الرئيسان العراقي والتركي أكدا فتح صفحة تعاون جديدة بين بلديهما
غول بحث مع المالكي أمن المنطقة ودعا بارزاني لجهود ضد العمال

المباحثات العراقية التركية برئاسة طالباني وغول

أسامة مهدي من لندن: بحث الرئيس التركي عبد الله غول في بغداد اليوم مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي علاقات البلدين وتأثيرها على أمن المنطقة.. ثم دعا رئيس حكومة إقليم كردستان نجيرفان بارزاني إلى بذل مزيد من الجهود لإيقاف العمليات المسلحة لحزب العمال التركي الكردستاني ضد تركيا إنطلاقاً من أراضي الأقليم المحاذية لها في حين أكد غول والرئيس العراقي جلال طالباني على أن صفحة جديدة في علاقات بلديهما قد فتحت نحو مزيد من التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. وخلال اجتماع بين المالكي وغول قبيل مغادرته إلى بغداد إثر زيارة استمرت يومين هي الاولى من نوعها لرئيس تركي الى العراق منذ 33 عاما فقد تم quot; بحث تطوير العلاقات بين البلدين الجارين في جميع المجالات بما يخدم الامن والاستقرار في المنطقة ويعزز فرص التعاون لخدمة الشعبين الصديقينquot;. وعبر المالكي quot;عن ترحيبه بزيارة الرئيس التركي الى العراق والتطور الذي بلغته العلاقات بين العراق وتركياquot; كما قال بيان صحافي لمكتب المسؤول العراقي تسلمت quot;إيلافquot; نسخة منه.

مباحثات بين غول وبارزاني

وقبل مباحثات المالكي مع غول فقد اجتمع هذا الاخير مع رئيس حكومة اقليم كردستان العراق الشمالي نيجرفان بارزاني الذي وصل الى بغداد من اربيل امس خصيصا لعقد هذا اللقاء وهو الاول من نوعه على هذا المستوى حيث تم بحث تطوير العلاقات السياسية الاقتصادية والثقافية بين انقرة واربيل. كما شكل موضوع أمن الحدود العراقية التركية أحد جوانب المباحثات حيث دعا غول القيادة الكردية الى مزيد من الجهود والتعاون للتصدي لحزب العمال الكردي الكردستاني الذي يشن عملياته العسكرية ضد تركيا انطلاقا من اراضي الاقليم المحاذية لاراضي بلاده وحيث توجد قواعد الحزب العسكرية هناك منذ سنوات عدة. وكانت العلاقات بين العراق وتركيا قد شهدت تأزما حادا على خلفية مقتل 13 جنديا تركيا في كمين نصبه عناصر حزب العمال في أيلول ( سبتمبر) من العام الماضي لكن مساعي دبلوماسية عراقية وأميركية خففت من حدة الأزمة. ثم تجددت الأزمة حينما شنت القوات التركية الشهر الماضي حملة عسكرية داخل الأراضي العراقية في مناطق كردستان الحدودية لمطاردة عناصر حزب العمال قام على أثرها الرئيس طالباني بزيارة لتركيا ليدعو لإقامة علاقات إستراتيجية بين البلدين.

وفي ختام زيارته الى بغداد فقد ودع طالباني غول في مقر اقامة الاخير في بغداد و حضر لقاء التوديع السيدة الاولى هيرو ابراهيم احمد و نظيرتها التركية خير النساء. وعبر طالباني خلال التوديع عن سروره بالنتائج الايجابية التي تمخضت عنها زيارة غول الى العراق ولقاءاته المثمرة مع ممثلي الكتل السياسية المتنوعة. وأكد انه سيكون للزيارة دور بارز في تعميق العلاقات الثنائية و توسيعها في جميع الميادين وفتح صفحة جديدة من العلاقات المتينة وتوطيد اطر التعاون والتنسيق المشترك لتكون هذه العلاقات نموذجية يحتذى بها كما نقل عنه بيان رئاسي عراقي الى quot;إيلافquot;. واشار الى ان الرئيس التركي اكد اهمية تمتين العلاقات الثنائية بين العراق و تركيا و ضرورة بذل الجهود المشتركة لتوطيدها خدمة للمصالح المشتركة ورفعة شعبي البلدين الصديقين.

وكان الرئيس التركي قد وصل الى بغداد امس الاثنين على رأس وفد رسمي رفيع المستوى حيث جرى عقد اجتماع رسمي لوفدي البلدين برئاسة الرئيسين طالباني وغول quot;بحثا خلاله سبل توسيع العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والامنية و التجارية والنفطية quot;. كما اجرى الرئيس التركي سلسلة من اللقاءات مع كبار المسؤولين العراقيين وعدد من ممثلي الاطياف السياسية في البلاد.

