الغنية المساعدة المالية والتكنولوجية. ولم يحضر زعماء العالم المرة الأخيرة التي اتفق فيها وزراء بيئة العالم على اتفاق الأمم المتحدة الحالي حول المناخ quot;بروتوكول كيوتوquot; عام 1997 وستكون محادثات كوبنهاغن أكبر اجتماع بشأن المناخ في التاريخ مع حضور 15 ألف مشارك من 192 دولة.

وجدّد حضور زعماء العالم الآمال بعد أن قال رئيس وزراء الدانمارك اندرس فو راسموسن الشهر الماضي إن الوقت قد نفد للتوصل لاتفاق قانوني كامل في عام 2009. والهدف من كوبنهاغن هو التوصل إلى اتفاق ملزم سياسيًّا وتحديد مهلة جديدة في عام 2010 من أجل التفاصيل القانونيّة.

ومن المتوقع ان يجري مزيد من المفاوضات في عام 2010 لوضع التفاصيل على ما يتم الاتفاق عليه في كوبنهاغن. واذا سارت الامور على ما يرام فإنه سيبدأ العمل في تطبيق معاهدة ملزمة قانونيًّا في نهاية 2012. الا ان محللين يؤكدون وجود هوة عميقة بين مطالب الدول النامية واستعداد الدول الغنية لتقديم الاموال وخفض انبعاثات الكربون.

وتلزم اتفاقية كيوتو الحالية الدول الصناعية بخفض الانبعاثات حتى عام 2012 ويقول أنصار البيئة بأن متطلبات الاتفاقية لا تساوي إلا جزءا يسيرا من المطلوب لخفض درجات حرارة العالم المرتفعة، وخصوصًا أن واشنطن لم تنضم إلى حلفائها في التصديق على المعاهدة. وفي هذه المرة يتوقع الحصول على عمل من جميع المصادر الرئيسة للانبعاثات بما في ذلك الصين والهند للمساعدة في تجنب المزيد من نوبات الجفاف والتصحر وحرائق الغابات وانقراض الأنواع، وارتفاع منسوب مياه البحار.

وسيختبر الاجتماع مدى تمسك الدول النامية بمواقف ضاغضة على الدول الكبرى المسؤولة عن الكارثة البئية المتوقعة. وعلى سبيل المثال فإن الدول الغنية يجب أن تخفض من انبعاثات الغازات الحابسة للحرارة بنسبة لا تقل عن 40 في المئة بحلول عام 2020 وهذا أكثر بكثير من الأهداف المعروضة في القمة.

إلى ذلك أظهر استطلاع اجري على اكثر من 24 الف شخص في كافة انحاء العالم ان 64% منهم يعتقدون ان التغير المناخي مشكلة quot;خطيرة للغايةquot; على حكومات بلادهم ان تعالجها. الا ان الاستطلاع اظهر انخفاض المخاوف من هذه الظاهرة في كل من الولايات المتحدة والصين.

وقال دوغ ميلر رئيس مؤسسة quot;غلوبسكانquot; التي اجرت الاستطلاع لحساب هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) ان الاستطلاع اظهر quot;دعمًا عالميًّا قويًّا للتحرك بشأن التغيّر المناخي على الرغم من حالة الركود الاقتصاديquot;. وقال انتوني هيل من منظمة quot;اوكسفامquot; الخيرية البريطانية انه يمكن التخفيف من الغضب والتشكك في الدول الافقر من خلال اظهار قدر اكبر من حسن النوايا لجهة التمويل.

واوضح ان quot;ثمن النجاح في كوبنهاغن هو 200 مليار دولار (في العام) .. يجب ان نرى هذا الرقم يتلألأ فوق شجرة الكريسماس (عيد الميلاد) بنهاية القمةquot;. واضاف ان هذا المبلغ quot;زهيد للغاية مقارنة مع مبلغ 8.4 مليار دولار التي تمكنوا من جمعه لانقاذ البنوك الغارقةquot; في الازمة المالية. واعتبر موقع المؤتمر منطقة تابعة للامم المتحدة ويشارك فيه نحو 15 الف شخص من الوفود والصحافيين والمراقبين من المنظمات الشعبية.

ونشرت نحو نصف عديد قوات الشرطة الدنماركية في العاصمة وحذرت الشرطة بانها ستتحرك بسرعة لقمع اي احتجاجات عنيفة. من ناحية اخرى سلمت حملة التعبئة حول المناخ quot;تك تك تكquot; التي تضم اكثر من مئتي منظمة الاثنين الى منظمي مؤتمر كوبنهاغن عريضة موقعة من عشرة ملايين شخص من سائر اصقاع العالم تطالب باتفاق طموح بحلول 18 كانون الاول/ديسمبر.

ونقلت هذه العريضة الى رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوكي راسموسن ووزيرة المناخ ورئيسة المؤتمر كوني هيدغارد وكذلك الى السكرتير التنفيذي لاتفاقية الامم المتحدة حول التغيّر المناخي ايفو در بوير كما قال مروجوها في بيان.