القاهرة: أكّـد نشطاء وخبراء مصريون متخصِّـصون في السياسة والإعلام والقانون وعِـلم الاجتماع والحركات الاحتجاجية، أن هناك حربا شديدة الوطِـيس تدور رحاها بين النِّـظام من جهة، والمعارضين والمستقلِّـين في مؤسسات المجتمع المدني، من جهة أخرى.

ففيما يأخذ نشطاء المجتمع المدني بنوادي القُـضاة وأعضاء هيئة التدريس ونقابات المحامين والصحفيين والمهندسين والأطباء والصيادلة ومراكز حقوق الإنسان على عاتقهم مهمّـة تعزيز الحقوق والحريات، تسعى الحكومة بشتّـى الطُّـرق لـ quot;تضييق الخِـناقquot; وquot;فرض الهَـيمنةquot; وquot;سحب البِـساطquot;، للسيطرة على مجالس إدارات هذه المؤسسات، لإسْـكات المعارضين والقَـضاء عليها، إن استطاعت!

وفي محاولة للردّ على عدد من الأسئلة المُـثارة التي تشمل الأهداف المحتملة للسلطة من هذه المعركة؟ ومدى نجاحها في تحقيقها؟ وما هي عوامل النجاح أو الفشل في المعركة؟ وما هي آليات الترغيب والترهيب والتزوير والضغط المُـستخدمة في هذه المعركة؟ وما مدى قُـدرة المعارضين والمستقلِّـين في مؤسسات المجتمع المدني على الصُّـمود في مواجهة هذه الحملة وإفشال خُـطط السلطة؟التقينا عددًا من الخُـبراء والناشطين وهم: الكاتب والمفكر المصري، الدكتور رفيق حبيب، الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية والباحث بالهيئة الإنجيلية القبطية، والناشطة الإعلامية عبير سعدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين والناشط والمفكر المصري المهندس أحمد بهاء الدّين شعبان، عضو مؤسِّـس للحركة المصرية من أجل التغيير quot;كفايةquot; والناشط الحقوقي جمال تاج الدِّين، عُـضو المجلس السابق لنقابة المحامين والخبيرة السياسية الدكتورة هِـبة رؤوف عزّت، مدرسة العلوم السياسية بجامعة القاهرة.

سيطرة quot;خشِـنةquot; أم قوّة quot;ناعمةquot;!

في البداية، يفرق الكاتب والمفكِّـر المصري، الدكتور رفيق حبيب بين مرحلتين في الحياة السياسية المصرية، وهما: مرحلة ما قبل عام 2005 ومرحلة ما بعد عام 2005، ويشير إلى أنه quot;حتى قُـبيْـل عام 2005، كانت هناك سياسة مُـمنهجة لتحييد مؤسّسات المجتمع المدني وحِـصارها أو تجميدها، وقد حدَث هذا على مستوى النّـقابات والجامعات ومراكِـز حقوق الإنسان والأحزاب السياسية ومختلف مؤسسات المجتمع المدنيquot;، معترفًا بأن quot;الحكومة نجحت في وضع حدٍّ لدور هذه المؤسسات واستطاعت أن تجنِّـد بعض مؤسسات حقوق الإنسان، فتجعل دورها محدودًا أو قاصرًاquot;.

ويقول د. رفيق حبيب: quot;وفي عام 2005، حدَثت حالة حِـراك سياسي كبير، فانفلتت الأمور من يَـد النِّـظام، ثم عاد النظام للسَّـيطرة مرّة أخرى في عام 2006، لكن في صورة أكثر شراسَـة، تضمّـنت: السيطرة على القنوات الفضائية والتدخل لدى الصحف المستقلة ومحاولة حِـصار الإنترنت واعتقال مُـدوِّنين وإجراء تعديلات دستورية، شرعت المحاكِـم العسكرية والاستثنائية مع محاولة السيطرة على القضاة، وقد لوحظ هذا بوضوح في الانتخابات الأخيرة، التي أجريت بنادي القُـضاة وفاز بها أغلبية مؤيِّـدة للحكومةquot;!

