أوباما يدعو الأفارقة الاميركيين للانخراط الوطني
واشنطن: جاء توقيع أوباما على خطة الحوافز الإقتصادية التي أقرها مجلسا الكونغرس، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، لينهي فترة جدل سياسي واسع النطاق حول الخطة الإقتصادية التي طرحتها إدارة الرئيس باراك أوباما للتعامل مع تداعيات الأزمة المالية على الإقتصاد الأميركي. وبطبيعة الحال لم يكن الرأي العام الأميركي بمعزل عن الجدل حول الإجراءات الإقتصادية المتضمنة في إطار حزمة المحفزات الإقتصادية؛ ومن ثم فإن استقصاء رؤية الأميركيين لانعكاسات اتباع تلك السياسات على الإقتصاد الأميركي قد اكتسب أهمية متصاعدة في الآونة الأخيرة، يُستدل عليها باتجاه مراكز استطلاعات الرأي العام لإجراء سلسلة من الدراسات المسحية للتعرف على توجهات الرأي العام الأميركي في هذا الصدد.

انخراط الدولة في تنظيم الإقتصاد.. نقطة تحول

ارتبطت رؤية الأميركيين للسياسات الإقتصادية المطروحة من جانب إدارة الرئيس أوباما بتغير موقف الرأي العام الأميركي حيال انخراط المؤسسات الفيدرالية في تنظيم الإقتصاد الأميركي وهو ما كشفه استطلاع للرأي أجرته شبكة سي بي إس الإخباريةCBS News في 4 من فبراير الحالي (2009)، عبر خلاله حوالي 40% ممن شملهم الاستطلاع عن أن الحكومة الفيدرالية لا تتخذ الإجراءات الكافية لتنظيم الإقتصاد والشؤون المالية، في مقابل تأكيد حوالي 28% عن تدخل الحكومة الفيدرالية بصورة زائدة عن الحد لتنظيم الإقتصاد.

وإذا ما قارنا تلك النتائج باستطلاع آخر للرأي أجرته ذات المؤسسة 24 من فبراير عام 2002 أبدى خلاله حوالي 35% رغبتهم في تقليص الإجراءات الفيدرالية المنظمة للإقتصاد الأميركي، في مقابل تأييد حوالي 26% لتعزيز تلك الإجراءات. وهو ما يشير إلى أن الرأي العام الأميركي قد أضحى يفضل انخراطًا متزايدًا من جانب الحكومة الفيدرالية في وضع أطر قانونية لتنظيم التعاملات الإقتصادية.

وفي هذا الصدد أشار حوالي 59% ممن شملهم استطلاع للرأي أجرته مؤسسة أبحاث الرأي العام Opinion Research Corporation Poll في 19 من فبراير 2009 إلي أن التشريعات الإقتصادية الفيدرالية المنظمة للمؤسسات المالية قليلة للغاية، في مقابل تأكيد حوالي 22% على أن تلك التشريعات متعددة بشك يعوق التعاملات الإقتصادية. ونوه حوالي 74% إلي أن بعض المؤسسات المالية تتبع أساليب غير قانونية أدت لتبديد أموال صغار المستثمرين. وتواكب ذلك مع تأييد حوالي 63% لتدخل الحكومة الفيدرالية لدعم بعض المؤسسات الصناعية والمالية المعرضة للإفلاس، مثل شركات صناعة السيارات والبنوك من خلال دعم مالي مباشر لفترة محدودة. وإذا ما لم تتمكن تلك المؤسسات من تصحيح أوضاعها خلال عام مالي واحد فإن حوالي 70% ممن شملهم الاستطلاع يرون ضرورة إنهاء برامج المساعدة الفيدرالية لها حتى لا تصبح عبئًا على الموازنة العامة.

سياسات بوش وأزمة الإقتصاد الأميركي

على الرغم من ذلك التأييد لتدخل الحكومة الفيدرالية لتصحيح أوضاع القطاعات الإقتصادية المختلفة إلا أن خطة الإنقاذ الإقتصادي التي طرحتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وأقرها الكونغرس الأميركي، قد تعرضت لانتقادات حادة من جانب فئات الرأي العام الأميركي وهو ما اتضح من خلال نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة جي إف كي روبر للعلاقات العامة والإعلام GfK Roper Public Affairs Media في 17 من فبراير 2009 والتي أظهرت تقييم حوالي 47% ممن شملهم الاستطلاع لحزمة المحفزات المالية التي تبنتها إدارة الرئيس بوش بانعدام الفاعلية في مقابل تأكيد حوالي 36% بأنها أدت لتفاقم مشكلات الإقتصاد الأميركي.