اتفاق عراقي تركي اقتصادي استراتيجي

ويوم امس اعلن الرئيس العراقي جلال طالباني انه اتفق مع الرئيس التركي عبد الله غول خلال مباحثاتهما على تعزيز التعاون بين بلديهما امنيا وسياسيا واقتصاديا ونفطيا وتوسيع العمل المشترك لمواجهة نشاط حزب العمال التركي الكردستاني فيما وقع الرئيسان على اتفاقية تعاون اقتصادي استراتيجية ترفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 5 الى 10 مليارات دولار.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع غول قال طالباني حول مايمكن ان يقدمه العراق للتعاون مع تركيا لمواجهة حزب العمال الكردستاني التركي ان بلاده متعاونة في هذا المجال وهي تشترك في لجنة ثلاثية مع تركيا والولايات المتحدة لمواجهة العمليات الارهابية للحزب اضافة الى عملها الاعلامي والسياسي لفضح الاهداف الارهابية للجماعات المسلحة. وقال ان الدستور العراقي يمنع تواجد المنظمات الاجنبية المسلحة على اراضيه. ووجه طالباني نداء الى حزب العمال لالقاء السلاح والدخول في العملية السياسية في تركيا التي تعيش نظاما ديمقراطيا والعمل سياسيا واعلاميا بشكل علني. وشدد على ان حزب العمال امام خيارين فاما إلقاء السلاح بشكل نهائي او مغادرة العراق. وقال ان quot;استخدام السلاح يلحق ضررا بالاكراد وبجميع الشعب العراقيquot;.. واعتبر ان quot;ما يقوم به العمال الكردستاني يسيء الى الشعب الذي يحارب باسمهquot;.

ومن جهته اشار الرئيس غول الى ان ما تتطلع له تركيا من تعاون من قبل سلطات اقليم كردستان العراق الشمالي قال غول ان قادة وقواعد حزب العمال التركي موجودون في شمال العراق ولذلك quot;نعول على حكومة الاقليم في تعاون اكبر في مواجهة الحزب وقد ان الاوان لانهاء هذه المشكلة التي تعيق تطور العلاقات التركية العراقية لان حزب العمال يمثل بلاء ولذلك يجب ان يتعاون الجميع لدفع هذا البلاء وهذا الارهابquot;. واشار الى ان هناك مهام اكبر تقع على مسؤولي الاقليم الذي يتواجد حزب العمال على اراضيهم وقال quot;انا متأكد انهم في الاقليم يحملون تصميما لعمل ماهو مطلوب منهمquot;.

توسيع التعاون التجاري

وعن التعاون التجاري العراقي التركي فقد أعلن وزير الدولة للتجارة الخارجية التركي كورشاد توزمان الذي رافق غول في زيارته أن الصادرات التركية إلى العراق عوضت تراجع صادرات البلاد الى الدول الاوروبية التي تشهد اقتصاداتها ركودا متزايدا. وأضاف في تصريح صحافي أن الصادرات التركية إلى العراق قفزت بنسبة 75 في غضون الشهرين الماضيين من العام الحالي مدعومة بالتطور الذي شهدته العلاقات بين البلدين خصوصا التجارية والاقتصادية.

وأوضح ان الركود الاقتصادي الذي تمر به أوروبا (المنفذ الرئيس للسلع التركية) ادى الى تقلص صادرات البلاد الى هذه السوق بنسبة 30 % لكن الطلب المتزايد من السوق العراقية عوضت هذا التراجع. واشار الى ان قيمة الصادرات التركية للعراق خلال الشهرين الماضيين بلغت حوالى 830 مليون دولار مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي التي لم تتجاوز قيمتها اكثر 470 مليون دولار. وأكد تطلع بلاده الى رفع حجم التبادل التجاري مع جارتها الجنوبية الى معدل سبعة مليارات دولار لهذا العام للتعويض عن ضعف الطلب في الاسواق الاخرى خصوصا في اوروبا والولايات المتحدة التي تضررت اقتصاداتها بشدة من جراء الازمة الاقتصادية العالمية.

وبحسب الاحصاءات الرسمية التركية فان حجم التبادل التجاري مع العراق بلغت قيمته العام الماضي 5.2 مليارات دولار من بينها 3.9 مليارات دولار على شكل صادرات تركية متنوعة هيمنت عليها الالات الصناعية والكهربائية والغذائية في حين بلغت الواردات من العراق 1.3 مليار دولار معظمها منتجات نفطية.

عمل مشترك لمواجهة النشاطات المسلحة للعمال

وفي وقت سابق اكد المالكي خلال مباحثات في بغداد مع وزير الداخلية التركي بشير أتلاي ان البلدين يعملان على وضع اسس لمواجهة ارهاب حزب العمال الكردستاني التركي. وقال quot;ان تركيا بلد مهم وجار وصديق وان ما يؤذي تركيا يؤذينا ايضاًquot;. واضاف quot;ان لتركيا مواقف مهمة في دعم الحكومة العراقية ووحدة الصف الوطني العراقي خلال الفترة التي كانت فيها الاوضاع صعبة ومتجهة نحو الحرب الطائفية التي تجاوزناها وتغلبنا عليهاquot;.