ومعنى ذلك، أن المشهد الأخير يكشِـف عن محاولة عنِـيفة من النِّـظام، لفرض الهيمنة على مؤسّسات المجتمع المدني، لكن المناخ العام لم يعُـد كما كان قبل 2005، فالأمور التي تحرّكت لن يعُـد بالإمكان إعادتها لحالة الجمود التي كانت حتى عام 2004، كما أصبحت صورة النظام مهزوزة لدى الرأي العام، ممّـا يؤكِّـد أن مسألة الهَـيمنة الكاملة لم تعُـد مُـحتملة في المُـستقبل، لهذا، نتوقّـع شكلا من أشكال الصِّـراع بين مؤسّسات المجتمع المدني، التي تُـريد أن تتحرر، وبين النظام الذي يُـريد أن يُـسيطر ويفرِض هيْـمنته. أعتقد أن الخطأ الأصلي، أن النظام يستخدم السَّـيطرة الخشِـنة وليست النّـاعمة، وأن التّـرغيب والتّـرهيب، يكون في إما أن تُـعتَـقل أو تُـصبح تابعا للنِّـظام، وكلاهما ترهيب من وجهة نظري، فلو استخدَم النظام السياسة الناعمة، لأمكنه تحقيق نتائج أفضل، لأنه سيُـسيطر آنذاك على مساحات لكلّ الأطراف لتتحرك، ولكن في حدود إما مُـسيطر عليها أو متّـفق عليها، أما فكرة تقييد وتكبيد حرية الجميع مرة واحدة، فهي سياسة خشِـنة وعواقِـبها وخِـيمة على الجميع، بما فيهم النظام.

وحول قُـدرة المجتمع على الصُّـمود وإفشال خطط السلطة، يقول حبيب: quot;الخطوة الأولى - وهي التي تحدُث الآن - أن كل القِـوى بدأت تتحرّك في قضايا نوعِـية وفِـئوية. فهناك إضراب سائِـقي النّـقل وإضراب الصيادلة و... وهنا، لابدّ أن نعترِف بأنّ حجْـم وثقافة هذه الإضرابات، لم تكُـن معروفة في مصر من قَـبل، فالمجتمع بدأ يُـواجه النظامquot;.

أما quot;الخُـطوة الثانية، والتي لم تبدأ بعدُ، فهي أن هذه الكِـيانات التي تحرّكت لمواجهة بطْـش النظام، عليها أن تُـقيم شبكة للتّـواصل والتنسيق وتوثيق العلاقات فيما بينها، ومن ثمَّ تستَـمدّ تصعيد المُـواجهة لتحقيق مطالب الشعب، وشيئًا فشيئًا، نصل للخُـطوة الثالثة، وهي أن يحدُث تحالُـف بين مؤسّسات المجتمع المدني والقِـوى السياسية الحيّة في المجتمع، لنصل للخُـطوة الرّابعة والأخيرة، وهي أن تبرُز زعامة وطنية تعبِّـر عن كل القِـوى السياسية والاجتماعية، لتقود حركة التّغيير في مواجهة النظام من خلال فهْـمٍ جماهيري واسِـع.

سلم النقابة.. quot;هايد بارك مصرquot;

متّـفقة مع سابقها، تؤكِّـد الناشطة الإعلامية عبير سعدي، عضوة مجلس نقابة الصحفيين المصريين أن quot;السلطة حدّدت هدفها باستهداف المجتمع المدني بشكل كبير، وبالفعل، فقد حقّـق النظام عدّة نجاحات أسفرَت عن تواجُـدٍ قويّ إلى حدٍّ كبير، وإن كان الإنترنت قد ظلّ بعيدا عن مُـتناول السلطة لفترة كبيرة حتى انتبَـهت لخطورته، فشرعت في استغلال الثَّـغرات التشريعية للتّـضييق على حرية التعبيرquot;، معتبرًا أن quot;التجمّعات المِـهنية والنقابات لم تكُـن بمنأىً، وقد تمّ استهداف سلم نقابة الصحفيين، والذي مثّـل quot;هايد بارك مصرquot;.

