ملامح حكومة نتنياهو قد تكرس ضعف الجهاز السياسي الإسرائيلي
قلق وخوف على مستقبل سلطة القانون من توجهات ليبرمان

نضال وتد من تل أبيب: على الرغم من عدم الإعلان بصورة نهائية عن حكومة نتنياهو القادمة، رغم مرور أكثر من أسبوعين على تكليفه بتشكيل الحكومة إلا أن ملامح هذه الحكومة بدأت تتبلور في الأيام الأخيرة، مع الإعلان النهائي والرسمي لكل من حزبي كديما والعمل عزمهما الاتجاه نحو تأسيس معارضة لحكومة اليمين، من جهة، واستئثار زعيم quot; إسرائيل بيتنا quot;، أفيغدور ليبرمان، على ما يبدو بحقيبة الخارجية وربما أيضا حقيبة الأمن الداخلي وتكريس والإبقاء على البروفيسور ليبرمان في منصب وزارة العدل، نزولا عند طلب ليبرمان نفسه. وبحسب المصادر الحزبية المطلعة في الليكود، فإن بوغي يعلون، رئيس الأركان السابق، والمعروف بمواقفه المتشددة، سيتولى حقيبة الأمن، في حين سيعهد نتنياهو لغدعون ساعر، بحقيبة التربية والتعليم، ولم يتضح بعد ما هي الوزارات التي سيتولاها كل من دان مريدور، وسيلفان شالوم وليمور ليفنات ويوفال شطاينتس وبيني بيغن ويسرائيل كاتس. وعلى الرغم من أن نتنياهو سيحاول الاحتفاظ بأحد عشر حقيبة وزارية لليكود إلا أن قرار نتنياهو، على ما يبدو إعطاء ليبرمان وزارة الخارجية أثار موجة من الغضب في صفوف قادة بارزين في الليكود وعلى رأسهم سيلفان شالوم، الذي كان يأمل بأن يتولى هذا المنصب.

وقاد هذا الأمر شالوم إلى عقد اجتماع لأنصاره في بيته في رامات غان للاحتجاج على إدارة نتنياهو للمفاوضات مع حزب ليبرمان. وحاول شالوم الضغط على نتنياهو للحصول على حقيبة الخارجية بدعوى أن سياسة الليكود وحزب الليكود هو الذي انتصر في الانتخابات وليس حزب ليبرمان أو شاس. واعتبر شالوم أنه يجب أن يكون لليكود تأثير على سياسة الحكومة عبر توليه الحقائب الوزارية المهمة وليس منحها لحزب يسرائيل بيتنا مثل حقيبة الخارجيبة والأمن الداخلي وحقيبة العدل وسلطة الجمارك التي يطالب ليبرمان بأن تكون خاضعة له.

ومع أن غالبية أعضاء الكنيست في الليكود غير راضين عن المفاوضات الجارية مع حزبي ليبرمان وشاس إلا أنهم يحجمون عن مهاجمة نتنياهو خشية أن يعود ذلك بالضرر عليهم عند توزيع مجمل الحقائب الوزارية أو حتى رئاسة اللجان في الكنيست. ويعتبر شالوم الوحيد الذي تجرأ لغاية الآن على مهاجمة سياسة نتنياهو، في حين فضل دان مريدور القول إن من شأنه الاستقالة من الكنيست إذا قبل نتنياهو بشروط ليبرمان بشأن الإبقاء على البروفيسور فريدمان في وزارة العدل وعدم تعيين أحد كبار حزب الليكود في المنصب.

إفلاس نتنياهو

إدارة نتنياهو للمفاوضات بهذا الشكل والملامح الأولية لحكومته دفعت بصحيفة هآرتس إلى تخصيص افتتاحيتها لسلوك نتنياهو تحت عنوان quot;إفلاس نتنياهوquot;. حيث كتبت الصحيفة تقول في كلمتها : إن اتفاقية الائتلاف الجاري بلورتها بين الليكود وإسرائيل بيتنا تهدد سلطة القانون وجهاز تطبيق القانون في إسرائيل، ويعكس إفلاس منظومة القيم التي يحملها رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهوquot; quot;لقد رفض نتنياهو أن يخفف من حدة مواقفه السياسية في سبيل تشكيل حكومة واسعة مع كديما، عبر انتهاك واضح لتعهداته خلال الحملة الانتخابية، عندما تعهد بالعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية. وها هو نتنياهو يدفع ثمن مواقفه المتصلبة من خلال تسليم المسؤولية عن وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي، وربما أيضا لجنة تعيين القضاة ولجنة الدستور والقانون والقضاء لأفيغدور ليبرمان وأنصارهquot;.

هناك تشوه أخلاقي فظ في تعيين شخص تحوم حوله الشبهات، مثل ليبرمان، مسئولا عن جهاز فرض القانون، المسئول بدوره عن ترقية محققي الشرطة الذين يحققون مع ليبرمان، وفي حال تقديم لائحة اتهام،سيكون ليبرمان مسئولا أيضا عن قضاته وعن من يحاكمونه. توجد أيضا إشكالية كبيرة في تسليم جهاز الشرطة لحزب أدار حملة انتخابية عنصرية ضد المواطنين العرب.