وأكد المالكي حرص الحكومة العراقية على تطوير العلاقات مع تركيا في مختلف المجالات السياسية والامنية والاقتصادية وقال quot;ان هذه الزيارة تعد خطوة مهمة على طريق جهود بلدينا في مكافحة الإرهاب وانها ستضع الاسس والقواعد لمواجهة حزب العمال الكردستاني الارهابيquot;.. مضيفاً quot;ان جهودنا المشتركة ستكون اكثر فاعلية في التصدي لهذه المنظمة الارهابيةquot;.

ومن جهته قال الوزير التركي ان تأسيس المجلس الاستراتيجي الذي تم خلال زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى بغداد في تموز (يوليو) الماضي واللقاءات التي أجراها مع المالكي والمسؤولين الاخرين ستسهل في إتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق نتائج مثمرة على طريق التعاون بين البلدين مؤكدا حرص تركيا على تقديم الدعم ليكون العراق بلدا قويا وموحدا. وقد شكل العراق وتركيا والولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لجنة مشتركة لمتابعة التهديد الذي تمثله منظمة حزب العمال الكردستاني لأمن وإستقرار تركيا والعراق ووضع الإجراءات الرادعة لوقف أي نشاط محتمل لهذه المنظمة داخل الأراضي العراقية أو في المناطق المتاخمة للحدود العراقية التركية.

وقد صعدت تركيا مؤخرا غاراتها الجوية عبر الحدود وقصفها لشمال العراق منذ ان قتل متمردو حزب العمال 17 جنديا تركيا في كمين نصب لهم في جنوب شرق تركيا.. وتعتبر واشنطن وبغداد حزب العمال الكردستاني منظمة ارهابية وتعطيان تركيا الحق في القيام بعمليات محدودة عبر الحدود ضد مقاتليه لكنهما يخشيان من وجود عسكري تركي واسع النطاق قد يزعزع الاستقرار في شمال العراق. وزار الجنرال راي اوديرنو قائد القوات الاميركية في العراق تركيا وناقش جهود التصدي للحزب كما زار مسؤولون أتراك بغداد لبحث الامر خلال الاسابيع القليلة الماضية.

واجرى مساعد رئيس الاركان التركي الجنرال حسان اكزيس مباحثات في بغداد مطلع الشهر الحالي مع كبار القادة العسكريين العراقيين لتعزيز مواجهة البلدين لحزب العمال وتنشيط مكتب التنسيق العراقي التركي الاميركي في اربيل لمواجهة تحركات مسلحي الحزب ضد الاهداف التركية انطلاقا من مناطق اقليم كردستان العراق. وتتعرض المناطق الحدودية العراقية الشمالية في إقليم كردستان المتاخمة لإيران وتركيا لقصف جوي تركي ومدفعي إيراني من وقت لاخر لضرب معاقل عناصر حزب العمال الكردستاني التركي وحزب الحياة الحرة الكردستانية الايراني وهما حزبان كرديان معارضان لطهران وأنقرة. وحزب العمال الكردستاني هو تنظيم يساري علماني حمل السلاح منذ ثمانينات القرن الماضي سعيا لاقامة ldquo;وطن للاكرادrdquo; جنوب تركيا وغالبا ما تتكرر الغارات الجوية التركية على أراض عراقية لاستهداف عناصر هذا الحزب.

مشكلة المياه

وتناولت مباحثات غول مع المسؤولين العراقيين مشكلة المياه من اجل مواجهة موجة الجفاف التي تعاني منها البلاد. واعتبرت مصادر عراقية ان زيارة غول الى بغداد تشكل اهمية لدعم العلاقات ايجابيا خصوصا في ظل بقاء المشاكل العالقة مثل المياه والمتمردين الاكراد من دون حل. وانخفض منسوب المياه في دجلة والفرات بشكل ملحوظ، الامر الذي يلحق اضرارا كبيرة في الزراعة والاقتصاد بشكل عام.

وكان المالكي طالب تركيا في ايار(مايو) عام 2008 بزيادة الكميات المتدفقة الى دجلة والفرات بسبب quot;الشحة الشديدة التي تتطلب زيادة الكميات الواردة من تركيا ويعزز الحالة في دجلة لمواجهة الجفافquot;. ويعقد وزراء المياه والري في سوريا والعراق وتركيا اجتماعا من وقت لاخر لبحث التعاون بين دولهم في هذا المجال. كما اجرى العراق محادثات مع طهران حول قلة المياه ولا سيما ان معظم الروافد التي تغذي نهر دجلة تنبع من ايران.

يشار الى ان ايران اقامت سدودا على روافدها فيما يتهمها مسؤولون عراقيون بتحويل مسار بعض هذه الروافد الى الداخل الايراني بدلا من العراق. وينبع دجلة والفرات من الجبال التركية. وفيما يعبر الفرات سوريا قبل العراق، يمر دجلة بالعراق بعد عبوره الحدود السورية التركية لكنه يتلقى مياه روافد عدة تنبع في ايران. ويروي النهران العراق من الشمال الى الجنوب قبل ان يشكلا شط العرب الذي يصب في مياه الخليج.