وقالت عبير سعدي: quot;حركة كِـفاية ظهرت بسبَب قُـصور الأحزاب واختزالها في مجرّد عدّة صحف، غير أن كفاية أصابها الهَـرم لسرعة تكَـوّنها من كيانات غير متجانِـسة. فهناك حالة من عدم الرِّضا تقول، إن هناك إصلاحا لابدّ أن يحدُث، كلّ هذا أصبح واضحا للمواطن المصريquot;، معتبرةً أن quot;انتخابات نادي القُـضاة الأخيرة، لم تكن استثناءً، فكان هناك دعم واضح للمرشّـح المؤيِّـد من الحكومة، وكان هناك تدخُّـل مباشر لتغليب مرشّـح على آخر، وأن نفس السِّـيناريو سيتكرّر في انتخابات نقابة المحامين القادمةquot;.

وأضافت عبير quot;وأعتقد أن انتخابات البرلمان القادمة في عام 2010، ستكون صعبة للغاية على المعارضة، وإن كُـنت متفائِـلة بخصوص ردِّ فعل المُـواطن المصري، الذي أصبح على درجة كبيرة من الوَعي، بأن السلطة تريد شخوصًا مُـوالين لتتمكّـن من السيطرة على مؤسّسات المجتمع المدنيquot;، مشيرة إلى أن quot;أسلوب المُـواجهة انتقل من مُـحاولة الاختراق والالتِـفاف، إلى محاولة استِـغلال الوضع الاقتصادي للتّـرغيب والتّـرهيب. فبدلا من أن السّـعي لتحسين أوضاع المواطن، بدأت تستغِـل الأزمة وتوظِّـفها في صِـراعها مع المعارضة بتقديم مزايا لتغليب مرشّـحيها، وهو ما يعني أن الحرب أصبحت مفتوحة، ومن ثَـمَّ، يجب أن تكون المواقِـف محدّدة وواضحةquot;.

وتختتم عبير بقولها :quot;مشكلَـتنا ليست في الديمقراطية، وإنما في الفَـساد الإداري والمُـجتمعي الذي انتَـشر بشكل صارخ وطال كل شيء في هذه الحياة، ومن ثمَّ، فإن إسقاط الفساد سيأتي بالإصلاح حَـتمًا، وفي اعتقادي أن الصحفيين هُـم المؤهّـلون لتحقيق هذا الإصلاح للمجتمع، غير أن الهَجمة عليهم شرِسة جدًا، وهناك محاولات لتشويهِـهم، ويمكِـننا أن نلمس هذا في بعض البرامج الحِـواريةquot;، مؤكِّـدة أن quot;هناك محاولة لتجويع الصّحفيين للضغط عليهم، لكن لابد أن يتحمّـل الصحفيون، وإن كان من الظُّـلم أن يتحمّـل الصحفيون وحدهم أوْزار المُـجتمع كله، في وقت أصبح الإفساد سلاح السلطة لضرب المعارضةquot;.

نجاحات تكتيكية.. لكن بطَـعم الهزيمة!

متّـفقًا مع سابقيه، يعترف الناشط والمفكِّـر المصري المهندس أحمد بهاء الدِّين شعبان، العضو المؤسِّـس للحركة المصرية من أجل التغيير quot;كفايةquot; بأن quot;الحكومة حقّـقت بعض النجاحات التكتيكية المؤقّـتة، فقد استطاعت أن تُـسيطر على نقابة الصحفيين، عندما أطاحت بجلال عارف المعارض، وأتت بمَـكرم محمد أحمد المؤيِّـد لها، وذلك لضبط إيقاع الصحفيين، كما استطاعت أن تفرض مجموعة من القُـضاة القريبين من خطِّـها ومصالحهاquot;، غير أن quot;هذه الخُـطوات، وإن كانت تشكِّـل مكسبًا للسلطة، إلا أنه مكسبٌ بطَـعم الهزيمة، لأنها في سبيل تحقيق هذا المكسب، داست على استقلال القَـضاء، هذه القيمة العُـليا يتِـم سحقها، والصحافة بدَلا من أن تبقى رقيبًا يتِـم السيطرة عليها والإطاحة بالمعارضين عن طريق إصدار أحكام قاسِـية ضدّهمquot;.