لكن هذه مخاوف، قد تتحقق أو قد تتبخر خلال فترة عمل الحكومة، في المقابل فإن موافقة نتنياهو على الإبقاء على الوزير دانييل فريدمان في وزارة العدل تشكل خطرا واضحا وملموسا يهدد جهاز فرض القانون. ففي فترة ولاية فريدمان في حكومة أولمرت أخذ فريدمان على عاتقه مهمة متعهد هدم الجهاز القضائي في إسرائيل، من خلال مطالبته بتحديد وتقييد الانتقادات القضائية على عمل الحكومة وضد القوانين المشرعة، وسعيه لتحييد مكانة ودور محكمة العدل العليا في قضايا الأمن وتعزيز التدخل السياسي والحزبي في تعيين القضاة.

وخلصت الصحيفة إلى القول إن من يبقي على فريدمان في منصبه يريد في الواقع مواصلة حملة الهدم والتحريض التي قادتها الحكومة السابقة ضد الجهاز القضائي، ولربما تصعيد هذه الحملة. هذه هي رسالة نتنياهو في حال أبقى على فريدمان في منصبه، ولن يكون بمقدوره التستر وراء الادعاء بأنه كان مضطرا لقبول شروط ليبرمان ، فنتنياهو يقف اليوم في مواجهة الجهاز القضائي بدلا من العمل على تعزيز هذا الجهاز وتقويته.

تمرد ضد نتنياهو

وعلى الرغم من إحجام أعضاء الكنيست، من الليكود، في المرحلة الحالية، عن مواجهته إلا أن أحد السيناريوهات المطروحة، وعلى ضوء تجربة نتنياهو في الحكم عام 98، عندما استطاع خلال وقت قصر تأليب الأعضاء البارزين في الحزب ضده، مرشح لأن يتكرر من جديد. ومع أن نتنياهو علق على تصريحات شالوم بأن من لا يريد حقيبة معينة ليس ملزما بأخذها إلا أنه يدرك أن تجاهل مواقف الأعضاء البارزين في الحزب، مثل ليفنات وشالوم ومريدور، قد يقود بعد تشكيل الحكومة، وتحديد هوية من من الوزراء يكون في المجلس الوزاري المقلص، إلى تمرد داخل أعضاء الكتلة وإلى تشكل مجموعة معارضة له داخل الحكومة وداخل الكنيست.

وفي حال تفاقم الأمور فقد يجد نتنياهو نفسه في نفس الوضع الذي كان فيه شارون عندما واجه معارضة قوية اضطرته في نهاية المطاف إلى الانشقاق عن الليكود وتأسيس حزب كديما. مع ذلك فإن نتنياهو، وخلافا لشارون، لن يجازف بمواقف quot;حمائميةquot; في الوقت الذي يشكل مريدور الرمز الوحيد داخل قائمة الليكود، للاعتدال والقبول بتسوية سياسية مع الفلسطينيين. وبالتالي فإن نتنياهو سيكون قادرا دائما على الاحتماء خلف مواقف سياسية يمينية متشددة لضمان وحدة الصف داخل الليكود، من جهة ولضمان بقاء الائتلاف الحكومي اليمين متماسكا ما لم تطح به الخلافات المرشحة للاندلاع بين حزب ليبرمان والأحزاب الدينية الأرثوذكسية على خلفية قضايا الدين والدولة وملفات الزواج المدني والاعتراف بيهودية المهاجرين من أصول روسية، وبالتالي تمكينهم من إجراء طقوس زواج دينية بدلا عن اضطرارهم، كما الحال اليوم، إلى إجراء عقود زواج مدني لا تعترف به الحاخامية الدينية الرسمية.

مواجهة مع أوباما

ومقابل الخوف على سلطة القانون والجهاز القضائي في إسرائيل، يرى المحلل السياسي ، لصحيفة هآرتس، عكيفا إلدار أن حكومة نتنياهو، لن تتجه نحو حل الصراع مع الفلسطينيين، وستفضل، وفقا لمقالة كتبها موشيه يعلون المرشح لحقيبة الأمن اعتماد سياسة جديدة تعتمد على مبدأ إدارة الصراع، وهو ما سيلقى قبولا عند حماس بالذات، مقابل إصرار سلطة محمود عباس على مبدأ الدولتين.

ويرى إلداد إن إدارة أوباما ستون أمام واحد من خيارين إما الإصرار على مبدأ الدولتين و الدخول في مواجهة مع حكومة نتنياهو على خلفية رفض مفهوم ومبدأ الدولتين، وإما القبول بسياسة إدارة الصراع وخوض المواجهة، مع حكومة نتنياهو عبر مطالبتها بتجميد الاستيطان وتقديم التسهيلات اليومية للفلسطينيين. ويخلص إلدار إلى القول إن السؤال المحوري هو هل سيسير أوباما على خطى بوش الأب في العملية السياسية التي انطلقت من مدريد أم سيراوح مكانه على خطى بوش الإبن؟ وهل سيضطر إسرائيل إلى الاختيار بين عملية السلام وتجميد الاستيطان ، بين علاقات ثقة مع الولايات المتحدة ومساعدات كريمة، أم أنه سيقود الصراع على طريق بوش الإبن من شرم الشيخ إلى أنابوليس وهكذا دواليك؟