تواكب ذلك مع تأكيد الجمهور الأميركي على أن السياسات الإقتصادية للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش كانت أحد أسباب الأزمة المالية التي يعاني منها الإقتصاد الوطني، وهو ما يستدل عليه باعتراض حوالي 74% ممن شملهم استطلاع للرأي أجرته شبكة إيه بي سي الإخبارية ABC News بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست Washington Post على السياسات الإقتصادية لإدارة الرئيس جورج بوش في 30 من سبتمبر 2008 وهو ما اعتبر تغيرًا جوهريًّا حيال الأطروحات الإقتصادية المحافظة للحزب الجمهوري التي تقوم على تقليص السيطرة الفيدرالية على الإقتصاد وإفساح المجال لعمل آليات السوق الحر والمنافسة الإقتصادية، وهي سياسات كانت تحظى بتأييد غالبية الأميركيين في فترة سابقة. وفق نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة وول ستريت جورنال Wall Street Journal في يناير 2004 والتي تضمنت تأييد حوالي 49% ممن المبحوثين للسياسات الإقتصادية لإدارة الرئيس بوش في مقابل انتقاد حوالي 45% لتلك السياسات.

خطة أوباما من منظور الرأي العام الأميركي

وفي المقابل فإن غالبية فئات الرأي العام الأميركي قد وضعت ثقتها في إدارة الرئيس باراك أوباما وهو ما يمكن الاستدلال عليه بنتائج استطلاعات الرأي التي أيدت حزمة المحفزات الإقتصادية التي اقترحها أوباما والتي تتعدى قيمتها الإجمالية حوالي 800 مليار دولار، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز غالوب لاستطلاعات الرأي Gallup Poll في 10 من فبراير الحالي (2009) أن حوالي 59% من الأميركيين يؤيدون مقترحات الرئيس أوباما لتحفيز الإقتصاد الأميركي، في مقابل معارضة حوالي 33%، وهي ذات النتائج التي أوضحها استطلاع شبكة السي إن إن الإخبارية CNN في 8 من فبراير الحالي أيضًا (2009) بتأييد حوالي 54% لخطة الرئيس أوباما في مقابل معارضة حوالي 45% ممن شملهم الاستطلاع.

لم يقتصر الموقف الإيجابي للجمهور الأميركي على الموافقة فحسب على خطة إدارة الرئيس أوباما بشكل عام وإنما انطوى ضمنيًّا في الوقت ذاته على تقييم إيجابي لكافة الإجراءات التي انطوت عليها حزمة المحفزات الإقتصادية، حيث أكد حوالي 73% ممن شملهم استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جي إف كي روبر للعلاقات العامة والإعلام GfK Roper Public Affairs Media في 17 من فبراير الحالي (2009) على ثقتهم في الأثر الإيجابي للتخفيضات الضريبية التي دعا إليها أوباما على الإقتصاد الأميركي، ونوه حوالي 62% ممن شملهم ذات الاستطلاع إلى أن زيادة الدعم المادي للفقراء سوف تؤدي للنتيجة ذاتها، وأكد حوالي 66% في الاستطلاع ذاته على أن الانسحاب من العراق قد يكون له أثر إيجابي كذلك على حالة الإقتصاد الأميركي، وأشار 76% إلى أن زيادة الإنفاق الفيدرالي على البرامج الوطنية الخاصة بالتعليم والطاقة والرعاية الصحية والبنية التحتية من شأنه أن ينشط التعاملات الإقتصادية.

وفي السياق ذاته أكدت نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز بيو لدراسات الرأي العام في 8 من فبراير 2009 على التأييد المتصاعد من جانب الجمهور الأميركي لسياسات أوباما الإقتصادية، حيث أيد حوالي 51% ممن شملهم الاستطلاع أن حزمة المحفزات الإقتصادية تعد فكرة جيدة في مقابل تقييم حوالي 34% لتلك الخطة بصورة سلبية، وأيد حوالي 48% زيادة الإنفاق الفيدرالي في مقابل معارضة 34% ممن شملهم الاستطلاع، وعبر حوالي 66% عن تأييدهم لدعم الحكومة الفيدرالية ماليًّا للمنتجين الأميركيين لزيادة قدرة منتجاتهم التنافسية على المستوى الدولي.