ويقول المهندس أحمد بهاء الدِّين: quot;في كلّ الحالات، يستطيع أيّ نِـظام أن يبطِـش بمعارضِـيه، لأنه سُـلطة لديها إمكانيات كبيرة، لكن كلّ التّجارب الدولية تؤكِّـد أن هذه نجاحات هشّـة لن تطول، والدّليل أنه منذ أن أطلقت حركة كفاية صيْـحتها (لا للتّـمديد.. لا للتّـوريث)، بدأت مرحلة السّـعي لكسْـر حالة الجمود وحاجِـز الخوف. نعم هناك انتِـكاسات، لكن المهِـم أنه قد أصبح لدى المصريين قناعة بضرورة التغييرquot;، مشيرًا إلى أنه quot;يستحيل القضاء على جِـذْر الحرية في المجتمع، مَـهمَـا كانت القُـدرات التي يملِـكها النِّـظام، فالمعركة ستنتهي حتماً بانتِـصار الشّـعب، كل نُـظم الديكتاتورية في العالم تهاوَت، نعم قد تأخّـر، لكن لابد أن تسقُـطquot;.

وتوقّـع بهاء الدِّين: quot;أن تستخدم السلطة خلال العامَـين المقبلين أساليب أشدّ شراسة، وانتظروا موقعة انتخابات مجلسَـيْ الشعب والشورى عام 2010، ستكون معركة طاحِـنة بين السلطة والمعارضة وسيُدْفَعُ خلالها ثمنٌ باهِـظ، وستكون التّـضحية كبيرة، لكنّـني أرى أمامي جنينا بديلا يتشكّـلquot;، مذكِّـرا بأنه quot;حتى عام 2004، لم يكن أحد في مصر يفكِّـر أن ينزل إلى الشارع ليتَـظاهر، بينما وقَـعت خلال عام 2008 فقط حوالي ألف مظاهرة وإضراب، شملت كل محافظات مصر وأغلب الفئات (القضاة/ الصيادلة/السائقين/ أساتذة الجامعات/ العمال/ الطلاب/ ...)quot;.

صيف 2009 شدِيد الحرارة!!

وتساءل متعجِّـباً: quot;مَـن كان يُـصدِّق منذ خمس سنوات فقط أن تحدُث بمصر مثل هذه الإضرابات؟! الشعب المصري بدأ يفِـيق ويُـدرك أنه ما لم يُـدافع عن حقوقه، فستكون الكارثة، المُـهمّ أن المَـسيرة بدأت والشعب قطَـع شوْطاً كبيراً مِـنها، فقد تمّ كسر حاجِـز الخَـوف لديه وأصبحت لديه جُـرأة على المواجهة، كل الفِـئات الاجتماعية بدأت تتحرّك للمُـدافعة عن مصالِـحها، كل المؤشِّـرات تشير إلى أن صيْـف مصر في عام 2009 سيكون شديد الحرارة، لأن نتائج الأزمة المالية العالمية ستكون قد مسّـت المواطن مباشرةquot;، مشيرا إلى أن quot;المؤشِّـرات تقول هذا، فعائدات القَـناة تتراجع والتصدير يتراجع والسياحة تتراجع، بل إن الحكومة نفسها اعترفت بأن هناك مشكِـلة وأن آثار الأزمة المالية قد طالتناquot;.

وأشار بهاء الدِّين إلى أن quot;دروس التاريخ تقول إن كل عمليات الحِـراك التي أثّـرت في مسار الشعوب، بدأت كجُـزر متناثِـرة، ثم التأمَـت شيئًا فشيئًا لتشكِّـل موْجات عارِمة، والآن سكِّـين الاقتصاد على رقبة الجميع، والدولة لا تملك شيئا في هذا الأمر. فالأزمة ستتفاقم في الفترة القادمة وستكتشِـف المعارضة سِـككها وتنظم صفوفها، وليس أمام النظام إلا أن يتراجع أو ينهار، لأنه الآن في مأزق تاريخيquot;، مذكِّـراً بأن quot;التاريخ يقول إن شاه إيران لم يكُـن يصدِّق أن نظامه سينهار، حتى قُـبيل ساعات فقط من سقوطهquot;.

ويوضح أن quot;الأحزاب السياسية التي لها شرعية أمام لحظة فارقة، إما أن تكسِـر القيود وتلتحِـم بالشعب، وإما أن يتجاوزها الزّمن، والقِـوى السياسية، بمختلف تياراتها أمام تحدٍّ تاريخي، إما أن تتحوّل لحركة شعبية وتتحمّـل التكلفة وتدفع الثمن أو تنشأ من داخلها قِـوى بديلة تُـطيح بها، والمثقّـفون مطلوب مِـنهم أن يكونوا أكثر جُـرأة وأن لا يخشَـوا من بطْـش السّـلطة، فالمعركة القادِمة هي معركة الشّـعب كله، والجماهير التي لا تملك أسلِـحة، تمتلِـك إرادتها. فالنظام لن يستطيع، مهما كان، أن يسجن الشّـعب كلهquot;!

