خبراء: الإنقلاب وارد والإنتخابات مستبعدة
مستقبل القيادة في السودان بعد مذكرة توقيف البشير

ابو الغيط يدعو الى quot;مؤتمر دوليquot; لمعالجة ازمة مذكرة توقيف البشير

محمد حميدة من القاهرة: قررت المحكمة الجنائية الدولية، الموافقة على مذكرة المدعي العام للمحكمة بإعتقال الرئيس السوداني عمر البشير وتوقيفه لمحاكمته عن التهم التي نسبها إليه المدعى العام أوكامبو بإرتكاب جرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور الجنوبي. ومع صدور الحكم أصبح هناك سيناريوهان لا ثالث لهما، الأول هو التجميد ويظل القرار حبر على ورق ويستمر البشير في ممارسة مهامه بناءً على ضغوط الدول العربية والإسلامية والإفريقية الرافضة للقرار، وإما ان يحدث الأسوأ وهو السيناريو الثاني ويتم تنفيذ قرار المدعي العام بالآليات التي تملكها المحكمة، إذا لم توافق الولايات المتحدة الأميركية على مطالب التجميد.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ضوء الاحتمال الثاني وهو: مستقبل الحكم في السودان؟ هل من الممكن ان يحدث تغيير في القيادة ؟ ام سيستمر حزب المؤتمر الحاكم ؟ وما مدى حدوث انقلاب عسكري على السلطة ؟ لا سيما ان الانقلابات في السودان -في ضوء التاريخ -طريق معهود في الوصول إلى السلطة، وقد وصل البشير نفسه الى سدة الحكم بانقلاب عام 1989، وهناك العديد من الأحزاب التي تقف ضده على الساحة وتنتظر اللحظة المناسبة للثأر من البشير، وما فرص عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يوليو/تمّوز المقبل؟

بداية نشير ان المادة 89 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية تحدد إجراءات إلقاء القبض على البشير، اما ان ترسل المحكمة الحكم أولا للدولة المقصودة quot;السودانquot; وتطالب قضائها بتنفيذ الحكم، والمتوقع في هذه الحالة ان ترفض السودان لأن اتفاقية المحكمة لم تصدق عليها الخرطوم ولا تعترف بها، وهو ما اعرب عنه المستوى الرسمي. او ان تطلب المحكمة من الدول المصدقة على ميثاق المحكمة بالقبض على البشير لو كان موجودًا في إقليمها، وتطلب تعاون باقي الدول للقبض عليه، وفي هذه الحالة يصبح البشير مطلوبًا من قبل 108 دولة الموقعة على الميثاق.

وبالتسليم جدلاً إذا رفضت السودان والدول المعنية قرار القبض ، تقوم المحكمة باحالة القرار تلقائيًا إلى مجلس الأمن الدولي، للبحث في كيفية تنفيذ القرار وإرغام هذه السودان على التعاون مع المحكمة، وإصدار قرار بموجب الفصل السابع من الميثاق يلزم سائر الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، ومن بينها السودان، بالتعاون لتنفيذ أمر الاعتقال. ولا يمكن في الوقت ذاته اغفال طرق اخرى قد تعول على اعدائه وتشجيعهم على اعتقاله لتسليمه للمحكمة او فرض حظر طيران فوق دارفور على غرار الحظر الجوي الأميركي على جنوب وشمال العراق قبل الغزو الأميركي وفرض حصار اقتصادي وسياسي وعسكري مواز.

وتتحدث تقارير عن إمكانية تكليف قوات حلف الناتو وقوات خاصة فرنسية أو أوروبية وأميركية مشتركة في عمليات خاصة باقتحام الحدود السودانية أو خارج السودان للقبض على البشير مثل إجبار طائرته على النزول في أحد المطارات الدولية لاعتقاله، واستخدام جميع الأسلحة والأجهزة المتاحة والموجودة في الدول الأعضاء ، ومنها أجهزة المخابرات، والقوات الخاصة، والأمن الداخلي والجيش بالإضافة الى أجهزة وقوات الأمم المتحدة لتنفيذ القرار.

وإذا حدث هذا الاحتمال الاسوأ بواحدة من الطرق المذكورة سلفًا، في هذه الحالة تتباين آراء الخبراء بشأن مستقبل الحكم في السودان. ومن جانبه لا يتوقع quot;حلمي شعراويquot; مدير مركز البحوث العربية والإفريقية حدوث انقلاب عسكري ضد حكومة البشير لسبب يرجعه شعراوي الى تأمين الحكومة لمنشأتها جيدًا وتشديد الإجراءات الأمنية حولها، ولا سيما من بعد محاولة الانقلاب على الخرطوم الأخيرة العام الماضي واقتحام حركة العدل والمساواة لمدينة ام درمان، وتتحسب حكومة البشير لهذا الاحتمال جيدًا وقد وصل البشير نفسه الى السلطة بانقلاب عسكري بدعم من جبهة حسن الترابي على حكومة الصادق المهدي.

وعلى الرغم من تأكيدات البشير على إقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في يوليو/تموز وتعهداته بالنزاهة والديمقراطية الا ان الخبراء لا يرون مصلحة البشير فى خوض هذه الانتخابات التي لها علاقة وثيقة بمستقبل السلام واتفاقية نيفاشا للسلام بين الشمال والجنوب، كما يؤكد شعراوى. لكن تستبعد الدكتورة quot;إجلال رأفتquot; أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة إجراء الانتخابات في موعدها نظرًاquot; للخلاف القائم بين شريكي الحكم حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان ولصعوبات أخرى تتعلق باستحالة إجراء تعداد سكاني شامل للبلاد وضعف الإمكانات وعدم الانتهاء من قوانين الانتخاباتquot; على حد قولها.

ويتوقع المحلل السياسي quot;محمد جمال عرفة quot; أن يجري تأجيل الانتخابات إلى ديسمبر 2009 على أقصى تقدير لأن اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب تستلزم إجراء الانتخابات في يوليو، وسيتطلب تأجيلها إلى كانون الأول/ديسمبر المقبل تعديلاً دستوريًا. وفي حالة تأجيلها أو الفشل في عقدها -كما يقول عرفة - يدفع هذا لتصعيد الخلافات مع الجنوبيين وربما تسريع انفصال الجنوب من جانب واحد دون انتظار لعام 2011 موعد الاستفتاء النهائي على تقرير المصير؛ ما قد يشعل حروب أهلية في الشمال والجنوب معًا بخلاف حروب الغرب quot;دارفورquot; ودخول السودان في منطقة عدم استقرار تعيده لما كان قبل قيام ثورة الإنقاذ عام 1989quot;.

ولا تستبعد الدكتورة إجلال فى الوقت نفسه احتمال حدوث انقلاب عسكري قائلة quot;الانقلاب وارد وخاصة في ظل استمرار الخلافات وتباين المواقفquot;، فهناك العديد من الأحزاب تقف ضد البشير على الرغم من إعلان الجماهير وبعض الأحزاب الشريكة فى الحكم دعمها ووقوفها خلفه، حيث يصر القادة الجنوبيين على تنفيذ أمر الاعتقال وتسليم البشير لنفسه للمحكمة الدولية.