تقييم أداء الكونغرس والاستقطاب الحزبي

ارتبطت تلك المواقف بتأييد الغالبية للأداء الإقتصادي لإدارة الرئيس باراك أوباما، وهو ما أكده حوالي 67% ممن شملهم استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي Gallup Poll في 7 من فبراير في مقابل انتقاد حوالي 25% لذلك الأداء. بينما لم يحظ الديمقراطيين بمجلسي الكونغرس الأميركي فيما يتعلق بأدائهم الإقتصادي سوى بتأييد حوالي 48% ممن شملهم ذات الاستطلاع، في مقابل انتقاد حوالي 42%. أما الأعضاء الجمهوريون بمجلسي الكونغرس فقد كان أدائهم موضع انتقاد حوالي 51% ممن شملهم الاستطلاع في مقابل استحسان حوالي 31% لذلك الأداء.

تكونت قناعة لدى غالبية المواطنين الأميركيين مفادها أن الكونغرس بمجلسيه لا يتعاون بشكل كاف مع مؤسسة الرئاسة للتعامل مع تداعيات الأزمة الإقتصادية نتيجة للفترة التي استغرقها الكونغرس قبيل إقرار حزمة الحوافز الإقتصادية وهو ما أكده حوالي 64% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة جي إف كي روبر للعلاقات العامة والإعلام GfK Roper Public Affairs Media في 17 من فبراير، في مقابل تأكيد حوالي 27% على أن تعاون الكونغرس مع الإدارة الأميركية في مستوى ملائم للأوضاع الإقتصادية الراهنة.

وفي الإطار ذاته أكد حوالي 81% ممن شملهم استطلاع للرأي أجرته شبكة سي بي إس الإخبارية CBS News إلى أهمية اجتذاب الخطة الإقتصادية المرجح تنفيذها لتأييد قيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالكونغرس، وليس بأن يتم تمريرها بموافقة الأغلبية الديمقراطية بمجلسي الكونغرس فحسب.

ولم يحدد غالبية الجمهور الأميركي موقفهم تجاه مدى إمكانية قبول إدخال تعديلات على خطة أوباما لكي تلقى تأييدًا من جانب الأعضاء الجمهوريين بالكونغرس الأميركي وهو ما اتضح من خلال استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة يو إس إيه توداي في الأول من فبراير 2009 حيث أيد حوالي 38% ممن شملهم الاستطلاع عدم إدخال أي تعديلات على خطة أوباما الإقتصادية خلال عرضها على الكونغرس، في مقابل تأييد حوالي 37% على تعديل الخطة بصورة طفيفة لاجتذاب تأييد أعضاء الحزب الجمهوري بالكونغرس.

الانعكاسات الإيجابية لتطبيق حزمة التحفيز الإقتصادي

على صعيد الأثر المتوقع لخطة أوباما على الإقتصاد الأميركي يعتبر الرأي العام الأميركي حزمة المحفزات الإقتصادية خطة طويلة الأمد للتعامل بشكل بنيوي مع الأزمة المالية وتحفيز الإقتصاد الأميركي وهو ما أكدته نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز إيبسوس لاستطلاعات الرأي Ipsos في 18 من يناير 2009، فعلى الرغم من تطلع غالبية من شملهم الاستطلاع ونسبتهم حوالي 56% لجني ثمار الإجراءات الإقتصادية لإدارة أوباما في فترة تتراوح بين شهر وستة أشهر، إلا أن غالبية من شملهم الاستطلاع بنسبة 71% قد أكدوا أن الآثار الإيجابية لتلك الإجراءات لن تبدأ في الظهور على المستويين الفردي والوطني قبل مرور عام على الأقل على تطبيق الخطة.

وفي هذا الصدد أكد حوالي 55% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة جي إف كي روبر GfK Roper Public Affairs Media في 17 من فبراير الحالي (2009) أن حزمة المحفزات الإقتصادية سوف تنعكس إيجابًا على الإقتصاد الوطني الأميركي لاسيما على مستوى تنشيط الطلب لاستيعاب الإنتاج ومن ثم خلق فرص عمل بصورة ديناميكية. وفي المقابل فإن جانبًا كبيرًا من المواطنين الأميركيين يشككون في أن تلك الإجراءات سوف تنعكس بصورة آنية على أوضاعهم الاجتماعية والمالية وهو ما اتضح من خلال نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة غالوب في الأول من فبراير 2009 والذي أكد خلاله حوالي 41% ممن شملهم الاستطلاع على أن الإجراءات الإقتصادية المزمع اتخاذها لتحفيز الإقتصاد الأميركي قد لا تؤثر على أوضاعهم المالية إيجابا أو سلبًا على المدى القصير في مقابل تأكيد حوالي 32% على أن أثرها الإيجابي سوف ينعكس على أوضاعهم المالية والاجتماعية بشكل آني وعلى المدى القصير.