ويختتم بهاء الدِّين بتأكيده على أن: quot;حالة الإحباط هي الحليف الإستراتيجي للسلطة، فالنظام لن يستطيع أن يحلّ أي مشكِـلة من مشاكِـلنا المتراكمة، لأنه إذا كان غير قادِر على (تنظيف الشوارع وتنظيم المرور...)، فكيف يُـمكنه أن يحلّ مشكلاتِـنا الكُـبرى وأوجاعنا المُـزمنة (البطالة والتعليم والصحة....)quot;، مستعيراً عِـبارة المفكِّـر الاقتصادي المصري الدكتور نادِر فرجاني quot;هذه السلطة التي تحكُـمنا، لم تعد سلطة، وإنما تشكيل عِـصابيquot;، على حدّ قوله.

صِـراع أزلي وquot;مثلّـث الرّعبquot;!

مُـتفقًا مع سابقيه، يؤكِّـد الناشط الحقوقي جمال تاج الدّين، عضو المجلس السابق لنقابة المحامين أن quot;صراع السلطة ونقابة المحامين، هو صراع أزَلي قديم يرجع إلى نشأة المجلِـس، فقد تمّ حلّـه 13 مرّة من قِـبل الحكومة، كما تمّ اعتقال أعضائه 3 أو 4 مرّات وصدرت قرارات بحلّه أو تشكيل مجالس مؤقّـتة أكثر من مرّة، كما صدر قرار بفرض الحِـراسة على النقابة 6 سنوات، إلا أن أعضاءها استطاعوا إرجاعها مرّة أخرىquot;، مشيرًا إلى أن quot;الحكومة في سبيل سيطرتها على نقابة المحامين، مستعدّة لفعل أيّ شيءquot;.

ويقول جمال تاج الدِّين: quot;القانون رقم 100 لسنة 1993 بشأن ديمقراطية النقابات المِـهنية، كان هدفه الخفِـي السّيطرة على النقابات المِـهنية وجميع الوسائل التي تمّ استحداثها، كان هدفها الأساسي تعطيل الانتخابات في النقاباتquot;، معتبِـراً أن quot;القضِـية ليست في كل النّـقابات، وإنما هي على وجه الخصوص، في المثلّـث الأقوى والأخطر، وهو (نقابة الصحفيين ونادي القضاة ونقابة المحامين)، والسّبب واضح: أنهم مُـزعجون ولديهم أدواتهم القانونية والإعلامية للحُـصول على حقوقهمquot;.

ويضيف تاج الدِّين أن quot;الحكومة استخدمت سِـلاح التّـرغيب والتّـرهيب مع الصحفيين، فرفعت البدل الشهري 200 جنيه (36 دولارا)، دُفعة واحدة، ثم أشهرت سيْـف الإحالة للمحاكمات لمَـن رفعوا صوتهم، فأحالت 5 رؤساء تحرير دُفعة واحدة للمُـحاكمة، كما استخدمت الأسلوب ذاته مع القُـضاة، فمنعت عنهم الدّعم المادي ورفضت السّماح بسفر قاضٍ لتلقِّـي العلاج، كل هذا لأنهم اختاروا تيّـار الاستقلال، واليوم، بعدما فاز مرشح الحكومة في انتخابات النادي الأخيرة، يُـعلن وزير العدل بأن كل الدّعم تحت أمر القُـضاةquot;، مشيرا إلى أنها quot;سياسة العَـصا والجزرة ضدّ مثلث الرّعب، (الصحفيين والقضاة والمحامين)، ولهذا، فأنا أعلِـنها صريحة: الدّور قادِم على نقابة المحامينquot;.

ويلخص تاج الدّين quot;روشتةquot; (وصفة) لمؤسسات المجتمع المدني في quot;الاستمرار في الكِـفاح والنِّـضال السياسي، حتى لو سيْـطرت الحكومة على كلّ المؤسسات وعلى تيار الاستقلال بنادي القضاة، أن لا ييأس وأن يستمِـر في الدِّفاع عن استقلال القَـضاء، كما ينبغي الاتصال بكافة مؤسّسات المجتمع المدني الأجنبية، ليس للاستقواء بها، وإنما لمُـمارسة ضغوط على السلطة، والاتصال برؤساء تحرير الصّحف لشرح قضايا التنظيمات النقابية والمهنية وعمل ندوات للتوعِـية والتّوضيحquot;، مطالبًا بـ quot;تشكيل لجنة للتّـنسيق بين النقابات، كما كانت من ذي قبل، لبدء مرحلة النِّـضال القانوني والسياسي، لاستعادة الحقوق المسلوبةquot;.

نظام لا يلعب سياسة quot;نظيفةquot;!!

تلخِّـص الخبيرة السياسية الدكتورة هِـبة رؤوف عزّت، مدرِّسة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الصِّـراع بين السلطة والمعارضة بقولها quot;نحن أمام دولة مركزية تاريخيا، هدفها الهيْـمنة على كل المساحات، ونظام استبدادي يعتمِـد على البطْـش بمعارضيه، فهو يُـحيل المعارضين للمحاكِـم العسكريةquot;، موضِّـحة أن quot;السلطة، وإن نجحت في تحقيق أهدافها في الهيمنة على مؤسسات المجتمع المدني، إلا أنها لم تنجَـح في إسكات المعارضة والقَـضاء عليها للأبد، كما يجِـب أن لا ننسى أن هناك نجاحات قد تحقّـقت للمعارضة، وأقربها إضراب الصيادلة وسائقي النّـقل، الذين اضطُـرت الدولةُ للاستجابة لمطالبهمquot;.

وأضافت د. هبة رؤوف أن quot;الترغيب والترهيب، ظلاّ وسيلة تعتمِـدها السلطة في مواجهة المعارضين لها في مؤسسات المجتمع المدني قاطبة، والأمثلة كثيرة: ما حدث في انتخابات نادي القُـضاة الأخيرة وما حدث من ضغوط على أعضاء نادي هيئة التدريس بالجامعات، وكلها رسائل يرسلها النظام للفئات المختلفةquot;، معتبِـرة أن quot;المشكلة أننا أمام نظام لا يلعَـب سياسة نظيفة، وإنما هو نظام واضح الاستبداد يريد الهيْـمنة على كل شيء، نظام يجمع كل أدوات البطْـش لتخويف مُـعارضيه، كما يستخدم سلاح المنح والمنع ويوظفه جيدا لخدمة هدفه الأساسي، ألا وهو الهيمنة على مقاليد الأمورquot;.

وتؤكد د. هبة على ضرورة quot;التفريق بين نوعيْـن من المعارضة، معارضة لها بُـعد سياسي، وهي مؤسسات المجتمع المدني التي تتحرّك في فضاء سياسي، والمعارضة غيْـر المؤسَّـسِـية، وهي بنظري الأهمّ الآن بمصرquot;، معتبرة أنه quot;على الرّغم من أن حركة كفاية تراجعت كثيرا بعد وفاة المفكِّـر د. عبد الوهاب المسيري، إلا أنها فتحت الباب أمام حالة حِـراك سياسي وكسرت حاجِـز الخوف أمام الناس بالنزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم وإحداث قدرة على التّـعبئة السياسيةquot;.

واختتمت د. هبه بقولها: quot;بإمكان المعارضة أن تنجح عندما تستطيع أن تُـربك السلطة بابتكار كِـيانات وأشكال جديدة للمعارضة غير مؤسسية، يصعب التعامل معها حكوميًا، مثل كفاية ومجالس الاتحاد الحُـرّ في الجامعات وحركة 6 أبريل ومجموعات quot;الفيس بوكquot; والمُـدوِّنين، لأن النظام يقع في دربكة حقيقية، عندما تظهر له أشكال ونماذج جديدة للمعارضة لم يتعَـوّد على التعامل معهاquot;، معتقِـدة أن quot;المكاسب لا تتحقّـق بالمؤسسة، وإنما بحجم الحِـراك النوعي الذي تُـحدثه، فكلّـما زادت هذه الأشكال الجديدة، غير المؤسسية، كلّـما ارتبكَـت السلطةquot;.